يقضي الفلسطيني مدين حلس داخل ورشته الصغيرة قرب السياج الفاصل شرق مدينة غزة ساعات طويلة يوميا في إعادة تدوير عشرات إطارات المركبات التالفة وتحويلها إلى أدوات صديقة للبيئة. ونجح حلس (27 عاما) في إعادة تدوير آلاف الإطارات التالفة إلى مطاط مطحون يستخدم في الملاعب الصغيرة المعشبة صناعيا والاستثمار في بقايا الإطارات بالزراعة العضوية وإنتاج الأسلاك التي تستخدم في تصنيع الأدوات الكهربائية. ويقول حلس بينما يرتدي القفازات في يديه ويمسك بإطار تالف قبل طحنه داخل ماكينة خاصة إن الفكرة جاء بها قبل عامين عندما شاهد بعض الشبان يحرقون إطارات المركبات عند السياج الفاصل مع إسرائيل أثناء احتجاجات سابقة. ويضيف حلس الذي بدا مقتنعا بما يقوم به من عمل من شأنه الحفاظ على البيئة والتقليل من حجم النفايات لوكالة أنباء ((شينخوا)) "لقد صدمت من العدد الكبير من الإطارات التي كان يتم حرقها خلال الاحتجاجات (..) وسألت نفسي من أين يأتي الشباب بهذا الكم الكبير من الإطارات التالفة". علاوة على ذلك، يشرح الشاب أن "حرق إطارات المركبات يعني أن هواءنا سيكون ملوثا، مما سيؤثر سلبا على صحتنا". ونتيجة لذلك، قرر الشاب الذي تخرج في تخصص الجيولوجيا من إحدى جامعات غزة عام 2016، البحث أكثر عن كمية إطارات السيارات التالفة وما إذا كانت طريقة التخلص منها آمنة. وبعد بضعة أشهر من البحث المتعمق، وجد حلس أن 10 بالمائة فقط من الإطارات التالفة يمكن إعادة تدويرها في مقاعد الحدائق العامة وبعض ألعاب الأطفال، وعادة ما يتم حرق أو دفن 90 بالمائة، مما يؤثر سلبا على البيئة. وفي الواقع، وفقا لحلس، ينتج عن حرق الإطارات التالفة سحب سوداء ودخان سام، فيما لا يمنع دفنها في التربة الانبعاثات الضارة منها، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في كارثة تؤثر على السكان كافة ونشر الأمراض السرطانية القاتلة. وفي محاولة للتخلص من إطارات المركبات التالفة دون الإضرار بالبيئة، قرر الشاب أخذ زمام المبادرة بنفسه وإعادة تدويرها إلى أدوات مفيدة. ومع ذلك، لم تكن مهمته سهلة لأنه لم يكن لديه أي آلات من شأنها أن تساعده في إعادة تدوير الطبقات، ولا المال. ويستذكر حلس "في ذلك الوقت، شعرت أن حلمي في تحقيق هدفي المتمثل في التمتع ببيئة صحية قد تلاشى". ومع ذلك، تمسك بهدفه وقرر تصنيع آلة طحن في مصنع محلي أولا ثم البدء بمشروعه الخاص، ليس فقط لحماية بيئته فقط ولكن أيضا لكسب بعض المال الذي من شأنه أن يساعده في التغلب على البطالة والحفاظ على عائلته المكونة من تسعة أفراد. ويأمل حلس أن تتحول فكرته من مشروع بسيط إلى مشروع كبير يعالج جميع إطارات السيارات التالفة ليس فقط في القطاع الساحلي ولكن أيضا في كافة الأراضي الفلسطينية من أجل الحد من آثار التلوث. كما يطمح الشاب العشريني إلى أن تكون فكرته نواة لمشروع وطني كبير يقوم على نشر فكرة "صفر نفايات" من خلال إعادة تدوير جميع النفايات في القطاع المحاصر. وقوبل ما يقوم به حلس بإشادة من قبل خبراء بيئة في القطاع الساحلي الذي يقطنه أكثر من مليوني نسمة. ويقول الخبير البيئي عبد الفتاح عبد ربه لـ ((شينخوا))، إن "مشروع إعادة تدوير الإطارات للسيارات التالفة هو الأول من نوعه في الأراضي الفلسطينية ويهدف للاستفادة من النفايات بطريقة سليمة بيئيا". ويرى عبد ربه أن المبادرات الشبابية أصبحت ضرورة ملحة في القطاع الذي يشهد بيئة هشة وضعيفة واكتظاظا بشريا كبيرا مقارنة مع المساحة، بما في ذلك المبادرات التي تسهم في الحد من التلوث البيئي. ويضيف أن القطاع يشهد ضغطا كبيرا في المركبات، وبالتالي هناك كميات كبيرة من الإطارات التالفة وإعادة تدويرها لصالح البيئة والمجتمع يعتبر شيئا جميلا وحضاريا ويقلل من حجم النفايات ويقلل من مخاطر حرقها. ودعا عبد ربه المبادرين الشباب إلى تكثيف مبادراتهم التي تعمل على التخلص من النفايات والحفاظ على البيئة في القطاع الذي يقطنه نحو 2.3 مليون نسمة
مشاركة :