هكذا هي الحياة أيتها الراحلة العزيزة.. يا امرأة استثنائية في الزمن الصعب لكنه ايضاً الزمن الجميل الذي انفتحت مسافاته بلا عقد تذكر أمام المرأة. دون تحفظات دخلت يا لولوة رحمكِ الله مع قريناتكِ في أول مدرسة نظامية رسمية للبنات في المحرق مدينتكِ التي لم تغادريها كما فعلنا. ولدت في المحرق وتفتح وعيها الأول في زمن كانت المحرق فيه منارةَ علم وفكر وثقافة، فعلى مسافات من بيت عائلتها وجدت المدرسة وفي المحرق النادي الأدبي الذي رأسه والدها رحمة الله عليه الشيخ محمد بن عبدالله ومعه كوكبة من الأدباء والمثقفين يستضيئون برؤى شيخ الأدباء الشيخ إبراهيم محمد رحمه الله، فهناك كان عبدالله الزايد وقاسم الشيراوي وعبدالرحمن المعاودة وخالد الفرج وعشرات من الأدباء الذين زخرت بهم البحرين واحتضتهم نوادي المحرق. في هذا المناخ الثقافي الثري ولدت الراحلة لولوة بنت محمد آل خليفة التي ودعناها قبل أيام قليلة لتنهل من هذا المناخ، وفي بيتٍ كريمٍ معروفٍ بانفتاحه وثقافته وتراثه البحريني الأصيل نشأت الراحلة يدفع بها الأب الكريم والوالدة الكريمة لمزيد من الثقافة والعلم والاطلاع. الراحلة العزيزة على البحرين أحبت الشعر والأدب، وكان يمكنها في مناخ البيت الكريم أن تتجر فيه وتبرز مواهبها.. لكنها أحبت بلادها أكثر وأكثر.. والتصقت بمجتمعها بالمحيطين بها في الفريج وفي كل فرجان ومناطق البحرين، وتأملت وأطالت التأمل في المشهد الاجتماعي يومها ووقتها وشعرت من حيث لا تدري أنها مدفوعة بحس وطني لخدمة هذا المجتمع وأهله البسطاء الطيبين طيبة هذه الأرض. اختارت النشاط الاجتماعي مبكرا وانخرطت فيه بلا تردد وبلا وجل، وبشعور بالمسؤولية الاجتماعية كبير جعلها تتخطى معوقات واقع تلك الفترة لنجدها هناك في القرى البعيدة، تدخل البيوت الصغيرة مع رفيقات لها لتقديم المساعدة الطبية والاجتماعية والخدمات المختلفة، وكانت لولوة بنت محمد في الصفوف الأولى دائماً في أي عملٍ تطوعيٍ اجتماعي. وكأن هذه المرأة الاستثنائية ولدت لهذا العمل الجبَّار الذي احتاج منها صلابة وحكمة وحسن إدارة ووعيا بدور العلاقات الاجتماعية التي نسجتها الراحلة ولا أبدع، فمن ذا الذي لا يعرف مساهمات هذه المرأة ومن ذا الذي يجهلها في البحرين حتى أولئك الذين لم يلتقوها يوماً عرفوها وأحسوا بها عن قرب قريب، وهي رائدة العمل التطوعي بلا تأفف وبلا تكلف وكأن هذا العمل وهذه الريادة تجري في شرايينها مجرى الدم، فهي تتنفس التطوع بمسؤولية قلَّ نظيرها وندر مثيلها فرحمة الله عليها لولوة. لؤلؤةً كانت ونادرة في هذه الروح التي عمرت قلبها منذ منتصف الخمسينات وربما قبل ذلك بسنوات، كانت في طليعة العمل التطويع الاجتماعي لتضرب مثلاً في أن العائلة او الطبقة لا تمنع الانتماء والإحساس بالآخرين، بل ربما يدفع ذلك الإحساس بالفرد الى النزول الى الناس ومد يد العون والانخراط في كل عمل تطوعي اجتماعي، وهذا ما فعلته الراحلة لولوة بنت محمد بتفانٍ وبإنكارِ ذاتٍ نموذجي. فهي لا تتحدث عن نفسها ولا عن دورها كفرد، وإنما تتحدث دائما عن المجموعة وعن جمعيتها رعاية الطفل والأمومة وعن زميلاتها، وقد اختبرتُ ذلك شخصياً في العديد من المقابلات الإذاعية والتلفزيونية التي أجريتها معها مراراً. زرتها آخر مرة في منزلها وحدثتني طويلاً عن مسيرتها، وقرأتْ لي بعض محاولاتها الشعرية وخواطرها النثرية، وكأنها كانت تودعني تلك الأعمال التي تدل على إنسانةٍ مرهفةِ الحس وكبيرةِ الانتماء لهذه الأرض. رحمكِ الله يا لولوة بنت محمد وتغمدكِ بواسع رحمته، وسيظل اسمُكِ هنا في وجدان الناس الطيبين الذين أحببت بالولوة فأحبوك، ووداعاً يا امرأة استثنائية. فلن أطيل الحديث وهو يحتاج الى صفحات وصفحات، فهي مجرد سطور يا سيدة الاستثناء أكتبها في لحظة وداعكِ تغادرين الى حيث مثواكِ الأخير عند ربكِ حيث الرحمة وجنان الخلد.
مشاركة :