الإمارات والهند.. شراكات ثقافية وفنية وثيقة

  • 7/16/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تُعد العلاقة التاريخية بين الإمارات وجمهورية الهند، شراكة تاريخية عميقة الجذور في تجاربها الإنسانية وتقاطعاتها الحضارية منذ قرون عديدة، وتشكلت عبرها الروابط التجارية والاستيعاب الثقافي ومتانة التمثيل السياسي القائمة على الاحتفاء بالتعاون والمصالح المشتركة، مشكلةً إحدى أهم العلاقات الدبلوماسية المتينة. وجاءت المرويات التاريخية، لتوثق اللحظة التي ترسخ فيها هذا التعاون قديماً من خلال التجار من كلا جانبي المنطقة، وتأسست عبر ذلك الصلات التجارية في المناطق الساحلية، ممثلةً دوراً حاسماً واستثنائياً في تشكيل التفاعلات الثقافية والاجتماعية بين البلدين. رؤية مشتركة منذ قيام الاتحاد في عام 1971، شهدت العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والهند مساراً متنامياً، ضمن شراكة استراتيجية يعمل الجانبان ضمن رؤية مشتركة لتوسيع التعاون من خلالها عبر مجموعة من الاتفاقيات التي تناولت تطوير مختلف القطاعات التنموية، بما في ذلك الثقافة و«تكنولوجيا الفضاء» و«الطاقة المتجددة» و«الرعاية الصحية»، و«التبادلات التعليمية» و«التعاون السياحي» وغيرها. هذا إضافة إلى «المبادرات الثقافية» التي خلقت فرصاً لتبادل الأفكار الأدبية والمعرفية والاحتفاء بالأدب الإماراتي والأدب الهندي معاً، في معارض الكتب الدولية، والاهتمام بإنشاء منصات فنية محلية أتاحت للفن الهندي حضوراً مهماً في صالات العرض بالإمارات، مروراً بمناقشة أثر حضور الشعر الهندي في الثقافة العربية، وإعادة اكتشاف جماليات تداخل اللغة العربية في سياقات ثقافية مع اللغات الهندية، وصولاً إلى الانسجام المجتمعي بين الوافدين من الجالية الهندية المقيمة في دولة الإمارات، وطبيعة مكونات الثقافة المحلية التي نرى تأثيرها في مظاهر الحياة العامة مثل المزيج الحيوي للأطباق الإماراتية التقليدية وتأثرها أحياناً بالنكهات الهندية، مما خلق هوية طهي فريدة تعكس النسيج متعدد الثقافات في الدولة، ومدى انفتاحها اللافت في الحوار الثقافي العالمي. تعاون ثقافي والتبادل الثقافي بين الإمارات والهند، دائماً ما يسلط الضوء على التقارب المتناغم بين تقاليد الدولتين وممارساتهما الثقافية الغنية، كونهما شهدتا تمازجاً عميقاً للثقافات واللغات والأديان عبر التاريخ، ما أدى إلى تكوين نسيج نابض بالحياة، ومليء بالممارسات المجتمعية ذات الارتباط الحيّ بالعادات والمعتقدات والتعبيرات الفنية المشتركة، خاصةً أن دولة الإمارات استقبلت العديد من المهنيين والتجار ورجال الأعمال والفنانين الهنود الذين قدموا مساهمة في الأنشطة الاقتصادية في الدولة، ولعبوا دوراً مهماً في إثراء النسيج الثقافي الإماراتي في الوقت نفسه، وبناء عليه سعت المؤسسات الثقافية الحكومية الكبرى، والقطاعات الخاصة، والجمعيات الأهلية، والهيئات المجتمعية إلى تنظيم العديد من المهرجانات في مجالات الفن والموسيقى والسينما والمأكولات الهندية على نطاق واسع في جميع أنحاء الدولة، ما من شأنه أن يعزز الروابط الثقافية بين البلدين، حيث برزت مجموعة من الأحداث الثقافية المهمة التي عكست بالضرورة العلاقة الثنائية للشراكات الثقافية بين الإمارات والهند، ومن بينها حرص معرض الشارقة الدولي للكتاب، ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، على إتاحة فضاءات نقاشية ومساحات فكرية للمؤلفين والناشرين وعشاق الأدب الهنود لعرض أعمالهم، بدءاً من مخزون الكتب الكلاسيكية القديمة والنادرة إلى الأعمال المعاصر، بهدف تقريب القارئ العربي من التراث والموروث الثقافي والاجتماعي للهند، وبالتالي تعزيز فهم أعمق للمشتركات والفروقات الثقافية الدقيقة والمتنوعة والمثرية للثقافة الإنسانية، في محاولة رفيعة وأصيلة لصياغة رؤى إنسانية تجاه المتغيرات الراهنة والتحديات المستقبلية. أخبار ذات صلة الإمارات: التعليم يعزز مبادئ التسامح لمنع العنف الإمارات والهند.. الشراكة والسلام والازدهار للمنطقة والعالم حوارات معرفية ومما يدعم أيضاً قوة العلاقات الثقافية بين دولة الإمارات والهند، رغبة المقيمين الهنود في تقديم ثقافتهم لمجتمع دولة الإمارات، تعبيراً عن محبتهم لحالة الانسجام التامة التي يشعرون بها في المجتمع المحلي، وتقديراً لفرص الحياة الأفضل التي توافرت لهم، ومن هنا جاء حرص حكومة دولة الإمارات على دعم تلك المنصات المجتمعية الاحتفائية بطبيعة العلاقة الثقافية بين البلدين، وتوفير البنى التحتية كافة والتصاريح التنظيمية والرعاية التسويقية. ومن بين تلك الفعاليات الاحتفالية «مهرجان الإمارات - الهند» السنوي الذي يُقام في دولة الإمارات، ويتضمن فعاليات الموسيقى الهندية الكلاسيكية، والاستمتاع بإيقاعات الرقص التقليدية والتعرف على عراقة الأزياء الهندية، إضافة إلى تعرف جمهور الحدث أيضاً على البراعة الفنية للحرفيين الهنود، والاطلاع على الأنماط والتصاميم، وإحساسها الذي ربما يلهم المطلع للوصول إلى بعض المقاربات للأشكال والتصاميم العربية الإسلامية، بأن تتحول تلك المناسبات الثقافية كمنصات اكتشاف وحوارات بحثية معرفية لما يجمع البلدين من ثقل تاريخي وتجربة حضارية ممتدة، تداخلت وأنتجت حالات خاصة فيها، شكلت مع الوقت رموزاً قوية لروابط الثقافة والاحترام المتبادل بين دولة الإمارات والهند. تبادل ثقافي في السنوات الأخيرة، برز الدور الاستثنائي لدولة الإمارات، باعتبارها مركزاً للفنون والثقافة، من خلال بناء أيقونات متحفية عالمية، وتنظيم معارض فنية محلية وعالمية، ونشوء أسواق فنية ناشئة، إضافة إلى تقديم فرص للإقامات الفنية والتكليفات المؤسسية للأعمال التركيبية في المساحات العامة وغيرها، وجميعها مقومات رئيسة للتفاعل المجتمعي مع الإنتاجات الفنية الهندية المعاصرة، بأن تكون جزءاً من التبادل الثقافي بين دولة الإمارات والهند، ومن بين أبرز الأمثلة على ذلك حضور غاليرهات فنية معنية بالفن الهندي الحديث، لعرض أعمال كبار الفنانين الهنود، والمواهب الشابة على حد السواء، في منصات فنية تتخذ من العاصمة أبوظبي ومدينة دبي مقراً لتنظيمها مثل «فن أبوظبي» و«آرت دبي»، فمثلاً شاركت «Sanchit Art» في «آرت دبي» وهي منصة معنية بعرض الأعمال الفنية عالية الجودة لفنانين كبار من الهند، بهدف سد الفجوة بين الفنانين العاملين في الهند وخارجها. يذكر أن «آرت دبي»، حظي أيضاً بمشاركة أحد أقدم الغاليرهات الفنية في الهند، وهو «Dhoomimal Gallery» الذي أُسس في عام 1936، وهو بمثابة أول منصة يتواصل من خلالها العديد من الحداثيين في الهند مع المشترين المحتملين لأعمالهم. وعلى المستوى الترفيهي، تأتي أيضاً فعالية «World Art Dubai» التي تقام سنوياً في مدينة دبي، نموذجاً حيوياً للمشاركات المجتمعية الفنية من قبل المواهب الإبداعية للمقيمين الهنود بدولة الإمارات. قيم إنسانية تلعب التأثيرات اللغوية بين اللغة العربية واللغات الهندية دوراً جوهرياً في تعزيز العلاقات الثنائية بين الإمارات والهند، ما يعطينا نظرة تأملية فسيحة حول أثر حضور الدين الإسلامي في الهند، فمن خلال انتشار قراءة القرآن الكريم، أصبح للكلمة العربية حضور في السياقات العامة للمتحدثين ببعض اللغات الهندية، بما في ذلك الأوردية والعديد من اللهجات الإقليمية، وينمو أيضاً ارتباطها بالمجالات الدينية والثقافية والإدارية التي قد نلاحظها في دور العبادة والمصطلحات القانونية. وبالعودة للغة «الأوردو»، على سبيل المثال، فهي لغة متأثرة بشدة بالعربية، ولعبت دوراً مهماً في سد الفجوة بين اللغتين العربية والهندية. وبالمثل، يمكن ملاحظة تأثير اللغات الهندية على اللغة العربية من خلال وجود بعض الكلمات «السنسكريتية» في الأدب العربي الكلاسيكي، وعلاوة على ذلك، تم أيضاً دمج بعض المفاهيم الرياضية الهندية في الأرقام العربية التي تُستخدم الآن على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. وأخيراً؛ فإن اللغة تقودنا بخفة بديعة نحو القصيدة، وتحديداً الشعر وموضوعاته في الهند، المبنية على التأملات الفلسفية العميقة في مسارها الروحاني، ومدى تلاقيها مع الثقافة الإماراتية في احتفائها بأسس التعايش المتناغم بين الحداثة والتراث وحب الأرض والطبيعة والاهتمام بالتقاليد والقيم الإنسانية.

مشاركة :