أحياء الرياض القديمة.. التراث يعود بوجه حديث!

  • 3/4/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يعد وسط المدينة في كل عاصمة القلب النابض لها بما يحويه من مبان ومرافق ظلت شاهدة لقرون على مكانة هذه العاصمة وتاريخها المشرق، بل إن بعض العواصم لا زال يشهد وسطها حراكا اقتصادياً وعمرانيا على مر العصور لتظل الوجهة المفضلة لكل زائر، كما في معظم عواصم الدول المتقدمة كالعواصم الأوروبية مثلاً، حيث تجد أن الأحياء وسط هذه العواصم تتميز بالمباني العريقة والمميزة عن بقية المباني في الأحياء الحديثة بل ان البعض منها يجمع بين العراقة والحداثة على حد سواء فتجد فيها الأسواق التي تعرض أفضل ما أنتجته المصانع، بالإضافة إلى العديد من المطاعم الشهيرة والمقاهي المحاطة بالحدائق الجميلة الغناء. وفي عاصمة كبرى مترامية الأطراف كالرياض فإن الأحياء القديمة في وسطها تعتبر بمثابة شاهد على عصر النهضة التي شهدتها البلاد منذ دخول جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - لها في عام 1319 ه فاتحاً لها، حيث كانت تلك الأحياء في وسط الرياض منذ ذلك التاريخ في تطور وتوسع كبيرين أذهلت الزوار والمتابعين في تلك الفترة من الزمن فقد شهدت قفزات متتالية جعلتها في غضون سنوات قليلة أحياء عصرية بما تعنيه الكلمة. بيوت الطين في الديرة والدحو والشميسي والعود شاهد على الزمن القديم قبل ظهور فنادق الخمس نجوم! بيوت الطين والفلل ومن أوائل هذه الأحياء حي اليمامة، ومنفوحة، والشميسي، ومعكال، والوسيطاء، وجبرة، والقري، والبطيحة، والديرة، والدحو، وام سليم، والمرقب، والعود، والدويبة، وسلام، والرفيعة، وقد كانت هذه الأحياء القديمة عبارة عن مبان طينية في بداية تشييدها وخاصة الأحياء التي كانت داخل سور الرياض القديم ومن ثم امتد العمران خارج سور الرياض عن طريق البناء ب (بلك) والأسقف الخشبية وهي المرحلة الثانية من تطور بناء العقار في الرياض، ومع التطور العمراني الحديث وظهور أحياء جديدة كحي الملز وغيرها بات الناس يهجرون تلك الأحياء القديمة وسط الرياض ويبنون بيوتاً حديثة بنظام الفلل مما جعل تلك الأحياء القديمة مكاناً لإقامة من لم تسعفه ظروفه ببناء بيوت حديثة، ومع مرور الوقت صارت المباني القديمة مكاناً لإقامة بعض الجاليات العربية بينما بقيت البيوت الطينية صامدة لبعض الوقت بينما جعلتها العوامل الطبيعية من الأمطار تتهاوى وتسقط، حتى امتدت اليها يد التطوير واستطاعت أن تعيد لها هيبتها عن طريق الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض التي ساهمت بشكل كبير في اعادة وترميم الأماكن الحيوية التي شملت منطقة قصر الحكم والجامع الكبير (جامع الإمام تركي بن عبدالله) وميدان العدل وساحة المصمك وساحة الصفاة وغيرها من الأماكن التاريخية والأسواق القديمة والمراكز التجارية، ولا زالت تلك الجهود متواصلة ولعل آخرها هو التوجه لتأسيس شركة حكومية لتطوير وسط المدينة مما سيجعل من منطقة وسط الرياض القديمة أجمل مناطق الرياض وواجهة العاصمة المشرق في شتى الميادين. أحياء الرياض القديمة عند الحديث عن أحياء الرياض القديمة، فإننا نقصد الأحياء التي كانت داخل سور الرياض الطين على صغر مساحتها في ذلك الوقت إضافة إلى الأحياء الجديدة التي تخطت سور المدينة الأول والذي كان أولها حي المربع حيث أمر الملك عبدالعزيز-رحمه الله- في أواخر عام 1355ه بإنشاء مجمع من القصور خارج أسوار الرياض القديمة في أرض المربع ليكون مقراً لأسرته، وكان المجمع يتكون من عدد من القصور السكنية ومباني الخدمات وديوان الملك عبدالعزيز (قصر المربع) ضمن سور محصن بالأبراج، ويتكون قصر المربع من طابقين بُنيا على الطريقة التقليدية، حيث يوجد وسط القصر فناء تفتح عليه جميع الغرف، وقد بني القصر بالمواد المحلية، فأقيمت جدرانه من اللبِن (الطين المخلوط بالقش والمجفف في أشعة الشمس) وأُسست قواعده من الأحجار المحلية، وعلى أعمدة من الحجارة الدائرية المثبتة ب (الجص) تستند سقوفه من الخشب -الأثل- وجريد النخل، وقد كانت البساطة سمة أساسية في القصر حيث خلا من الزخارف الفخمة المتكلفة باستثناء بعض الزخارف البسيطة التي زينت أسواره الخارجية في أشكال مثلثية جميلة، كما نقشت جدران غرفه المطلية بالجص بزخارف هندسية غائرة، وزينت أخشاب سقفه ونوافذه بالأشكال الهندسية البسيطة الملونة، وبذلك يعد حي (المربع) أول الأحياء الجديدة التي عرفتها الرياض إضافة إلى حي المرقب الذي يقع شرق شارع البطحاء حيث يعد من الأحياء الشعبية القديمة في مدينة الرياض، بل انه يعد من أوائل الأحياء خارج أسوار الرياض القديمة ويكفي ان هذا الحي يضم في احد أجزائه المدرسة التذكارية التي أهداها أهالي الرياض الى الملك فيصل -رحمه الله- بعد قدومه من إحدى رحلاته الخارجية، ومن أشهر الأحياء أيضاً حي دخنه الذي كان يتوسط مدينة الرياض ويوجد به مجمع رباط الأخوان الذي يفد إليه طلبة العلم وكان يعيش في حي دخنة أهل الرياض المعروفين، وحي العود ومعكال والظهيرة، كما يعد حي منفوحة أيضاً من أقدم أحياء مدينة الرياض إذ كان في الأصل بلدة حضرية منذ الآف السنين اشتغل أهلها بالزراعة والتجارة وتسمى أحيانا بمنفوحة الأعشى نسبة لأشهر من سكنها وهو الشاعر العربي المعروف الأعشى، ولعل اسم منفوحة لم يؤخذ من صفة المكان إنما من صفة الطبيعة ومناخها الذي عرفت به وهي نفح الهواء العليل فعرفت بأن الرياح التي تهب عليها في غالب أوقات السنة من جهة الشمال فسميت منفوحة، ومن الأحياء القديمة حي السبالة والذي يعود تسمية بهذا الاسم إلى التسبيل وهو نوع من أنواع الوقف الخيري، حيث كان في الرياض مسجد يقال له المريقيب في الديرة، وكان المسجد قد أزيل وعليه أوقاف أهل الرياض، وبعدها تم اختيار مكان آخر لبناء المسجد فوجدوا أرضا بالقرب من شارع الشميسي القديم، وتم البناء فيها وعرف بحي السبالة الموجود فيه هذا المسجد، ومن الأحياء أيضاً حي عليشة وحي الدحو وهو الحي الذي يقع الآن في جنوب شارع الثميري والذي لم يتغير طرازه المعماري ولم يتأثر بعوامل التعرية فالهيئة العليا لمدينة الرياض وضعت خطة للحفاظ على هذا الحي كنموذج تراثي مفتوح في مدينة الرياض القديمة، ومن الأحياء أيضاً حي الشميسي والذي يعود سبب تسمية بهذا الاسم إلى مزرعة كان يملكها في ذلك الوقت قبل ثمانين عاما في موقع الحي الحالي الشيخ محمد بن علي الشميسي الذي اشتهر بكرمه وسخائه وبذله للمحتاج وعابري السبيل من موارد المزرعة التي لم يجد الفقراء حرجا في أخذ ما يحتاجونه من ثمارها واتخذ الحي اسم الشميسي لاحقا نسبة إلى اسم صاحب المزرعة، أما حي البطحاء والذي ترجع تسميته إلى وادي البطحاء والذي يعد من أقدم الأودية، فهو وادٍ عريق قديم ويشق مدينة الرياض من الشمال إلى الجنوب، واسمه القديم وادي (الوتر)، وكانت قبيلة بني حنيفة تسكنه منذ آلاف السنين، تلك القبيلة التي ينسب إليها قبائل وأفخاذ عديدة سكنت اليمامة على مر السنين الطويلة، والذي تحول فيما بعد إلى مركز تجاري لا يزال قائماً إلى الآن. بداية التطوير حظيت أحياء وسط الرياض القديمة بالتطوير منذ وقت طويل وامتداداً لهذا الاهتمام فقد تم تأسيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بموجب قرار مجلس الوزراء في 28/5/1394ه والتي تهدف إلى التطوير الشامل لمدينة الرياض في المجالات، العمرانية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وإدارة البيئة وحمايتها، وتوفير احتياجات المدينة من المرافق العامة والخدمات وقد أسهمت الهيئة منذ تأسيسها برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حينما كان أمير منطقة الرياض آنذاك في احداث نقلة نوعية لتلك الأحياء التي نقلتها الى واجهة حضارية مميزة للعاصمة، حيث باتت تضم العديد من المعالم الرئيسية والبارزة مثل منطقة قصر الحكم التي أصبحت مركزا إداريا ودينيا وتجاريا لمدينة الرياض لما تضمه من معالم بارزة في المدينة، فهي تضم إداريا أمانة مدينة الرياض وشرطة مدينة الرياض، ودينيا إذ تضم أحد لأكبر مساجد المدينة "جامع الإمام تركي بن عبد الله"، بالإضافة لاحتوائها على أكثر من أربعة أسواق تجارية، ومن المعالم البارزة مركز الملك عبدالعزيز التاريخي والذي يقع في حي المربع وسط مدينة الرياض، ويحتل أرضاً تبلغ مساحتها 440 ألف متر مربع، ويحده من الغرب شارع الأمير عبدالله بن جلوي بن تركي، ومن الشرق شارع الملك فيصل، ومن الشمال شارع الدلم، ومن الجنوب حديقة الفوطة، ويعد هذا المركز أحد أهم المعالم الحضارية والثقافية في العاصمة الرياض، وقد افتتح في الخامس من شهر شوال عام 1419 ه بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز –رحمه الله-، وقد تولت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وضع الأسس التخطيطية والمحتوى الفكري والتصميم العمراني والمعماري لهذا الصرح الحضاري والإشراف على مراحل العمل فيه، وتم تجهيز المركز بكافة المرافق والعناصر الحديثة ذات الأغراض المتعددة التي تجعل منه واحة ثقافية وسط عاصمة المملكة يجد فيه الزائرون المتعة والفائدة، فهناك المنشآت الثقافية التي تتمثل في المتحف الوطني، ودارة الملك عبدالعزيز، وفرع مكتبة الملك عبدالعزيز، وقاعة الملك عبدالعزيز للمحاضرات، كما يتضمن المركز عدداً من المنشآت التاريخية، في مقدمتها قصر المربع، وعدداً من المباني القديمة التراثية التي كانت جزءا من مجمع قصور المربع، بالإضافة إلى أجزاء من سور المجمع القديم وأحد أبراجه، ويشمل المركز كذلك مجموعة متكاملة من المرافق العامة، في مقدمتها جامع الملك عبدالعزيز، بالإضافة إلى شبكة حديثة من الطرق والمواقف المتعددة والممرات المرصوفة وعدد من المطاعم الحديثة التي تلبي احتياجات زوار المركز والعاملين فيه. إعادة تأهيل تحظى أحياء وسط العاصمة بتطوير مستمر سعياً إلى تحويلها إلى مركز تاريخي وإداري واقتصادي وثقافي على المستوى الوطني بعد أن تمت دراسة وتحليل الأوضاع الراهنة للمنطقة ووضع رؤية مستقبلية لتطويرها بمشاركة مختلف الجهات ذات العلاقة من القطاعين العام والخاص، إضافة إلى الملاّك من المواطنين، وتسعى الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عبر حزمة خطط وبرامج شاملة تعمل على تنفيذها حالياً إلى تشجيع السكن والاستثمار والعمل وسط الرياض، وأكدت خطة التطوير على الدور الرئيسي لمنطقة وسط الرياض كمركز إداري للعاصمة وبالتالي العمل على تعزيز هذا الدور، وحدد برنامج التطوير الذي أعلن عن انطلاقته قبل عام وتحديدا خلال الاجتماع الثاني للهيئة لعام 1434ه منطقة وسط مدينة الرياض بالمنطقة المحصورة بين شارع الوشم متصلاً بطريق عمر بن الخطاب شمالاً، وطريق الخرج شرقاً، وشارع عمار بن ياسر متصلاً بشارع الأعشى جنوباً، وشارع الإمام عبدالعزيز بن محمد غرباً، وبمساحة تقريبية تبلغ 15 كلم مربع ، كما يسعى البرنامج إلى إعادة تطوير الأحياء السكنية بكثافات ووحدات سكنية مختلفة بهدف زيادة عدد السكان من المواطنين في المنطقة وتعزيز الأمن الحضري وتحسين جودة الحياة في المنطقة، حيث يجري التنسيق بين هيئة تطوير الرياض ووزارة الإسكان لتطوير مشاريع للإسكان في وسط المدينة ضمن مواقع حددتها الخطة وذلك لمساندة جهود الوزارة في تطوير وإنشاء مشروعات الإسكان في وسط مدينة الرياض، كما تركز الخطة على تعزيز الأنشطة التجارية في المنطقة، حيث عززت مناطق الاستعمال المختلط على الشوارع الرئيسية مع تركيز وتكثيف الاستعمال المختلط حول محطات القطار للاستفادة القصوى من النقل العام، واستحداث العصب الرئيسي للأعمال والسياحة كمحور جديد للاستعمالات المختلطة والترفيهية بين طريق البطحاء وشارع الملك فيصل يتضمن تنوعاً في الاستعمالات وزيادةً في الارتفاعات والكثافة مع إيجاد منطقة للخدمات السياحية والفنادق الجديدة في وسط المدينة، واستكمالاً لهذه الجهود فقد قطعت أحد الصناديق السيادية شوطاً كبيراً لتأسيس شركة إسكان حكومية لتطوير وسط المدينة برأسمال يصل إلى 18 مليار ريال، وستتولى الشركة الجديدة تطوير نحو 15 كلم مربع تتوزع على 15 حيا قديما وذلك بالتنسيق مع جهات حكومية مثل هيئة تطوير الرياض، وأمانة المنطقة، وتتوجه الشركة حالياً إلى نزع ملكية الأحياء القديمة، وتحمل تكلفتها التي يتوقع أن تصل إلى ملياري ريال، في حين ستحصل وزارة الإسكان على حصة من الموقع الجديد بعد نزع الملكية، وإعادة تأهيل المنطقة، ويتوقع أن تضخ الوزارة 14 مليار ريال في أكثر من 142 ألف قطعة من منتج (أرض وقرض) التي توزعت بين تسعة مخططات في المنطقة الوسطى، و13 مخططاً في المنطقة الغربية، و7 مخططات في المنطقة الشرقية.

مشاركة :