يؤسفنا كثيرًا ما يتداوله الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى من جرائم عناصر داعش الإرهابية، سيّما تلك الأفعال الغادرة بحق الأقارب ممن يعملون في السلك العسكري، وهي جرائم بحق الإنسانية والدين والخلق، تعارضها جميع القيم والمبادئ والأخلاق، ففي الحادث الأخيرة التي راح ضحيتها وكيل الرقيب بقوات الطوارئ «بدر الرشيدي» على أيدي ستة أشخاص من أبناء عمومته الدواعش، مستغلين الروابط العائلية أسوأ استغلال على الإطلاق، وذلك بالقرب من إحدى محطات البنزين بمنطقة القصيم، وقبله شقيقان يقتلان ابن عمها «مدوس العنزي» اليتيم الذي تربى معهما بمنزل واحد، وذلك بمحافظة الشملي بمنطقة حائل، في أول أيام عيد الأضحى الفائت (أحدهما نفذ جريمة القتل، والآخر قام بالتصوير وتوثيق الحادثة إمعانًا في الجريمة والعدوانية)، وقبله العقيد «راشد إبراهيم الصفيان» في شهر رمضان المبارك، الذي قتله ابن أخته، وداعشيّ خميس مشيط الذي قتل والده، وغيرها من الجرائم المؤسفة، التي حالها كحال غيرها من جرائم داعش المستمرة، والتي تكشف عن اضطرابات نفسية يعيشها هؤلاء المارقون، إذ هم يتلذذون بممارسة سلوك الجريمة والقتل والتدمير، ويستمتعون بإراقة الدماء؛ طاعةً وتنفيذًا لتعليمات قادة تنظيم داعش الإرهابي. هذه الحوادث تدعونا للحديث عن الشخصية الإرهابية من منظور نفسيّ بكافة مكوناتها، خاصة وأن مفهوم الشخصية الإجرامية كتكوين فرضى، يستدل عليه من خلال السلوك الصادر من الفرد، وقد استقطب اهتمام عدد من علماء النفس والاجتماع والطب النفسي، حيث قاموا بدراسة وبحث العوامل الوراثية والبيئية والاجتماعية والنفسية والبيئة والجغرافية والسياسية وغيرها من العوامل التي تؤثر فيها، وتعمل على نموها واتساع دائرتها، حيث تعد الشخصية الإرهابية (الداعشيّة) من أعقد الشخصيات التي يمكن تناولها ودراستها؛ وذلك نظرًا لارتباطها بأخطر أشكال الدمار والتهديد لأمن المجتمع واستقراره، ونزعتها نحو القتل والتخريب، فالإرهاب سلوك إجرامي يفتقد لأدنى أشكال الخلق الرفيع والدين والمبادئ والقيم الكريمة، والشخصية الإرهابية (الداعشيّة) شخصية عدوانية إجرامية، غير سويّة، وغير متوافقة مع المجتمع، ترغب في ممارسة أقسى أنواع السلوك العدواني والتسلطي والدموي، كما تتصف بالخداع والتهور والاندفاعية بدون أي اعتبار للنتيجة، شخصية تفيض بأعلى مستويات العنف، والرغبة في قتل الآخرين، وسفك دمائهم، وتدمير ممتلكاتهم، وعدم تقدير للمسؤولية، أو الاكتراث بنواتج هذه السلوكيات الإجرامية. كما يعد الارهاب أحد أخطر أشكال التهديد لأمن المجتمع واستقراره، ولقد كان لبعض مدارس علم النفس آراء مختلفة في تفسير سلوكه العدواني، وتحليل شخصيته الإجرامية، حيث رأت مدرسة التحليل النفسي أن السلوك الإرهابي هو ناتج الصراع القائم بين «الهو» و»الأنا»، فإذا استطاعت «الأنا» أن توازن بين «الهو» و»الأنا الأعلى» والواقع عاش الفرد متوافقًا نفسيًا، وعاش متكيّفًا مع البيئة المحيطة به، أما في حالة فشله في ذلك فقد ينحرف السلوك فيصبح إجراميا في اتجاهاته وسلوكه، بمعنى أنه ستطفو على السطح دوافع موجهة بشكل منحرف كانت مكبوتة في اللاشعور، تظهر بطريقة بعيدة عن وعي الفرد وإدراكه، وهذه نتيجة صراعات لا شعورية تعرض لها الفرد خلال فترة طفولته المبكرة، ثم مكثت طويلًا في اللاوعي. وترى النظرية أن غريزتيّ (الموت والحياة) تحركان الإنسان، فغريزة الموت تحركه نحو التدمير والقتل والتخريب، وتأخذ كافة أشكال العدوانية والعنف، وذلك من خلال الصراعات الداخلية التي تؤدي الى قتل الآخرين وتدمير ممتلكاتهم، سيّما عندما تتوجه نحو الخارج. *محرر صحفي بمكتب الطائف
مشاركة :