الأمن الغذائي: إذا لم نتحرك الآن فسندفع ثمنًا غاليًا

  • 7/29/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

عمون - أكثر من 800 مليون إنسان في العالم يعانون من الجوع. ولكي يمكن تأمين الغذاء للجميع في المستقبل، فإن الأمر يحتاج إلى تغيير شامل لكامل النهج. هذا ما يقوله "برنارد ليمان"، أول رئيس سويسري لهيئة خبراء الأمن الغذائي في الأمم المتحدة. "ليمان" يوضح هنا كيف سيبدو التغيير المرتقب. سؤال : ما هو الشيء الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لكَ عندما تنظر اليوم إلى حالة الغذاء في العالم؟ برنارد ليمان: من ناحيةٍ، هي مشكلة أزمة المناخ المستمرة، والتي ينتج عنها دائمًا فترات جفاف كارثية متصاعدة نفقد بسببها الكثير من المحاصيل والأراضي الصالحة للزراعة في أفريقيا وآسيا، مما يؤدي إلى قلة المواد الغذائية محليًّا. الكثير من الأطفال يعانون من نقص وسوء التغذية، ذلك أمرٌ مأساوي. ومن ناحية أخرى، البلدان المتضررة بشكلٍ كبير هي تلك التي تعاني من عواقب جائحة كوفيد وتشهد نموًّا سكانيًّا كبيرًا. الحرب ضد أوكرانيا، هل فاقمت الوضع؟ نعم، هذه الحرب أجّجت أزمة الغذاء في كل العالم. القمح وزيت المائدة أصبحا شحيحين والأسعار ارتفعت كثيرًا في السوق العالمية، وهو ما يحرم المزيد من الناس من إمكانية الحصول على الغذاء. هذا هو السبب الرئيسي لأزمة الغذاء الحالية. إنها ليست نقص الوفرة، فالطعام موجود، لكن المشكلة هي أن الناس ليس لديهم ما يشترون به المواد الغذائية. محاربة الجوع إذًا تعني قبل كل شيء الحد من الفقر. نعم، هذا بعد محوري. غالبية المتضررين ينقصهم المال أو الأرض أو الماشية أو الغابة، لكي يحصلوا على غذاءٍ كافٍ ومناسب. ذلك ينتهك الحق في الغذاء، وهو حق إنساني منصوص عليه في القانون الدولي. أيُّ تدابير لازمة لتغيير هذا الوضع؟ لكي تبقى القوة الشرائية قائمة وطريق الحصول على الغذاء مؤمنة، من المهم أن يكون هناك تأمين اجتماعي واسعٌ جدًّا في البلدان المتضررة. خبيرات وخبراء الأمم المتحدة يطالبون منذ وقتٍ طويل بصندوق عالمي للتأمين الاجتماعي. على المدى القصير، وكما هو معمول به من قِبل برنامج الغذاء العالمي للأمم المتحدة (WEF) ، فإن وصولات الدفع وتحويل الأموال نقدًا يساعدان في ذلك، كذلك القروض الصغيرة، عندما لا يكون التضخم في حينه مسيطرًا. أما على المدى الطويل فإن الأمر يحتاج إلى إمكانيات تعليم أفضل للأجيال الشابة. هذه الأجيال تفرُّ، حين يكون ممكنًا، إلى جهاتٍ مستقرة اقتصاديًّا. أليس كذلك؟ هذه أيضا مشكلة كبيرة بالنسبة لجنوب الكرة الأرضية، فالشباب هو ما نحتاجه للتغيير، وعلينا، بشكلٍ ملح، أن نفتح لهم آفاقًا. مثلًا تكافؤ الفرص في التعليم وإمكانية إنشاء عمل تجاري خاص. إضفاء الطابع الاحترافي على القطاعات غير الرسمية، أسلوبٌ جيدٌ أيضًا. المشاريع الصغيرة تستطيع أن تفعل العجائب في سبيل الأمن الغذائي. ماذا يعني الأمن الغذائي؟ لكن الكثير من دول جنوب الكرة الأرضية واقعٌ في أزمة ديون كبيرة. هذا صحيح. يضاف إلى ذلك حروب أهلية واضطرابٌ سياسي في الكثير من الأماكن، وذلك بدوره يؤجج العَوَز الشديد. هنا، على الدول الغربية المساعدة، بالأموال أو بتخفيض الديون أو بالاستثمارات. كيف يستطيع الغرب المساعدة عمليًّا؟ على المدى القصير تستطيع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مثلًا دعم برنامج الغذاء العالمي ماليًّا، والذي يحتاج بشكلٍ ملح إلى مساهمات. على المدى الطويل فإنه من المهم أن نبدأ بإصلاح نظام التجارة العالمية التي هي أحد الأسباب الرئيسية للمجاعة في العالم. بلدان جنوب الكرة الأرضية يجب أن تعود إلى انتاج المزيد لأسواقها الخاصة، بدلًا من التصدير، كما يجب أن يتوقف الشمال عن إغراق أسواق دول الجنوب بالبضائع الرخيصة التي تدمر الإنتاج المحلي. في الوقت ذاته يمكن للشركات السويسرية مثلًا أن تعالج منتجاتها في البلد نفسه الذي تستورد منه المواد الخام بدلًا من استيراد تلك المواد فقط. ذلك يخلق فرص عمل وينتج قيمة مضافة في تلك البلدان ويجعلها أكثر قدرة على الصمود بوجه الأزمات. التقرير الأحدث لهيئة خبراء وخبيرات الأمم المتحدة للأمن الغذائي التي تترأسها، يتناول عدم المساواة في النظام الغذائي، بماذا يتعلق الأمر؟ يُظهر التقرير مدى التشابك الوثيق بين عدم المساواة وانعدام الأمن الغذائي عبر كامل سلسلة انتاج القيمة المضافة من المزرعة حتى صحن الطعام. فمثلًا تعاني عائلات الفلاحين الصغار غالبًا من صعوبة الوصول إلى الموارد وفرص السوق، بينما تسيطر بعض احتكارات المواد الغذائية على غالبية سوق البذور ومبيدات الحشرات. يضاف إلى ذلك ما سبق أن ذكرناه عن الإمكانيات غير المتساوية للمستهلكين والمستهلكات في الحصول على مواد غذائية مناسبة ومغذية. ولكي يتم التغلب على عدم المساواة هذه يحتاج الناس أيضًا إلى امتلاك القرار من جديد بشأن غذائهم. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن كل واحدة أو واحد يستطيع أن يقرر بنفسه ماذا يريد أن يأكل وكيف يُنتج الطعام الذي يأكله. ذلك يقلل من التبعية وعدم المساواة. غير أن المجموعات السكانية المهمشة بالذات، لا تمتلك في الغالب هذا القرار حاليًّا. هيئتنا دعت في تقرير صدر العام الماضي إلى أن تدخل سلطة القرار هذه في مفهوم الأمن الغذائي. في هذه الأثناء يعيش الجزء الأكبر من الشعب السويسري في وفرةٍ فائضة. ما الذي نستطيع فعله لتحسين الأوضاع؟ بما أن غالبيتنا تمتلك سلطة القرار، فإننا نستطيع التأثير على السوق من خلال استهلاكنا. مثلاً نستطيع الاستعاضة عن "البروتين" الحيواني بـ"البروتين" النباتي. استهلاك اللحوم المفرط لا يمكن تجميله. حوالي 60% من الحبوب المنتَجة في العالم لا تذهب إلى إطعام الناس، بل تُطعَم إلى الحيوانات كعلف مركّز. حوالي 16% تذهب لإنتاج الوقود الحيوي. ذلك يشكل نقصًا في مكان ما من النظام. لدينا مسؤولية أخرى في مسألة فضلات الطعام، فثلث المواد الغذائية المنتَجة في العالم يتم فقدانها أو رميها، وذلك يشمل أيضًا ما يُسمى "خسائر الطعام" الناتجة غالبًا عن فساد المحاصيل مباشرةً في حقول بلدان الجنوب. يمكن منع حصول ذلك بوسائل تخزين وتبريد أفضل. في المقابل فإن الكثير من الطعام في دول الشمال الغنية يُلقى مباشرةً في النفايات. نستطيع أن نبدأ من هناك، على سبيل المثال. أية مسؤولية يتحملها السياسيون؟ في المقدمة يقف التعاون الإنمائي. هنا ينبغي الانتباه بأن لا تُضعف الحاجات الجديدة، مثل الحرب في أوكرانيا، المساعدة لجنوب الكرة الأرضية. وبشكلٍ خاص، أرى أن دعم التكوين المهني في النظام الغذائي شديد القابلية للتوسع. ما يتعلق بالسياسة الزراعية في سويسرا يجب التقليل بشدة من استخدام المبيدات الحشَرية وعدم تشجيعها بمزيد من الإعانات. ما زال الاستثمار في اقتصاد زراعي خالٍ من المبيدات، قليلًا. على سبيل المثال في بحوث الزراعة البيئية، التي تقدم مباديء جيدة ضد أزمة الغذاء. ما هي فوائد هذه الطريقة؟ إنها صديقة للبيئة أكثر. الزراعة البيئية تجري قدر الإمكان بقليل من المواد الدخيلة، كالأسمدة الكيميائية ومبيدات الحشرات. يتعلق الأمر بدورات طبيعية، وأرض سليمة وغنية بطبقة السماد الحيواني والنباتي، كما يتعلق بتشجيع التنوع البيئي. ويُستعاض هنا عن الزراعات الأحادية التي شَجعت ماضيًا ما سُمّي "الثورة الخضراء"، بطرق زراعية مستديمة ومتنوعة. ولكن الجوانب الاجتماعية أيضًا، مثل تعزيز التعاونيات، أسواق البيع المحلية وسلاسل توريد منصفة، هي جزءٌ من المفهوم. في السنوات الأخيرة أخذت الزراعة البيئية تكتسب أهمية في الأوساط العلمية والسياسية. لكنها ما زالت في التطبيق العملي هامشية، لماذا؟ من ناحية أولى لأنها ستغير هياكل السيطرة الحالية، ومن ناحية ثانية فإن المنهج يتطلب معرفةً مكثفة، وذلك ما ينفّر في الغالب. لهذا السبب سيكون من المهم للغاية أن نستثمر في البحوث وتقديم النصائح والإرشادات في المجال الزراعي. لا توجد وصفة حل واحدة تناسب الجميع للخروج من الأزمة الحالية، بل هناك حلول متنوعة. لكن الزمن يضغط، والثمن الذي سندفعه إذا لم نتحرك الآن، سيكون باهظًا جدًّا. تضع الزراعة البيئية الإنتاج المحلي في المقدمة، هل يعني ذلك أيضًا نهاية نظام التجارة العالمي الذي نعرفه حاليًّا؟ من المؤكد أن الكثير من الأشياء ستتغير بشكلٍ جذري. لكن تمامًا بدون تجارة، أمر غير ممكن. غير أن حماية المنتَج المحلي يجب أن تكون أولوية. من الممكن أيضًا أن تُصاغ الاتفاقيات التجارية بشكلٍ عادل وملائم للمناخ، وهناك خطواتٌ أولى في هذا الاتجاه. القليل من المحاولات غير الفاعلة لتصحيح الأخطاء، لم يعد يجدي نفعًا. ما نحتاجه الآن هو تحول شامل على كل مستويات النظام الغذائي لنجعله ملائمًا للمستقبل. ترجمة: جواد الساعدي (سويس انفو).

مشاركة :