لأن معظم النار من مستصغر الشرر!

  • 3/2/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ليس أخطر على كيان وسلامة المجتمعات والدول والشعوب من التعامل مع بعض الوقائع والأحداث الخطيرة على أنها مجرد حوادث فردية تأخذ لحظتها التاريخية وتمر لتصبح مجرد ذكرى في السجلات التاريخية، وجه الخطر هنا هو التعامل مع دورية الحدث وليس مع وضعية الحدث من حيث ظروفه وتداعياته المحتملة وتأثيراته السلبية المؤكدة سواء كانت فورية أو تراكمية. وأي حادث أو تصرف هو عمل ناجم بالقطع عن ممارسة ما، من جانب الشعوب بشكل فردي أو جماعي، أو من جانب الحكومات ممثلة في هيئاتها ومؤسساتها المختلفة، وقد تحمل التصرفات الفردية قدرا من التجاوز أو الخروج على النظم والقوانين الحاكمة بداية من انتهاك إشارة المرور وحتى ممارسة الإرهاب وحمل السلاح في وجه الدولة. لا يجوز الانتظار حتى يقتل الآلاف على الطرقات كي نعترف بأن هناك مشكلة طرق ومرور خطيرة ومزمنة في دولة ما. وتحمل صفحات التاريخ العديد من الحوادث الفردية التي كانت سببا في اندلاع حروب كبرى وأهلية وثورات شاملة أطاحت بحكومات ودول وإمبراطوريات، ومن ذلك مثلا واقعة اغتيال ولي عهد النمسا على يد شاب صربي مما أدى إلى اشتعال الحرب العالمية الأولى عام 1914 وواقعة تل الزعتر التي أدت إلى تفجير الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، وأخيرا واقعة محمد البوعزيزي بائع الخضراوات الذي أشعل النيران في جسده فأشعل معها ثورات الربيع العربي انطلاقا من الأراضي التونسية أواخر عام 2010. تلك نوعية من الحوادث الفردية شديدة الخطورة بتأثيراتها الفورية والكارثية أيضا، وفي القضايا والممارسات الاجتماعية كذلك لا يرى بعض المتخصصين أو المسؤولين خطورة في واقعة ما شاذة أو غريبة انطلاقا من اعتبارها واقعة فردية ولا تمثل ظاهرة يخشى منها، وهذا هو الخطر بعينه لأن الظاهرة في نهاية المطاف هي واقعة فردية متكررة بنفس الشكل أو في أشكال متغيرة، وأيضا لأن حوادث فردية قد تحمل في حد ذاتها رسائل شديدة الخطورة حتى ولو لم تتحول إلى ظاهرة. وأمام هذه الحقيقة تكمن مسؤولية الحكومات في حتمية نزع فتيل الخطر قبل تحول الحالات الفردية البسيطة إلى ظواهر مدمرة سواء سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو مجتمعية أو إدارية وتنظيمية، وأغلب الظن أن كثيرا من أسباب تفجر أحداث الربيع العربي - إلى جانب أسباب أخرى بكل تأكيد - لم يكن سوى إهمال حكومات عربية عديدة لكثير من حالات التذمر الفردية المؤثرة في بداياتها إلى أن تحولت لحالات غضب عامة. ولا يكفي أن تضع الحكومات بهذه الآلية يدها على نبض الشعوب والأفراد لقياس درجات القبول والرفض والخطر المبكر، فمن الأهمية بمكان أن تقيس السلطات المسؤولة حجم المخاطر المرتبطة بتصرفاتها وسياساتها الذاتية لمعرفة مدى انضباطها أو خروجها هي الأخرى عن القوانين، وبنفس المنطق السابق بأنه لا يجوز التهوين من الحوادث الطارئة والاكتفاء باعتبارها مجرد ظواهر فردية عابرة، فإنه من الأولى عدم القبول بالتجاوزات أو الممارسات غير المشروعة من جانب موظف أو مسؤول عمومي مهما كانت درجته. استقرار الاوضاع وسلامة المجتمعات تتحقق بالقطع بالتزام القائمين على أمور الناس بالتطبيق الحازم للقوانين والضوابط والقواعد التنظيمية على أنفسهم قبل غيرهم، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال التعامل مع التجاوزات بوصفها حالات فردية، ولكن الواجب التعامل معها باعتبارها مؤشرا خطرا يجب مواجهته منذ البدايات تجنبا لتكراره بشكل أكثر خطورة. وعودة مرة أخرى إلى ذكريات الربيع العربي ولكن في مصر هذه المرة، فبعيدا عن الفساد السياسي والمالي والإداري الذي ضرب كل أركان المجتمع المصري في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، كانت التجاوزات الأمنية والممارسات القمعية سببا مباشرا في اندلاع أحداث الخامس والعشرين من يناير 2011 بعدما ظل القائمون على الأمر يرددون في كل مناسبة أن ما يحدث ليس إلا أحداثا فردية يجب عدم تعميمها على المؤسسة الأمنية بأكملها. إلى أن وقعت حادثة قتل الشاب خالد سعيد بتعذيبه في أحد أقسام شرطة مدينة الاسكندرية ووضع لفافة مخدرات داخل جوفه عنوة قبل القائه في عرض الطريق بأحد شوارع المدينة العريقة، لم تكلف الحكومة نفسها آنذاك باجراء تحقيق جدي وكالت الاتهامات للشاب بأنه تاجر ومتعاطي مخدرات ومتهرب من التجنيد ومتهرب أيضا من تنفيذ أحكام قضائية، ومع تزايد الضغوط اعتبرت السلطات الواقعة حالة فردية، ولكن هذه الواقعة وصفحتها كلنا خالد سعيد جعلت من الشاب القتيل أيقونة للثورة المصرية. وتؤكد تلك الواقعة مجددا أن حالات فردية من جانب السلطات المعنية سواء كانت اعتداء عناصر شرطة على بعض الأطباء أو المحامين أو رجال نيابة أو قتل فرد شرطة سائق سيارة نقل لرفضه دفع الأجرة المطلوبة، تعد بالفعل حوادث فردية على غرار واقعة خالد سعيد، ولكنها أكثر خطورة من الظواهر المتكررة، وعند ذلك فالحذر واجب والانتباه لازم لأن معظم النار من مستصغر الشرر.

مشاركة :