مقديشو - في ظل انقسام الرؤى بشأن قدرة القوات الحكومية على تحمل مسؤولية الأمن في الصومال أعلنت قيادة قوات حفظ السلام الانتقالية الإفريقية "أتميس" سحب 2000 جندي من قواتها من الصومال بموجب قرار الأمم المتحدة الذي أوصى بانسحاب 2000 جندي نهاية يونيو/حزيزان الماضي. وبتنسيق أمني ثلاثي مشترك ( الحكومة الصومالية والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة) أخلت قوات "أتميس" حتى الآن نحو 7 قواعد عسكرية في ثلاثة ولايات فيدرالية جنوبي البلاد، حيث سلمت للقوات الحكومية إدارة هذه القواعد العسكرية. الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود صرح في ذكرى مرور 63 عاما على توحيد الأقاليم الشمالية والجنوبية بأن بلاده وصلت مرحلة تستطيع فيها تحمل مسؤولياتها الأمنية. هذا الانسحاب التدريجي الذي سيستمر لغاية ديسمبر/كانون الاول 2024، أي حتى انسحاب آخر جندي من قوات أتميس من الصومال كما هو مقرر، يُحمل مسؤوليات عسكرية كبيرة على عاتق القوات الحكومية. إلا أن نجاح القوات الحكومية في هذه المهمة يبقى مرهونا بمدى استجابة مجلس الأمن لمطالب الصومال برفع حظر الأسلحة الدولي المفروض عليه، إلى جانب توفير الدعم العسكري من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى القوات الصومالية قبل إتمام انسحاب القوات الإفريقية "أتميس" من البلاد، وفق المحللين. ويصل حاليا عدد القوات الإفريقية "أتميس" التي حلت محل القوات السابقة "أميصوم" - بعد سحب 2000 جندي من الصومال - إلى 17 ألفا و626 جنديا من 5 دول إفريقية. مخاوف من فراغ أمني وأثار قرار بدء انسحاب قوات "أتميس" من البلاد مخاوف أمنية لدى الكثير من أوساط الصوماليين نظرا لما تشكله هذه القوات من ستار أمني لكثير من المقرات الرئيسية والمواقع الحساسة في البلاد. تقول ملكة عبدي، الخبيرة الأمنية في هيئة إدارة التنمية الصومالية "ميند" (مستقلة)، المعنية بالتنمية والمعلومات الأمنية، إن بدء عمليات سحب وحدات من قوات "أتميس" "دون وجود استراتيجية أمنية حكومية واضحة من شأنها أن يحدث فراغا أمنيا قد يؤثر سلبا على التحسن الأمني النسبي حاليا في البلاد". وأضافت ملكة، أن "قوات أتميس تؤمن حاليا أهم المواقع الحساسة بما فيها القصر الرئاسي والمطار وميناء مقديشو إلى جانب مقار بعض الوزارات، فتلك المواقع تحتاج إلى قوات خاصة حتى لا يمكن اختراقها نظرا لحساسيتها"، مشيرا إلى أن الحكومة الصومالية لا يمكنها إعداد قوات خاصة تتسلم مهام أمن تلك المواقع في غضون عام". وبينت ملكة، أن انسحاب القوات الإفريقية لن يكون أمرا سهلا حتى وإن استعدت الحكومة الصومالية لملء هذا الفراغ، مشيرة إلى أن هذا الأمر يشكل فرصة بالنسبة لحركة الشباب لرفع معنويات مقاتليها لتصعيد هجماتها الإرهابية على المراكز العسكرية التي أخلت القوات الإفريقية. وحول ما إذا كان انسحاب "أتميس" قد يعرض بعض الولايات الفيدرالية المحلية لخطر أمني، أشار المحلل السياسي أحمد عينب إلى أن قوات "أتميس" تشكل الغطاء الأمني للولايات الفيدرالية وخاصة ولايات "هيرشبيلي وجنوب غرب الصومال وجوبالاند" حيث وفرت مساحة للعمل ولا توجد ولاية فيدرالية تعمل خارج إطار مناطق تواجد القوات الإفريقية وأن أي تغيير عسكري في تلك الولايات سيشكل تحديا أمنيا لهذه الولايات الفيدرالية. وأوضح عينب أن القوات الصومالية لا يمكنها لعب دور القوات الإفريقية في توفير الأمان لهذه الولايات الفيدرالية بسبب نقص في التسليح وغياب الدعم اللوجستي الجوي التي غالبا ما تستخدمه قوات "أتميس" في الحالات الطارئة وهو ما يجعل تلك الولايات عرضة للهجمات الإرهابية في حال أخلت القوات الإفريقية مواقعها جنوبي ووسط البلاد. في المقابل، فإن خروج القوات الأجنبية من البلاد سيؤثر سلبا على القاعدة البشرية لحركة الشباب التي تبرر عنفها المسلح بأنها تقاتل دولا أجنبية غزت البلاد. بحسب عينب. وبدأت بالفعل حركة الشباب مهاجمة بعض القواعد العسكرية التي أخلتها "أتميس" في ولاية جوبالاند المحلية، بهدف رفع معنويات مقاتليها الذين تحولوا من وضعية الدفاع إلى مرحلة الهجوم لتوجيه ضربات مميتة ضد القوات الصومالية التي تستعد لتسلم مهام الأمن. نتائج غير مرضية رغم أن الوجود العسكري للقوات الإفريقية "أتميس" (أميصوم سابقا) في الصومال منذ 2008 ساهم في الكثير من الإنجازات السياسية والأمنية في البلاد منها دحر الإرهابيين في العاصمة والمدن الكبرى، إلا أن هناك اتجاها سائدا يؤمن بأن قوات "أتميس" لم تلب تطلعات الشعب الصومالي تماما في بسط الاستقرار وإنهاء وجود الإرهاب. يقول المحلل السياسي محمد عبدي شيخ للأناضول، إن "قوات "أتميس كانت في وضعية الدفاع في السنوات الماضية حيث لم تقدم أي مكاسب أمنية جديدة منذ فترة، بينما القوات الصومالية هي التي حققت إنجازات في أرض الواقع ضد حركة الشباب وتحرير مناطق شاسعة كانت في قبضة الإرهابيين". وأوضح المحلل، أن نتائج عمليات العسكرية للقوات الإفريقية ضد مقاتلي الشباب في السنوات الماضية غير مرضية بالنسبة للمواطن الصومالي الذي يتطلع على الأقل إلى إنهاء جزء من التهديدات الإرهابية خاصة في المدن الكبرى. وأكد المحلل، أنه بالرغم من أن تقليص الدعم الأوروبي للقوات الإفريقية "أتميس" قد أثر سلبا على عملياتها العسكرية، إلا أن توقف العمليات العسكرية المشتركة لا يصب بأي حال في مصلحة الصومال الذي يسعى إلى دحر الإرهابيين وإعادة الاستقرار في ربوع البلاد. مرحلة تسلم مهام أمن البلاد وأظهرت المرحلة الأولى للعمليات العسكرية الحكومية ضد حركة الشباب التي انتهت مطلع العام الجاري مدى قدرة الجيش الصومالي على مواجهة حركة الشباب دون دعم من قوات "أتميس" حيث حقق مكاسب ميدانية هي الأكبر منذ 2017 ما أكسب الجيش ثقة كبيرة في توليه مهام العمليات العسكرية ضد الشباب. يقول مستشار مكتب الأمن القومي في الصومال عبدالحليم صالح إن الحكومة الصومالية حرصت على زيادة تعداد الجيش الصومالي من خلال ضم كتائب جديدة تدربت في أوغندا وكينيا وإريتريا، إلى جانب وحدات تخرجت من معسكرات التدريب في البلاد كجزء من الاستعدادات لمرحلة ما بعد انسحاب القوات الإفريقية "أتميس". وشدد على أن "العمليات العسكرية الأخيرة التي خاضها الجيش الصومالي بالتعاون مع السكان المحليين ضد حركة الشباب والتي أدت إلى تحرير نحو 50 مدينة وبلدة من قبضة الإرهابيين أنهت الشكوك حول قدرات الجيش الصومالي على مواجهة مقاتلي الشباب بعد انسحاب قوات أتميس". واستطرد قائلا "هناك عاملان قد يساهمان في نجاح القوات الصومالية في تسلم مهام الأمن بعد سحب قوات أتميس، وهما استجابة مجلس الأمن الدولي لمطالب الصومال حول رفع حظر السلاح المفروض عليه منذ عام 1991 ما يعطي الجيش الصومالي تفوقا عسكريا مقارنة بمقاتلي حركة الشباب التي تتسلح بالأسلحة الخفيفة وبعض الأسلحة الثقيلة القليلة". أما العامل الآخر - يضيف صالح - فيتمثل في تحويل الدعم العسكري والمالي للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الذي كان يقدمه لقوات "أتميس" إلى الجيش الصومالي. واختتم: "في حال تنفيذ هذين المطلبين سيتمكن الجيش الصومالي من إنهاء وجود الإرهابيين وبسط نظام الدولة في ربوع البلاد".
مشاركة :