بتاريخ الثالث من شهر أبريل من عام 2015، اقترعت الجمعية الوطنية الفرنسية لصالح تعديل قانوني يرمي إلى مكافحة النحافة المفرطة لعارضات الأزياء، ويقضي بمنع اللجوء إلى استخدام عارضات أزياء مغرقات في النحافة. كان ذلك في إطار البحث بمشروع عام وشامل لحماية الصحّة العامّة. وفي سياق ما بعد تبنّي القانون المعني، تلقّى النائب الفرنسي الذي اقترحه اتصالاً هاتفياً من والدة عارضة الأزياء السابقة فكتوار ماسون دوكسير، عرضت فيه أن تروي له قصّة ابنتها. ثم تلقّى من الابنة، عارضة الأزياء السابقة، رسالة أصبحت وثيقة في الملف الصحّي أمام مجلس الشيوخ. وتحت عنوان لستِ نحيفة ما يكفي، قدمّت عارضة الأزياء السابقة فكتوار ماسّون دوكسير قصّتها عن قوانين النحافة الصارمة النافذة في عالم عارضات الأزياء في هذا الكتاب، الذي تروي فيه يوميات عارضة أزياء، كما جاء في عنوانه الفرعي. لا شكّ أن قانون النحافة المفرطة ليس جديداً في عالم الموضة. لكن هذه هي إحدى المرّات النادرة التي تقوم فيها عارضة أزياء شهيرة بـ كسر الصمت والكشف عن الكيفية التي تدفع، باسم مطلب النحافة أكثر، إلى الوقوع دون وعي ذلك، في فخّ فقدان الشهيّة لتناول الطعام وتعريض الحياة للخطر. وتكرّس المؤلفة، العديد من صفحات هذا الكتاب، لشرح الآثار السيئة جداً، المترتبة على الاضطرابات الغذائية والعزوف عن الطعام بصورة شبه كاملة. إن المؤلفة، عارضة الأزياء السابقة الشهيرة، تتحدث عن قصّتها منذ بداياتها في عالم عارضات الأزياء، الذي تحلم به الفتيات، وعن كواليسه، بالكثير من التفاصيل التي عاشتها منذ ذلك اليوم الذي كانت تتسوّق فيه بباريس. كانت في السابعة عشرة من عمرها، وبصدد التحضير لتقديم امتحانات الثانوية العامّة. في ذلك اليوم رصدها أحد الباحثين الصيادين عن عارضات الأزياء. هكذا وجدت نفسها تدخل عالم الموضة كعارضة أزياء في أحد بيوت الأزياء الباريسية الشهيرة. كانت تزن يومها 56 كيلوغراماً لقامة تبلغ 178 سنتمتراً. اعتبروها ليست نحيفة ما يكفي حسب معايير عالم الأزياء الراقية الذي يعتبر النحافة شرطاً ملزماً للعارضات في إطار مجتمع يكرّس النحافة كأحد مقاييس الجمال. هكذا وجدت فكتوار نفسها ملزمة بفقدان 9 كيلوغرامات من وزنها. الأمر الذي تطلّب منها أن تتناول ثلاث تفاحات بالتحديد، كانت هي كل طعامها اليومي. تكتب: كنت أتناول ثلاث تفاحات، أو فواكه أخرى، في اليوم، وأشرب لتراً ونصف الليتر من السوائل الغازيّة، كي أتحاشى الإحساس بالجوع. هكذا فقدت الوعي في أحد الأيام. وتشرح أن الاضطرابات في السلوك الغذائي بعالم الموضة، هي أكثر شيوعاً بكثير مما يسود الاعتقاد. وفي غضون أسابيع قليلة ثمانية فقدت 9 كيلوغرامات، وأصبح وزنها 47 كيلوغراماً فقط. لكن ثمن ذلك كان الإصابة بـ ارتفاع ضغط الدم وتساقط الشعر، وأصبحت بمثابة هيكل عظمي لسيدة في السبعين من عمرها، كما تكتب. لكنها غدت بالمقابل، تستجيب تماماً للمقاييس المطلوبة من قبل سلطات عالم الأزياء للمساهمة بأشهر عروض الأزياء في العالم. وغدت عارضة شاركت بنجاح في عروض بباريس وميلانو ونيويورك وغيرها من المدن الكبرى. واحتلّت صورها صدر العديد من المجلاّت الكبرى التي ليس أقلّها شهرة مجلة فوغ. وتشير إلى أنها عملت مع كبار مصممي الأزياء العالميين، ووجدت نفسها في عداد عارضات الأزياء العشرين ــ التوب موديل ــ الأكثر طلباً عليهن في العالم. لكن كان للميدالية وجهها الآخر. ذلك أن فكتوار اكتشفت أنه خلف الحرير ومظاهر العروض الفخمة والإطار الظاهر ــ الديكور ــ يُطبّق نظام بعيد تماماً عن المعاملة الإنسانية. ذلك أن تلك الفتيات الصغيرات في السن، تتم معاملتهن غالبا كـ مجرّد أشياء. ولا تتردد في القول إن الدفع بها نحو قدر أكبر من النحافة، أصابها بمرض يطلقون عليه فقدان الشهيّة للطعام. وكانت النتيجة أنها بعد شهور من بداياتها الباهرة في عالم عرض الأزياء حاولت أن تضع حدّاً لحياتها عدّة مرّات. هكذا انتقلت من صالات العرض الكبرى إلى أروقة المستشفيات، كما تكتب. وتشرح المؤلفة، عارضة الأزياء السابقة، أنها نجحت في النهاية، بفضل ما أحاطته بها أسرتها من عناية وتعاطف، وما أبداه طبيبها من اهتمام وكفاءة في أن تخرج من الدوّامة الخطيرة التي وجدت نفسها فيها. كما خرجت نهائياً من عالم الموضة السرّي. وتشير إلى أن وزنها اليوم 64 كيلوغراماً، وتتمنّى أن تعمل في مجال الفن السينمائي أو المسرحي.
مشاركة :