لا أحد يريد الحرب، والأغلب يمقتها، وعندما يبدأ اشتعال فتيلها، يستعر ضرامها، فوسائل إطفائها عسيرة، إلا من أعطاه الله الحكمة، ورأى أن التنازل عن القليل خير من فقدان الكثير من كلا الطرفين المتحاربين، ولا بد لنا أن نتذكر تلك الأبيات التي تقول: الحَرْبُ أَوَّلُ ما تكونُ فَتِيَّةً تَسْعَى بِزِيْنَتِها لكلِّ جَهُولِ حتى إذا اسْتَعَرَتْ وَشَبَّ ضِرَامُها عَادَتْ عَجُوزًا غيرَ ذاتِ خَلِيلِ شَمْطَاءَ جَزَّتْ رَأْسَهَا وَتَنَكَّرَتْ مَكْرُوهَةً لِلشَّمِّ والتَّقْبِيلِ جميلة قبل أن تبدأ، كريهة إذا ما بدأت، صغيرة قبل إشعالها، عجوز بعد اشتعالها، نارها موقدة، ووسائل إطفائها مؤصدة، كفانا الله شر الحروب والفتن. والغالب منا يتذكر تلك الأبيات التي كتبها نصر بن سيار إلى مروان بن محمد الملقب بمروان الحمار، وهو آخر حكام بني أمية، والتي يقول فيها: أرى خللَ الرمادِ وميضَ جَمْرٍ ويوشكُ أن يكونَ له ضرامُ فإنّ النارَ بالعودين تُذْكى وإنّ الحربَ أولها كلامُ إذا لم يطفها عقلاءُ قومٍ يكونُ وقودَها جثثٌ وهامُ كما أرسل نصر بن سيار إلى ابن هبيرة نائب مروان في العراق بأبيات يقول فيها مستنجداً إياه: أبلغ يزيد وخير القول أصدقه وقد تحققت ألا خير في الكذب بأن أرض خراسان رأيت بها بيضاً إذا أفرخت حدثت بالعجب فراخ عامين إلا أنها كبرت ولم يطرن وقد سربلن بالزغب فإن يطرن ولم يحتل لهن بها يلهبن نيران حرب أيما لهيب هذا ما حدث في الماضي، وما كان من إرهاصات قبل وقوع الأحداث الجسام، لكن الأمور تتطور مع مرور الوقت إذا لم يطفئ النار عقلاء القوم وحكماؤهم، وتكون نتائجها جثث القوم وهاماتهم. الحرب القائمة في أوكرانيا يتصارع فيها فريقان، ولكل غاياته وأهدافه، والقوى المتصارعة ليست قوى عادية، وإنما قوى تحمل أكثر وأشد القنابل النووية الموجودة على وجه الأرض، وأي سوء فهم غير مقصود قد يؤدي إلى نهاية العالم في بضع دقائق، فترسانة الطرفين تزخر بالآلاف من تلك التي أنتجت للردع، فإذا ما قدر أحد الطرفين أن الردع قد حان، فإن ذلك نهاية المكان والسكان. لعلنا نتابع التسارع والجديد الذي حدث في تلك الحرب المستعرة، فقد أعلن أحد الأطراف أن القذائف المنضبة جائزة وضرورية لاختراق دبابات الطرف الآخر، ورد الطرف الثاني بأنه سيجد نفسه مضطراً إلى استخدام ذات السلاح إن تم استعماله، وهذه نقلة خطيرة في مجريات الحرب لها آثار قد تمتد عشرات السنين، فقد استخدمت مع كل أسف في العراق، وأصبح تأثير إشعاعها واضحاً على الشعب العراقي الشقيق، حيث زادت نسبة الإصابة بالسرطان بمقدار اثنتي عشرة مرة، كما تقول التقارير إن كانت دقيقة، والمشكلة في الحرب الأوكرانية أن الطرفين يملكان هذا النوع من القذائف، وبأعداد لا حصر لها، وهذا يعني أن الأثر السيئ قد يمتد إلى بعض الدول المجاورة، وليس في عين المكان. والأمر الجديد الآخر هو نشر بعض أنواع القنابل النووية التكتيكية في دولة مجاورة، وكذلك ادعاء هذا الطرف أن الطرف الآخر كان قد نشر بطريقة سرية عدداً من ترسانته النوية في بلدان حليفة قريبة من ذلك الطرف، وهذا التمادي في النشر قد يتسع، مما يؤدي إلى خطر جسيم، بتوزيع ذلك السلاح المبيد على رقعة أرضية أوسع، ولا شك أن وجود هذا السلاح في أكثر من مكان يقلل من نسبة الأمان العالمي. اضطرار أحد الطرفين إلى تعليق العمل بمعاهدة ستار المتعلقة بتبادل المعلومات، وتحديد عدد القنابل، قد يجعل الطرفين ينتجان أعداداً غير معلومة العدد والمكان، وهذا أمر مرعب، وتطور غير محمود، دفع به أحد الأطراف طرفاً آخر إلى اللجوء إليه. أمر جديد آخر وهو دخول الذكاء الاصطناعي في صنع السلام، وإن كان اليوم مقتصراً على سلاح الدفاع فلا شك أنه سوف يكون متاحاً للاستخدام في الأسلحة الهجومية، والأهم أن تطويره قد يساعد على استخدامه في دول غير مسؤولة، أو حروب من قبل جماعات إرهابية، كما هي الحال اليوم مع المسيرات التي -مع كل أسف- يستخدمها الإرهابيون في مهاجمة المواقع والأفراد المراد استهدافهم. أمر آخر مهم، وهو أن الحرب الأوكرانية أصبحت ساحة لتجارب المسيرات الانتحارية، والعمل على زيادة سرعتها وخفتها، ومقدار حمولتها، واختفائها عن الرادارات، وهي رخيصة وسهلة الاستعمال، وهذا يعني أن الأنواع المجربة قد تنتشر في العالم، وقد يكون عدد كثير من الدول قادرة على إنتاجها وحتى تطويرها.
مشاركة :