ماض مظلم يطفو حول أصحابه في 'الغرق'

  • 7/10/2023
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تدور أحداث رواية "الغرق"للكاتبة السويدية كاميلا لاكبيرج أشهر كتاب الجريمة في السويد، حول جريمة قتل وقعت في إحدى القرى الهادئة شمال السويد. أربعة أصدقاء لديهم سر عميق ومظلم للغاية منذ زمن بعيد، وعلى الرغم من أن ثلاثة منهم قد نسوا ذلك إلى حد كبير، إلا أن أحدهم يحتل مكان الصدارة في ذهنه. يبدأ الأربعة في تلقي رسائل تهديد، لكن واحدًا فقط يعرف معناها. إنه "كريستيانتيدل" الروائي الشاب الذي يفاجأ برسالة تهديد داخل باقة من الزهور، ثم باختفاء صديقه ثم اكتشاف موته ووجود جثته مدفونةفي الجليد. وهكذا لم تدم فرحة "كريستيان"حيثينهار حفل إطلاق وصدور روايته الأولى "الحورية"،ويتحول واقعه إلى كابوس؛ فبين رسائل التهديد بالقتل التي يتلاقها هو وأصدقاؤه من مجهول يهدد بفضح ما حاولوا نسيانه،وموت أحدهم وهو صديقه المفضل "ماجنوس تشلنر" تنقلب حياته رأسًا على عقب، وتعود أشباح الماضي لتطارده. تحاول الكاتبة لقصص الجريمة"أريكا فلاك" والتي تربطها علاقة صداقة بـ"كريستيان"ولها الفضلفي اكتشاف مواهبه وتنميتها وفي تحرير أولى روايته، بمساعدة زوجها محقق الشرطة "باتريك هيدسترم"، كشف سر تلك التهديدات التي يتلقاها على الرغم من رفضه البوح عما يعرفه. إنها ـ أريكا ـ تشتبه في أن شيئًا ما يعذب كريستيان وتتجاهل مناشداته بعدم تدخل الشرطة وإبقائهابعيدا عن الأمر، وتصر على مواصلته التحقيق لينكشف أمامها ماضيه المظلم، وتقودها الأدلة إلى سلسلة من الخبايا والعلاقات المتشابكة وأسرار عائلية وقصة حب تضم ثلاثة أشخاص. إن الشراكة بين إريكا وزوجها محقق الشرطة باتريك هيدسترم والذي لمتحاول منعه من التدخل بناء على رغبة صديقها،تكشف المزيد من الشرور المكبوتة منذ فترة طويلة والتي تستهدف كريستيان وأنها ليست وهما إنما حقيقة مزعجة. ولكن صمته وصمتالضحايا الآخرينوتعتيمهم على الأدلة يعرقل التحقيق.. هل صمتهم مدفوع بالخوف أم الذنب؟ ما هو السر الذي يفضلون الموت لحمايته على أن يخرج للعلن؟ تستخدم لاكبيرج في روايتها التي ترجمتها بسمة شكري وصدرت أخيرا عن دار العربي أسلوبًا سرديًا غير معتاد في في الرواية والمعروف بـ "قصة داخل قصة" من خلال تضمين مقتطفات من رواية كريستيان "الحورية"، وهي رواية نكتشف في النهاية أنها تمثل سيرة ذاتية له، لذا فإن مقتطفات لاكبيرج منها هي في الواقع أجزاء من القصة الخلفية للرواية/ "الغرق". الأمر الذي يشكل جزءا مهما من الحبكة والجزء الأكثر إثارة للاهتمام. يروي "كريستيان" ذو الماضي الغامض ـ المتزوج من سانا ولديه طفلان ـ في "الحورية" قصة حزينة عن طفولته ومعاملة والديه القاسية والجافة له، فضلاً عن التنمر الذي تعرض له في المدرسة، وما واجهه من سلبيات المجتمع الذي أحاط بنشأته. مقتطف من الرواية قالت مديرة دار النشر ورائحة العطر تفوح منها: - "كريستيان"! ثم اتجهت إليه لتعانقه. حبس "كريستيان" أنفاسه حتى لا يضطر إلى استنشاق رائحة العطر النفاذة. لم تكن البساطة من صفات "جابي فون روزن"، فكل شيء فيها مُبالغ فيه: شعر كثيف، و"مكياج" ثقيل، وعطر فوَّاح. حتى الطريقة التي ارتدت بها ملابسها فأقل ما تُوصف به هي أنها مبالغ فيها. ارتدت هذه الليلة – تكريمًا للمناسبة – زيًّا ورديًّا مصحوبًا بوردة خضراء من القماش عند طية العنق، وحذاءً ذا كعب عالٍ جدًّا. لكن بصرف النظر عن مظهرها المثير للسخرية قليلًا، كانت قوة لا يُستهان بها نظرًا إلى كونها مديرة لأشهر دار نشر حديثة في السويد، إذ قضت ثلاثين عامًا في هذا المجال، وقد اتصفت بحدة الطبع. فقد ندم جميع من استهانوا بها. قالت "جابي" مبتسمة وهي تمسك بذراع "كريستيان": - سيكون هذا ممتعًا للغاية. لم يستطع إلا أن يومئ برأسه وهو يحاول التنفس بصعوبة وسط غمامة العطر. ثم أكملت قائلة: - إن "لارس – إريك" و"أولا – لينا" الموجودين هنا في الفندق مذهلان، فبكل بساطة إنهما رائعان! ومائدة الطعام تبدو جميلة. هذا هو المكان المناسبة لإطلاق كتابك اللامع. ماذا عنك؟ كيف تشعر؟ استطاع "كريستيان" أخيرًا أن ينقذ نفسه وأخذ خطوة إلى الوراء. - حسنًا، عليَّ الاعتراف بأن الأمر مذهل قليلًا. ظللت أعمل على هذه الرواية مدة طويلة، والآن.. ها هي ذي. ألقى نظرة على الكتب المرصوصة على الطاولة بالقرب من باب الخروج. استطاع أن يقرأ اسمه على كعب كل نسخة بالإضافة إلى عنوان الرواية "الحورية". شعر بمعدته تنقبض. إن كل هذا حقيقي. قالت "جابي" وهي تشد كم قميصه وتصحبه معها: - هذا ما نفكر فيه جميعًا. سنبدأ إجراء مقابلة مع الصحفيين الموجودين هنا، حتى يتحدثوا معك في هدوء. نحن راضون عن رد فعل وسائل الإعلام؛ هناك صحفيون من "جوتيبورجس بوسطن"، و"جوتيبورجس تايدنينجن"، و"ستروم ستايدس تايديننج". لم يأتِ أحد من الصحف المحلية، ولكن لا بأس في ذلك نظرًا إلى العرض المثير الذي نُشِرَ اليوم في "سيفينسكا داجبلاديت". - عرض؟ اصطحبته إلى منصة صغيرة إلى جانب المسرح حيث سيتحدث إلى الصحافة. - سأخبرك لاحقًا. ثم دفعته ليجلس على كرسي إلى جانب الحائط. حاول أن يستعيد السيطرة على الموقف، ولكنه شعر أنه قد حُشِرَ في مجفف للملابس دون أي منفذ للهرب. أكد له منظر "جابي" وهي في طريقها للخروج تاركة إياه ذلك الشعور. كان العاملون يهرولون في المكان حتى يعدوا الطاولات. لم يعره أي شخص اهتمامًا. سمح لنفسه بأن يغلق عينيه للحظة. فكر في كتابه وكل الساعات التي قضاها جالسًا أمام الكومبيوتر. مئات، بل آلاف الساعات. وفكر في "الحورية". - "كريستيان تيديل؟" أيقظه صوت من خياله ونظر إلى أعلى. مد الرجل الماثل أمامه يده وبدا أنه ينتظر ردًّا، لذا وقف وصافحه. وضع الرجل حقيبة كاميرا كبيرة على الأرض وقال: - أنا "بيرجر يانسون" من جريدة "ستروم ستايدس تايديننج". - أوه. امم. تفضل بالجلوس. لم يعرف "كريستيان" كيف يتصرف. بحث عن "جابي"، ولكنه لمح زيها الصَّارخ يرفرف بالقرب من المدخل. قال "يانسون" وهو ينظر حوله: - من الواضح أنهم يسوِّقون لكتابك بشكل جيد. - نعم، هذا صحيح. صمت كلاهما وتململ قليلًا. - هل نبدأ أم ننتظر الآخرين؟ أعطى "كريستيان" الصحفي تعبيرًا خاليًا من الشعور. من أين له أن يعرف؟ لم يفعل شيئًا مماثلًا من قبل. لكن "يانسون" تولَّى زمام الأمور، إذ وضع جهاز التسجيل على الطاولة وأداره ثم قال: - حسنًا. رمَق "كريستيان" بنظرة ثاقبة. سأله: - هذه هي روايتك الأولى، أليس كذلك؟ تساءل "كريستيان" إذا ما كان عليه أن يعطي إجابة مستفيضة. تنحنح ثم قال: - نعم، هذا صحيح. قال "يانسون" بنبرة باردة توحي بأن مجاملته مصطنعة: - لقد أعجبتني كثيرًا. - شكرًا لك. قال "يانسون" وهو يتحقق أكان جهاز التسجيل يعمل بطريقة صحيحة: - ما مغزى هذه الرواية؟ - ماذا أردت أن أقول؟ في الحقيقة لا أعلم. إنها رواية؛ كانت قصة في مخيلتي وأردتُ أن أخرجها إلى العلن. قال "يانسون" وهو يدرس رد فعل "كريستيان" وكأنه يحاول النظر إلى أعمق خبايا روحه: - إنها قصة مُظلمة بشكل مُبالغ فيه. أراها كئيبة نسبيًّا. هل هذه هي الطريقة التي ترى بها المجتمع؟ قال "كريستيان" وهو يفكر بجدية في شيء رائع يقوله: - لا أعلم أكان رأيي في المجتمع هو ما أناقشه في الرواية. لم يفكر في كتابه بهذه الطريقة من قبل. شغلت القصة جزءًا كبيرًا من تفكيره لمدة طويلة قبل أن يشعر بأنه مضطر إلى كتابتها على الورق. ولكن هل كانت لها أي علاقة برأيه عن المجتمع؟ لم تخطر الفكرة على باله قطُّ. أخيرًا، أتت "جابي" لإنقاذه، مصطحبة صحفيين واحدًا تلو الآخر. أطفأ "يانسون" جهاز التسجيل وألقى الصحفيون التحية على بعضهم وجلسوا حول الطاولة. استغرق الأمر بضع دقائق، واستغل "كريستيان" الفرصة حتى يستجمع أفكاره. جذبت "جابي" انتباه الجميع وقالت: - أهلًا بكم في هذا الحدث احتفالًا بالنجم الجديد في سماء الأدب "كريستيان تيديل". إن فريق دار النشر فخور بنشر أولى رواياته "الحورية". ونظن أن هذه بداية مسيرته الطويلة والرائعة في الكتابة. لم يرَ "كريستيان" أيًّا من العروض والتقييمات بعد، لذا من دواعي سروري أن أخبرك يا "كريستيان" أنه كانت هناك تقييمات جيدة للغاية، على سبيل المثال في "سيفينسكا داجبلاديت"، و"داجنس نيثير"، و"أربيتار بلاديت". دعوني أقرأ لكم بعض الاقتباسات. وضعت نظارة القراءة وأمسكت بمجموعة من الأوراق وُضِعَتْ أمامها على الطاولة. استُخدِم قلم وردي اللون لتظليل الجمل في ورق الجريدة. فسَّرت "جابي" وهي تومئ برأسها إلى "كريستيان": - "أداء بارع لغويًّا يُصور محنة الأشخاص العاديين دون أن يحيد عن وجهة النظر الرئيسية". كان ذلك من "سيفينسكا داجبلاديت". ثم قرأت التقييم التالي وقالت: - "إن قراءة كتاب "كريستيان تيديل" ممتعة ومؤلمة في الوقت نفسه نظرًا إلى أن أسلوب كتابته البسيط يُسلط الضوء على وعود المجتمع الزائفة بالأمان والديمقراطية. كان لكلماته أثر عميق على روح الإنسان وعقله، وهذا ما جعلني أقرأ متلهفًا وأتضرع كالفقير، وذلك بسبب الألم المُبرح والمطهِّر بشكل رائع". التقييم السابق من "داجنس نيثير". ثم خلعت نظارتها وأعطت "كريستيان" مجموعة التقييمات الصغيرة. أخذ التقييمات في ذهول تام. سمع الكلمات وكان من الجيد أن يتلقى المدح، ولكنه لم يفهم عمَّ يتحدث النقاد. كل ما فعله هو الكتابة عنها، وسَرْد قصتها، وأخرج الكلمات وكلَّ شيء متعلقًا بها في تسلسل تركه مستنزفًا بالكامل أحيانًا. لم تكن نيته أن يتحدث عن المجتمع. كل ما في الأمر أنه أراد أن يتحدث عنها. لكنه لم يصرح باعتراضه، لم يكن أحد ليفهم وربما كان من الأفضل أن يترك الأمور تجري كما هي. لم يكن ليستطيع التفسير مطلقًا. قال وهو يشعر بأن كلماته لا تحمل معنًى عندما تفوه بها: - هذا مذهل. ثم توالت الأسئلة والمديح والتعليقات حول كتابه. وأدرك أنه لم تكن لديه إجابة منطقية عن أي سؤال واحد. كيف يصف شيئًا تغلغل في كل تفاصيل حياته الصغيرة؟ شيء لم يكن مجرد قصة فقط، بل كان بمنزلة النجاة وكذلك الألمبالنسبة إليه. بذل كل ما في وسعه محاولًا التحدث بوضوح وبشكل مدروس. ويبدو أنه نجح في ذلك، لأن "جابي" كانت تومئ برأسها في استحسان. كل ما أراد "كريستيان" فعله عندما انتهت المقابلة أخيرًا هو العودة إلى المنزل. شعر أنه مُستنزف تمامًا. لكنه أُجبر على البقاء في قاعة الطعام الجميلة بالفندق الكبير. أخذ نفسًا عميقًا وجهَّز نفسه لاستقبال الزوار الذين بدأوا في الحضور. ابتسم، ولكنه بذل مجهودًا كبيرًا ليرسم تلك الابتسامة.

مشاركة :