سيكولوجية الإرهاب

  • 2/17/2015
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

لم يستقل مفهوم من المفاهيم في معظم التناولات التي طالته بعيدا عن الحيادية العلمية وخاضعا للمصالح السياسية ومراكز نفوذ القوى العالمية الرأسمالية بإمبراطوريتها الإعلامية مثلما استقل مفهوم الإرهاب، وهذا ما تجلى في إطلاق صفة الإرهاب على كل حركات المقاومة على امتداد العالم من قبل منظري رأس المال العالمي والمروجين لهم من مثقفين استشراقيين وأشباه مثقفين، وبغض النظر عن هذا الاستثمار السياسي لمفهوم الإرهاب فإن الإرهاب أو العمليات الانتحارية أو ما تسمى بـ«الاستشهادية» هي في نهاية المطاف ظاهرة سيكولوجية اجتماعية، ولقد غيب هذا المفهوم السيكولوجي للإرهاب حتى لا يتم معالجة ظاهرة الإرهاب معالجة سيكولوجية لكي يتم القضاء عليه، إنما ظلت المعالجة الأمنية العسكرية سائدة حتى يومنا الحاضر، التي بدورها تزيد من تفشي ظاهرة الإرهاب في العالم، وإلا ألم يتم التعامل مع ظاهرة الإرهاب من قبل أميركا أثناء أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 التي نفذتها «القاعدة» في واشنطن ونيويورك تعاملا عسكريا تمثل في رد فعل أميركا وقامت بالحرب على كابل معقل «القاعدة»، وحصدت الحرب أرواح بشر باسم محاربة الإرهاب؟ وهنا نتساءل: لماذا لم تنجح محاولة أميركا والغرب في اجتثاث ظاهرة الإرهاب في ذلك الوقت، التي إلى اليوم تحاربها أميركا والغرب عسكريا، ليس في أفغانستان فقط وإنما في اليمن والعراق وسوريا؟ لماذا تجددت ظاهرة الإرهاب بشكل أعنف وأقوى مما كانت عليه، وأكثر من ذلك ظهرت تنظيمات إرهابية متعددة مثل «داعش» و«جبهة النصرة» و«أنصار الشريعة» وغيرها وبإرهاب أعنف وأخطر؟ وهذا يضعنا أمام تساؤلات كثيرة، أهمها: ما مفهوم الإرهاب؟ إن تحديد مفهوم للإرهاب يتم الاتفاق عليه علميا وعالميا هو المطلب الرئيسي والضروري للقضاء على ظاهرة الإرهاب، وعليه هل نطلق على النضال الوطني مثلا الذي يقوم به الشعب الفلسطيني لقيام دولة له والدفاع عن وجوده إرهابا؟ وكذلك هل نعد نضال الشعب السوري لنيل استقلاله وتحديد مصيره إرهابا ونساوي بذلك بين مفهوم النضال الوطني وأعمال الإرهاب والعنف والقتل التي تقوم بها «داعش» و«جبهة النصرة»؟ وقبل ذلك أثناء الغزو الأميركي للعراق ألم تنتشر فرق الحرس الثوري الإيراني وجيش المهدي لكي تفتك وتقتل كل من هو من طائفة أهل السنة تحت بصر الجيش الأميركي؟ أليس ذلك إرهابا؟ ومن هذا السرد لمسيرة الأحداث نجد أن أميركا هي التي أوجدت البيئة الحاضنة للإرهاب وغذتها منذ حربها ضد الاتحاد السوفياتي السابق في أفغانستان عام 1980 مرورا بغزوها لأفغانستان في بدابة العقد الأول من الألفية الثانية، وبعد ذلك غزوها للعراق عام 2003، وهي الآن دفعت بنفسها وبالعالم إلى حرب من نوع جديد، وهي حرب الإرهاب حيث انقلب السحر على الساحر، ومن هنا تتحمل أميركا المسؤولية كاملة في ظهور ظاهرة الإرهاب، ولن تُجدي هذه المعالجة الأمنية وما سميت بحرب التحالف الدولي للقضاء على للإرهاب، إنما على العكس من ذلك سوف تؤدي إلى زيادة وتفاقم تلك الظاهرة الوبائية في العالم. إننا إذا لم نحدد المفهوم العلمي للإرهاب ونتفق عليه فإننا بذلك لن نميز بين الإرهاب ومفهوم النضال الوطني، ليس فقط لكي تفقد كلمة النضال الوطني للشعوب لنيل الحرية والحياة الكريمة معانيها السامية، ولكن الأخطر أننا نفقد المبادئ التي تقوم عليها منظمة الأمم المتحدة معناها، وأهمها حق الشعوب في تقرير مصيرها لنيل الاستقلال. إن الإرهاب بالمفهوم السيكولوجي هو المدخل الرئيسي لتفسير ومعالجة ظاهرة الإرهاب، ومعناها السلوك الجانح المشوب بالقسوة والعدوان والقهر والإكراه، وهو عادة سلوك بعيد عن التحضر والتمدن تستثمر فيه الدوافع والطاقات العدوانية البشرية استثمارا صريحا بدائيا كالضرب والتقتيل للأفراد والتكسير والتدمير للممتلكات واستخدام القوة لإكراه الخصم وقهره، ويمكن أن يكون العنف فرديا كما يمكن أن يكون جماعيا أو عن هيئة أو مؤسسة تستخدم جماعات وأعدادا كبيرة على نحو ما يحدث في المظاهرات السلمية التي تتحول إلى عنف وتدمير واعتداء أو استخدام الشرطة للعنف في فضها للمظاهرات والاضطرابات. إن الإرهابيين في أغلب الأحيان ينتمون إلى أوساط اجتماعية فقيرة يعانون القهر الاجتماعي والاغتراب، أضف إلى ذلك غياب تبلور هوية اجتماعية ينتمون إليها فيكون الحل إزاء هذا الوضع باللجوء إلى جماعات تحتضنهم بحيث تحقق ما لديهم من حاجات نفسية واجتماعية، فلا يجدون إلا هذه الجماعات التي تعمل لهم نوعا من عملية غسيل الدماغ، إذ يحتل الدين حيزا واسعا من هذا الوعي فيتم إعادة إنتاجه وصبه بما يشبه طبقة بازلتية على العقل تحميه من خطر الذوبان، لذلك فإن كثيرا من الإرهابيين يكونون شبابا في مرحلة المراهقة يعانون الانكسار وعدم اكتمال مقومات الشخصية والعزلة عن القوى الاجتماعية المحيطة بهم، وبذلك لا يستطيعون التأقلم مع الجماعات السوية في مجتمعهم. إن الإرهاب، وإن كان هو ظاهرة سيكولوجية، لا يمكن أن نعزله عن السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي ترعرع، وكذلك غياب القيم الأخلاقية مثل قيم العدالة والمساواة والكرامة وكذلك القيم الروحية، إذ غلب على حياة الإنسان في عصرنا الحاضر الجانب المادي الذي هو بدوره سبب في تفاقم ظاهرة الإرهاب. ومن الحقائق المهمة التي يجب أن نشير إليها أن النظام العالمي الجديد الذي تشكل بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 هو مسؤول كذلك عن انتشار ظاهرة الإرهاب، إذ تحكمت مجموعة من الدول الكبرى في مصير العالم وتم التعامل مع الدول في قضاياها ومشكلاتها تحت مظلة مجتمع أطلق عليه مجتمع العولمة يتم فيه حل القضايا السياسية للدول بمقياس الكيل بمكيالين، وأوضح دليل على ذلك قضية الشعب الفلسطيني وما لحق به من ظلم واستبداد وتشريد منذ أكثر من خمس وسبعين سنة. إذا ما أرادت الدول الكبرى والأمم المتحدة أن تقضي على الإرهاب فعليها أن تنشر قيم العدالة والتسامح وتعمل على تفعيل القوانين الدولية التي تساند الشعوب المضطهدة في نيل حقوقها. إن حل المنازعات بالقوة لن يجدي ما دام الظلم يستشري في بعض دول العالم، وما دام هناك أطفال لا يجدون التعليم والأمن والسكن، بل على العكس تهددهم وتروعهم الحروب، وما دام هناك فقر عند بعض الشعوب التي لا تزال لا تجد ما تأكله. لنرجع إلى الأديان التي تدعو إلى الرحمة والسلام وأهمها الدين الإسلامي، ومن غير ذلك فلا نهاية للإرهاب!

مشاركة :