رحل عاشق الإذاعة، العارف بكل برامجها ومذيعيها وتفاصيلها أكثر من العاملين فيها. عاش بهدوء، ورحل بهدوء.. عاش طيباً مسالماً، خلوقاً، عفيفاً، متعفّفاً، يظلّله الهدوء ويغلب عليه الحياء والحياء شيمة وقار في الأخلاق، وخصلة اقتدار في الأفعال. رحل عاشق الإذاعة ناصر بن إبراهيم الحمد الناصر الأحد 2 يوليو 2023م (14 ذو الحجة 1444هـ) بشكل فاجأ محبيه . ومثلما فاجأنا مرضه، فقد فاجأنا خبر رحيله: كان قبل شهرين فقط يشاركنا فرحة زواج ابن شقيقتي وكان يبدو عليه التعافي ممّا ألمّ برأسه قبل عدة أشهر وتلقى بسببه علاجاً في المستشفى الجامعي، لكن عاشق الإذاعة لم يكن في كل مراحل حياته شكّاءً ولا متذمراً.كان صبوراً يخجل أن يشتكي لأحد عن أي شيء يكدّر عيشه. لم يكن “ناصر” ابن عمتي “حصة” فقط، بل كانت علاقتنا أقرب للأخوة منها للقرابة وكانت والدتي -رحمها الله وغفر لها- لا تعُدّ “ناصراً” إلا واحداً من أبنائها، تسأل دوماً عنه وتحرصُ على أن يشاركنا وجباتنا التي تصنعها بيدها. عاشت جدتي لوالدي “نورة الخريدلي” في منزلنا، وهي جدته لأمه، فكان يداوم على زيارتها في بيتنا، شجعه في ذلك ما يجده من ترحيب وحفاوة من والدي ووالدتي -رحمهما الله- ومن إخوتي أيضاً، ومن هنا توثّقت صلة أخوتنا به. كبُرنا وكبُرت اهتماماتنا، وغادرنا بلدتنا لمواصلة التعليم الجامعي غير إن الأخوة والصداقة مع “ناصر” لم تفتُر بل اتصلت في كل زيارة لنا إلى مسقط رأسنا. وعندما علِم -رحمه الله – أنني عملتُ بداية حياتي الوظيفية في إذاعة الرياض، فرح كثيراً كأنما من يشاركه محبته للإذاعة ويفهم اهتمامه وينقل ملاحظاته تجاه برامج الاذاعة وأداء المذيعين وصفاء تلقي البث هناك في ديرته. وكان دوماً ما يقارن صفاء بث إذاعات المملكة في بلدته بما يصله عبر الأثير من إذاعات أخرى. لا أبالغ إن قلت إن “ناصر” كان مرجعاً في معرفة الإذاعات وتنوعها وجودة بثّها. أخيراً فإني أقترح على إذاعتنا الرياض أن تُصدر درعاً وشهادة تكريم باسم عاشق الإذاعة “ناصر بن إبراهيم الحمد الناصر”، وفاءً لروح طاهرة عشقت الإذاعة، وتكريماً لأثره الباقي.
مشاركة :