لوقت طويل، كانت عمليات إطلاق الصواريخ إلى الفضاء مخصصة للبعثات العلمية النادرة نسبياً، لكن العالم يشهد -حالياً- حقبة جديدة من السفر الفضاء، مع تراجع كلفة النقل بصورة كبيرة؛ ما خلق طفرة في الطلب على الخلايا الشمسية الكهروضوئية منخفضة التكلفة، ذات الاستخدامات الفضائية. وفي خضم التحوّل الجاري، واستشرافاً للتحولات المستقبلية، يعكف الدكتور إركان أيدين، الباحث في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، على تخطيط الأبحاث المتعلقة بالخلايا الكهروضوئية للاستخدام في الفضاء. يقول أيدين: «بزغت الفكرة في ذهني؛ بسبب فضولي حيال الطريقة التي يمكن بها تشغيل مجموعات ضخمة من الأقمار الاصطناعية، ذات أعداد كبيرة، وحتى وقت قريب، كان عدد المهمات الفضائية -الصغيرة نسبياً- مدعومة بالخلايا الكهروضوئية المعقدة وباهظة التكلفة، ولا تمثل الميزانية مشكلة مع هذا العدد الصغير». وأضاف: «إن مشاريع إطلاق كوكبة من الأقمار الاصطناعية من أجل تحقيق حلم الإنترنت واسع النطاق، تتطلب إطلاق أكثر من 100,000 قمر اصطناعي إلى مدار أرضي منخفض في الفضاء (17 ضعف العدد الموجود اليوم) خلال العقد القادم». وفي هذا الصدد، يرى باحث «كاوست» أنه لا توجد إمدادات كافية من الخلايا الكهروضوئية المطلوبة لهذا الغرض، معتبراً الأمر «غير مجدٍ». وأوضح أنه «رغم أن الخلايا الكهروضوئية الأفضل أداءً اليوم، يمكنها توفير طاقة عالية لكل وحدة وزن، إلا أنها باهظة الثمن، وإمكانات التصنيع العالمية لن تلبي الطلب». وبين أيدين: «في عصر الفضاء الجديد، تتغير معادلة الخلايا الكهروضوئية؛ حيث تنتقل من التكلفة باهظة والطلب محدود، إلى تكلفة منخفضة مع طلب مطرد، وهو تحول نموذجي». ومنذ انضمامه إلى مختبر البروفيسور ستيفان دي وولف، أستاذ هندسة وعلوم المواد ورئيس قسم هندسة وعلوم المواد والمدير المشارك في مركز أبحاث الطاقة الشمسية في الجامعة، لعب أيدين دوراً بارزاً في تطوير التقنية، وإظهار الكفاءة الفائقة للخلايا الشمسية الترادفية القائمة على البيروفسكايت. أخيراً، ركَّزت أبحاث أيدين على الاستقرار التشغيلي طويل المدى وتصنيع الخلايا الشمسية الترادفية. ويقول: «لقد أثبتنا جدواها وفائدتها، ولكن العقبة أمام تطوير هذه التقنية، تكمن في إثبات استقرارها التشغيلي طويل المدى». والاستقرار التشغيلي طويل المدى يعني القدرة على الحفاظ على أداء الخلايا الشمسية وتوليد الطاقة بكفاءة عالية لفترات طويلة من الزمن. كما يُعتبر أمراً حاسماً لنجاح تقنية الطاقة الشمسية واعتمادها كمصدر للطاقة النظيفة، حيث يتطلب ذلك تشغيلاً دائماً وثابتاً للخلايا الشمسية دون تأثيرات سلبية على أدائها. ويشدد إيدين على أن الخلايا الشمسية الترادفية القائمة على البيروفسكايت توفر العديد من المزايا لتلبية متطلبات عصر الفضاء الجديد؛ إذ إنها فعالة للغاية وأقل تكلفة بكثير من التقنيات الحالية، وبسهولة يمكن توسيع نطاق تصنيعها، باستخدام تقنيات عالية الإنتاجية. التحدي الحاسم في تثبيت الخلايا، يتمثل في مواجهة الظواهر الفضائية التآزرية المتطرفة، التي يمكن أن تؤثر على استقرار التشغيل الطويل المدى للخلايا الشمسية؛ من هذه الظواهر، الإشعاع الفضائي عالي الجسيمات، والفراغ العالي، والتغيرات في درجات الحرارة المرتفعة. ويشرح الباحث: «تحقيق هذا الهدف سيقود إلى العديد من الاستكشافات في مجال الخلايا الكهروضوئية، وتطبيقات الأجهزة الإلكترونية الضوئية الأخرى». يرجع أيدين الفضل في تغيير الطريقة التي ينظر بها إلى المشكلات العلمية، إلى بيئة العمل متعدد التخصصات في مركز أبحاث الطاقة الشمسية في «كاوست»، إذ يقول: «الخبرة التي اكتسبتها على مدار سبع سنوات مضت، جعلتني مؤهلاً بشكل مثالي لخوض غمار هذا المشروع الجديد». ويتابع: «لقد مكنتني التسهيلات الفائقة في الجامعة من إجراء أبحاث كهروضوئية متطورة؛ حيث يُعدّ المناخ الحار والمشمس في المملكة العربية السعودية مكاناً رائعاً لمراقبة سلوك خلاياي الشمسية، في بيئة حقيقية على أرض الواقع، وإعدادها وفقاً لمعايير الصناعة». ويؤمن أيدين «بالقوة السحرية» للعمل الجماعي والتعاون الدولي بقوله: «لقد أتيحت لي الفرصة للتعاون مع كبار الباحثين في العالم والجامعات الكبرى الأخرى. لقد كانت فرصة رائعة لبناء شبكة عالمية، وأسعى على المدى الطويل إلى تطوير الخلايا الكهروضوئية الواقعية، والفائقة الكفاءة؛ لتلبية احتياجات العالم المتغيرة ديناميكياً». يذكر أن أيدين اقتنص منحة البدء في المشاريع لعام 2023 من مجلس البحوث الأوروبي لتنفيذ مشروع (إنبيرسبيس - INPERSPACE) الخاص به والذي يوفر تمويلاً لمدة خمس سنوات. ويُعد أيدين أول باحث في «كاوست» يحصل على هذه المنحة المرموقة.
مشاركة :