أيها الشتامون اللعانون: أأنتم أهدى أم محمد؟ - يوسف بن عبد العزيز أبا الخيل

  • 3/2/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

هؤلاء الشتامون واللعانون لا يريدون وجه الله ولا الدار الآخرة، كما أنهم، علموا أو لم يعلموا، ليسوا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي يتودد ويترفق حتى مع مرتكبي الكبائر تمتلئ منتديات التواصل الاجتماعي بالشتائم واللعائن والتخوين والرمي بالزندقة والتكفير، بل تصل التهم أحيانا إلى الأعراض التي أبدى الإسلام وأعاد في الحفاظ عليها، وعدم المساس بها.. ولقد تتأتى المصيبة عندما يزعم من يتولون كبر تلك الشتائم واللعائن والتكفير والزندقة أنهم إنما يفعلون ذلك صيانة وحفظا لجناب الدين، والدين براء مما يزعمون. وللإمام مالك بن أنس -رحمه الله- مقولة مناسبة لهذا السياق هي: "إذا رأيت الرجل يدافع عن الحق فيشتم ويسب ويغضب، فاعلم أنه معلول النية، لأن الحق لا يحتاج إلى ذلك". وبغض النظر عن صحة نسبة تلك المقولة للإمام مالك من عدمه، إلا أن مضمونها يتفق ومقام الدين القويم التي لا يمكن أن يأمر بالدفاع عنه بواسطة ما ينهى عنه.. ذلك أن للأخلاق في الدين مقاما رفيعا لا يدنو منه الشتّام واللعّان والسبّاب، وإن ادعى أنه ينافح عن حياض الدين، فالدين أجل وأرفع مقاما من أن ينافح عنه بالشتم واللعن والاعتداء على الأعراض. وكيف يمكن للدين الحنيف الذي نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسمح بالتعدي على جناب الأخلاق الذي أبدى فيه وأعاد؟ ولأن نيات ومقاصد من يتنادون إلى الشتم واللعن والسب بحجة الدفاع عن الدين معلولة، فهم يتلقطون أي أثر ضعيف أو مطعون فيه ليبرروا من خلاله اعتداءهم على الأبرياء ممن يخالفونهم ربما في أمور ظنية، بينما ينحون جانبا الآثار الجلية الناصعة المقطوع بها، والتي تتوافق مع العقل والطبع والفطر السليمة، والتي تأمر بالبر والإحسان والصدق ولين القول وطيب الكلام والرفق والبعد عن الفحشاء والمنكر، لا مع المسلمين فحسب، بل حتى مع غير المسلمين. من الآثار التي يحتج بها الطعانون واللعانون ليبرروا شتمهم لمن يختلفون معهم، بل وليبرروا حتى تعديهم على أعراضهم، ذلك الأثر الذي روي عن أبي بن كعب رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا". وهذا الأثر لم يرد، على حد علمي، لا في البخاري ولا في مسلم، مما يدل على عدم صحته عندهما.. بالإضافة إلى أنه على فرض صحته، فإن كان موجها إلى من يتعزى بعزاء الجاهلية، وهي تلك الفترة التي جاء الإسلام بضد ما كانت عليه من الشرك وعبادة الأوثان، ولا يمكن أن تقال بحق مسلم، أو حتى بحق غير مسلم أخطأ خطأ يعذر بجهله فيه، ناهيك عن مسلم يختلف مع غيره بحكم أو رأي بعيد عن قطعيات الشريعة. ومن الآثار التي يحتج الطعانون ما جاء من أثر عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم الحديبية، عندما أراد عروة بن مسعود أن يُخذِّل النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "إني لأرى وجوها، وإني لأرى أوشابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك"، فقال له أبو بكر: "أمصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه؟".. وهذا الأثر عن أبي بكر كان في موقف حربي، وكان أمام مفوض من العدو يخذل النبي والصحابة، وبالتالي فالموقف كان حريا بأن يحصل فيه قتل وإسالة دماء، وليس مجرد كلمة كهذه، بالإضافة إلى أن أبا بكر أحاله إلى اللات، واللات جماد لا بظر لها، ولا يمكن بالتالي استصحاب هذا الموقف لجعله ذريعة لشتم أو لعن من يختلفون بالرأي. ومن الآثار التي يحتجون بها أيضا قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي استأذن في الدخول عليه: "بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة". فهذا الأثر أولا من علامات النبوة، إذ إن الرجل على الصحيح كان ضعيف الإيمان فيما يبدو منه ثم ارتد في من ارتد زمن أبي بكر، وقد قالها صلى الله عليه وسلم ليحذر الناس منه لكي لا يغتروا به، والنبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي صباح مساء، ويعرف الناس ومقاصدهم من خلال الوحي، وليس كوعاظنا اليوم ممن يطلق الشتائم في حق الناس لمجرد الظن! ثم إنه على فرض صحة الآثار السابقة وما يماثلها من ناحية السند، فإنها أخبار آحاد تخالف القرآن ومتواتر السنة.. ولدى سلفنا الصالح قاعدة معروفة للتعامل مع هذه الأخبار، هذه القاعدة عبر عنها شيخ المحدثين في عصره، الخطيب البغدادي بقوله في كتابه "الفقيه والمتفقه": "وإذا روى الثقة المأمون، (لاحظ أن الراوي هنا ثقة ومأمون)، خبرا متصل الإسناد رد بأمور منها أن يخالف نص الكتاب أو السنة المطهرة، فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ".. وهذه الآثار وما يماثلها إنما تخالف صريح القرآن في قوله تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "وإنك لعلى خلق عظيم".. ولا يمكن لمن شهد القرآن له بأنه على خلق عظيم أن يقول أو يقر فحشا أو لعنا.. وهو ما تشهد به أيضا الأخبار المتواترة من سيرته عليه السلام من أنه كان حييا أشد حياء من العذراء في خدرها، وهو لذلك، نفى الإسلام عن اللعان والشتام والطعان والفاحش والبذيء. وهذه القاعدة، أعني رد أخبار الآحاد التي تتعارض مع القرآن، كان نهجا للصحابة الكرام رضي الله عنهم، كما في قصة عمر رضي الله عنه مع خبر فاطمة بنت قيس، وكما قصة عائشة رضي الله عنها مع ابن عمر وأبي هريرة. وهؤلاء الشتامون واللعانون لا يريدون وجه الله ولا الدار الآخرة، كما أنهم، علموا أو لم يعلموا، ليسوا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي يتودد ويترفق حتى مع مرتكبي الكبائر، كما في قصة ماعز، وإنما يريدون الإيقاع بمن يخالفهم في أمور ظنية يتسع لها الخلاف، فأرادوا الإيقاع بمخالفيهم عن طريق استصحاب الدين والدين منهم ومن أفعالهم براء! لمراسلة الكاتب: yabalkheil@alriyadh.net

مشاركة :