السفر عبر الزمن.. خيال أصبح ممكناً

  • 3/2/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

لطالما كان السفر عبر الزمن من المواضيع المفضلة لمؤلفي الخيال العلمي، وظل إلى وقت قريب يعد نوعاً من الخيال، وأحجم كثير من كبار العلماء عن التحدث عنه، إلا أنه في الآونة الأخيرة، انتشر الأمل بين كثير من علماء الفيزياء أن يد البشرية ستقع يوماً ما على وسيلة تمكنهم من تحقيق ذلك الإنجاز، بفضل نظريات ألبرت آينشتاين وستيفن هوكينغ العلمية. ومنذ القدم، فالكاتب لوقيانوس السوري (أو لوسيان)، وهو رجل أصله من سوريا عاش في مدينة روما في القرن الثاني للميلاد، وكان خطيباً متجولاً ومحامياً وكتب بالإغريقية كتاباً أطلق عليه اسم قصة حقيقية، ويعتبر أول من كتب محاولة قصصية لطرح فكرة السفر إلى القمر في التاريخ. وقبل نحو 350 عاماً، وفي معرض شرحه لقواعد الفيزياء العامة، كتب العالم الإنجليزي إسحاق نيوتن عن الزمن يقول: لست في حاجة إلى شرح ماهية الزمن لأنه من المطلقات المتعارف عليها، لكن الحقيقة أن تصور نيوتن كان بعيداً عن الصواب، على الأقل من وجهة نظر الفيزياء الحديثة. تصور الزمن كقطار يتحرك في خط مستقيم دائماً وبسرعة ثابتة، مجافٍ للرؤية التي شرحها الفيزيائي ألبرت آينشتاين في نظريتيه النسبيتين، الخاصة (1905) ثم العامة (1915)، قبل أن تبرهنها التجربة العملية. وما تقوله النسبية ببساطة هو أن الزمن ليس قطاراً لا يمكنه أن يعود أبداً للخلف، بل هو متغير ويعتمد على تفاعل الكائن الذي يرصده مع بيئته الخارجية وسرعة حركته في المكان واتجاهها. وإذا كان الزمن نسبياً غير مطلق بالفعل، فهل يعني هذا أننا إذا أوجدنا الوسيلة لكي يُبطئ الزمن حركته بالنسبة لشخص ما أكثر من الآخرين، فسيتمكن من أن ينتقل إلى المستقبل بأسرع ما نفعل؟ وهل هناك أصلاً ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن التحرك عبر الزمن من الممكنات أم أن هذه الفكرة ستظل حبيسة أفلام الخيال العلمي التي ربما أساءت إليها أكثر مما نفعتها وجعلت الكثيرين يستخفون بها؟ ويبدو أنه ليس هناك اتفاق واسع النطاق على النحو الذي ينبغي الاعتراف به، لما يعرف بالسفر عبر الزمن، لأن عدداً من الأعمال التي كتبت في وقت مبكر انتابها الغموض بالنسبة لمسألة إمكانية السفر عبر الزمن. فالحكايات الشعبية القديمة والأساطير تشارك أحياناً ما يشبه السفر إلى المستقبل. وعلى سبيل المثال، تذكر الأساطير الهندوسية، قصة الملك رايفاتا كاكودما، الذي يسافر إلى السماء لتلبية نداء الخالق، وتذكر فلسفة بالي البوذية أن الوقت يتحرك بوتيرة متفاوتة، ويوضح أحد تلاميذ تلك الفلسفة، ويدعى كومارا كاسابا، للمشككين أن في السماء يوجد 33 مرتبة، وأن الوقت هناك يمر بوتيرة مختلفة، والناس يعيشون حياة أطول من ذلك بكثير، واليوم الواحد في حياتنا يساوي هناك 100 سنة. كما نلمح ذلك في القرآن الكريم في سورة المعارج من خلال الآية الكريمة: تَعْرُجُ الْملائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ. ومن هنا نجد مثلاً أن السفر عبر الزمن في أفلام الخيال العلمي لا يستقيم إلا بوجود فكرة الأكوان المتزامنة. ويرى العلماء اليوم أنه بفضل نظريات آينشتاين، يعتبر الزمن جزءاً من نسيج الكون، بمعنى أنه ملتحم بالمكان ولا يمكن فصله عنه، وأن الأبعاد الأربعة (الطول والعرض والارتفاع، إضافة إلى الزمن) تكون معاً عالمنا الذي نعرفه. كما أن البعد الرابع (الزمن) لا ينعدم بمجرد مرورنا به، كما نتخيل، أي أن اللحظات التي مررنا بها لم تصبح مجرد ذكريات منطبعة في أذهاننا ولم ينقضِ وجودها الواقعي، بل هي على العكس تماماً، لا تزال تحتفظ بوجودها الفيزيائي الواقعي، وكل ما في الأمر أن عقلنا لم يعد يدركها لأنه غير معد لذلك. ويمكننا تصور الأمر كشريط سينمائي، أي كما لو أن كل دقيقة في هذا الشريط تحتوي على 24 لقطة من الفيلم، فنعرف أننا نشاهد لقطات متتابعة، ولكن لا يمكننا أن نرى في نفس اللحظة أكثر من لقطة واحدة فقط. فهل يعني هذا أن بقية اللقطات غير موجودة؟ بالطبع لا. الآن تخيل أن كل لقطة في هذا الفيلم تساوي ما نسميه نحن العالم/الآن وأننا بدلاً من أن نكون مجرد متفرجين أصبحنا أبطال الفيلم نعيش ونتحرك بداخله في أبعاده المكانية الثلاثة. لن نستطيع أن ندرك حسياً سوى اللحظة (أو اللقطة في هذه الحالة) التي تمر بنا فقط، وهذا بالضبط ما يحدث لنا في الواقع. وكل ما في الأمر أننا عندما نكون متفرجين نمتلك أداة للسيطرة على شريط السينما وتتوفر لدينا وسيلة للعودة إلى اللقطة الأولى أو الذهاب إلى اللقطة الأخيرة، لكننا في الواقع لم نجد بعد الوسيلة الناجحة للعودة للماضي أو الذهاب للمستقبل. أما الوجود العيني الواقعي للماضي والمستقبل والحاضر معاً، فهو من ثوابت الفيزياء الحديثة اليوم، وبالتالي فإن السفر عبر الزمن أصبح أمراً منطقياً من الناحية النظرية على الأقل. ويقدم عالم الكونيات الإنجليزي الشهير ستيفن هوكينغ، وسيلة أخرى للسفر عبر الزمن، وهي استغلال ظاهرة الثقوب السوداء. ويقول هوكينغ إن إرسال سفينة فضاء في المستقبل إلى أحد أقرب تلك الثقوب إلينا والدوران حوله يؤدي إلى تباطؤ الزمن للرواد على متنها نسبة إلى سكان الأرض. غير أن بُعد المسافة بيننا وبين أقرب هذه الثقوب والنسبة التي يتباطأ فيها الزمن أيضاً يقللان من فعالية الفكرة بقدر كبير في الحاضر والمستقبل القريب على الأقل، لكن علماء الفيزياء يتمسكون بأمل أخير لإمكانية إيجاد طريقة عملية ليسافر الإنسان عبر الزمن وهو ما يعرف بالثقب الدودي. وهي ظاهرة تعني اختراق نسيج المكان والزمن، أو ما اصطلح على تسميته بالعربية الزمكان. ويتحدث د.سيمون فوستر، الأستاذ في إمبريال كوليدج في لندن، عن الإمكانية العملية لصناعة انحناء في نسيج الزمكان، ثم اختراقه بغرض الانتقال إلى مكان وزمان آخرين لحظياً. ويقول هوكينغ إن الثقوب الدودية تلك موجودة بالفعل في الطبيعة، إلا أن حجمها صغير جداً إلى حد لا يمكّننا من الاستفادة منها. لكنه في النهاية لا يغلق باب الأمل أمام إمكانية الإنسان في المستقبل من تكبير أحدها وإيجاد وسيلة للعبور من خلالها إلى زمن آخر أو اختراع مركبات فائقة السرعة تتمكن من صنع الفارق. ويضيف هوكينغ في مقاله المنشور بجريدة ديلي ميل في 27 إبريل/نيسان 2010: كان السفر عبر الزمن إلى وقت قريب يعد نوعاً من الهرطقة العلمية، لذلك كنت متحفظاً في الحديث عنه خوفاً من أن يراني الناس مختلاً. والآن أصبحت أقل حذراً لأنني بت مؤمناً بأن الجنس البشري سيقع يوماً ما على وسيلة تمكنه من السفر للمستقبل. وربما نشهد في مستقبل غير بعيد دعاية في إحدى الصحف لرحلة غير معتادة ينظمها بعض البشر إلى المستقبل. تطبيقات عصرية من العجيب أننا نستخدم هذه الظواهر الطبيعية، كالجاذبية والتشوهات في النسيج الكوني المكون من الأبعاد الأربعة (الطول والعرض والارتفاع والزمان) تباطؤ الزمن وتسارعه، يومياً في تطبيقاتنا التكنولوجية دون أن نعرف، ونبقى نتساءل حول إمكانها من عدمه، بينما هي بين أيدينا تعمل بالفعل. فتطبيق جي بي إس الذي يحتويه أي هاتف ذكي اليوم يعتمد في تحديد موقع الهاتف على الزمن الذي تستغرقه الإشارة الصادرة من الهاتف للوصول إلى القمر الصناعي. ولما كانت الأقمار الصناعية تدور بعيداً عن مجال الجاذبية الأرضية، فإن تأثير هذه الجاذبية فيها أقل بكثير من تأثيرها في الهاتف، وبالتالي لا بد أن الساعة الموجودة في كمبيوتر القمر الصناعي تعمل بسرعة أكبر من نظيرتها في الهاتف، ولا بد أن هذه الفروق تسبب خللاً في قياس الزمن الذي تستغرقه الإشارة للوصول من أحدهما إلى الآخر. وهذا صحيح تماماً. وتنبه العلماء الذين ابتكروا تلك النظم المعقدة إلى تلك المعضلة، فالكمبيوتر الموجود على القمر الصناعي يصحح الوقت المسجل عليه أوتوماتيكياً كل يوم ليواكب الزمن الأرضي، ولولا ذلك لما تمكن من تحديد المكان بشكل دقيق. طريقتان للسفر من المدهش أن نظريات آينشتاين تعطينا طريقتين، لا طريقة واحدة، للسفر عبر الزمن نستعرضهما فيما يلي.. } السفر بسرعة كبيرة في المكان: ربما سمع كثير من الناس عن المثال الشهير الذي يضرب عن توأمين ركب أحدهما صاروخاً يسير بسرعة قريبة من سرعة الضوء فدبت الشيخوخة في جسده بسرعة أقل كثيراً مما حصل مع توأمه الذي بقي على كوكب الأرض. فإذا كان بقي في الصاروخ لخمسين عاماً بحسابنا الأرضي، فإنه سيكون بقي لعام واحد في الصاروخ بالنسبة له، وستخبره كل أدوات قياس الوقت لديه بهذا أيضاً. وهذا ما حدث حقيقة. يعتبر البعض هذا الأمر سفراً في الزمن بالنسبة للشخص الموجود على متن الصاروخ، لأنه بقي عاماً واحداً ثم عاد إلى نقطة مستقبل بالنسبة لنا. لكن المعضلة أن هذا المثال نظري فقط، لأن الوصول بجسم له كتلة كبيرة مثل صاروخ إلى سرعة الضوء يحتاج من الطاقة أكثر مما هو موجود على كوكبنا بأسره. أما الحقيقي في هذا الأمر فهو أن رواد الفضاء الذين يسافرون، يعودون فعلياً في زمننا المستقبلي بفارق أجزاء من الثانية. } الجاذبية: وهي تماماً مثل السرعة وتؤدي إلى تباطؤ الزمن. ولكن الجاذبية في نموذج الفيزياء الكلاسيكية هي قوة صادرة من الأجسام بعضها تجاه بعض، إلا أن آينشتاين أعاد صياغة هذا المفهوم ليلغي هذه الصورة، ويقول إن الجاذبية ليست قوة بالمعنى الحرفي للكلمة، وأن مصدرها ليس كامناً في الكتلة، لكنها مجرد تشوه في النسيج الكوني (المكون من الأبعاد الأربعة) تحدثه الأجسام الكبيرة. ومثلما يمكن للجاذبية أن تؤدي إلى تباطؤ الزمن، فإن الانفلات من عقال الجاذبية يمكن أن يؤدي إلى تسارعه. محاولات أدبية وفنية من قصة سومينيون للألماني يوهان كبلر (في القرن 17) إلى قصة من الأرض إلى القمر للفرنسي جول فيرن (القرن 19 م) وغيرهما من قصص الخيال العلمي للإنجليزي جي إتش ويلز، نجد أن فكرة السفر عبر الزمن كانت مطروحة بشكل كبير في الخيال العلمي قبل أن تنطلق الكلبة لايكا، إلى الفضاء، في عام 1954، قبل أول رائد فضاء في مدار حول الأرض، يوري غاغارين عام 1961. ففي عام 1895 ظهرت رواية آلة الزمن، التي كتبها ويلز، وكان لها دور فعال في تحريك مفهوم السفر عبر الزمن إلى واجهة المخيلة العامة، ولكن القصة القصيرة السابقة لزمنها الساعة التي عادت إلى الوراء في الزمن، وكتبها إدوارد بيج ميتشل، كانت تنطوي على ساعة، تسمح لثلاثة رجال بالسفر إلى الوراء في الوقت المناسب. وثمة أشكال غير تكنولوجية للسفر عبر الزمن، ظهرت في عدد من القصص السابقة مثل رواية تشارلز ديكنز ترنيمة عيد الميلاد. وفي الآونة الأخيرة، اكتشف العلماء إمكانية السفر عبر الزمن، بمزيد من التفصيل بواسطة كتاب الخيال والفلاسفة. وعلى الرغم من أن هذا الأمر لم يتحقق عملياً، فإنه من الناحية النظرية ينطوي على الرجوع إلى الوراء في الوقت السابق من نقطة الانطلاق، أو الانتقال إلى مستقبل هذه النقطة دون الحاجة للمسافر بالمرور بتجربة الفترة الفاصلة. وأي جهاز تكنولوجي، سواء كان خيالياً أم افتراضياً أو فعلياً، يستخدم لتحقيق السفر عبر الزمن يعرف باسم آلة الزمن. وفي فيلم العودة إلى المستقبل (Back to the Future)، الذي أنتج سنة 1985، يرجع المراهق مارتي مكفلاي بالزمن إلى سنة 1955 وهناك يقابل والديه المستقبليين ويتسبب من غير قصد في أن تقع والدته في حبه. ويحاول مارتي إصلاح هذا الخطأ، وفي نفس الوقت يحاول إيجاد طريقة للرجوع إلى حاضره. وأدى نجاح الفيلم إلى جزأين في 1989 و1990.

مشاركة :