في رثاء الطبيب الإنسان طريف خضر علاء الدين

  • 8/3/2023
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الكتابة عن مثله شاقة عسيرة، ليس لأنني لا أجد الكلام الذي أعبّر به عن مدى حبي له وعرفاني بفضله، بل لأنني لا أجد الكلام المناسب الذي يليق بحق قامة مثله، ويرتقي إلى ما كانت عليه أخلاقه وشمائله التي ارتوينا من نهرها الفياض دون مَنٍّ منه أو أذى، ودون أن يطلب جزاء أو شكوراً، تلك الأخلاقيات التي علّمنا إياها بالنموذج والقدوة قبل النظرية واللسان، إنه هذا الرجل العذب الذي كان كالغيث أينما حلّ نفع، ذلك الذي كتب الله له العلاء في الدنيا، وندعوه تعالى أن يجعله من أصحاب الدرجات العلا في الآخرة نظير ما قدّم وعلم وأخلص واجتهد... الراحل الدكتور طريف خضر علاء الدين. كم هو مُر ومُضنٍ أن أكتب عن أستاذي وأخي وصديقي وقدوتي وزميلي الدكتور طريف بأفعال ماضية تتّشح بسواد الحزن، لأقول إنه كان وكان، بعدما كان المستقبل دائماً ديدنه وغايته، والعمل إلى آخر العمر دأبه وشاغله، وغرس بذور الأمل في النفوس عمله، بعدما كان تخفيف آلام المرضى ورسم البسمة على وجوههم المَعين التي يستمد منه ماء حياته ووقود همّته وقوته... ها هو قد أسلم روحه الطاهرة إلى بارئها لتطوى برحيله الثلاثاء الماضي صفحة ناصعة لرجل ندر مثيل إنسانيته في مهنة الإنسانية الأولى... الطب. أفنى الفقيد، رحمة الله عليه، جلّ عمره هنا في الكويت التي اتخذها موطنه منذ أن التحق بوزارة الصحة الكويتية قادماً من لبنان الشقيق بتاريخ 1976/4/27، ليبدأ رحلة زاخرة بالعطاءات عامرة بالمجهودات خصبة بالتضحيات، انطلقت من قسم الجراحة بالمستشفى الأميري، ومنها إلى قسم جراحة المسالك البولية، الذي كان أحد مؤسسيه، مقدماً دروساً عدة في العطاء عبر العمل الجاد والسعي الحثيث، مع نقل خبراته إلى الكثير والكثير من الأطباء في هذا التخصص الذي كان لا يزال حينئذ غضّاً في مهده. بدأت علاقتي بأستاذي الدكتور طريف منذ أن قدّمت من كندا بعدما أنهيت دراسة الطب في تخصص المسالك البولية عام 2004، وما إن تعرّفت إليه حتى كان من أوائل من صادفتني بشاشته وغمرني علمه وأسبغ عليّ من معين خبرته وحكمته، لأنهل ما شاء الله لي أن أنهل، حتى اندمجت تماما في وحدة المسالك البولية، وبدأت مسيرتي المهنية على خير صورة وكأنني لم أبرح الكويت الحبيبة التي مكثت خارجها خمسة عشر عاماً لتلقّي تعليمي الطبي. رحمك الله يا دكتور طريف، ومن كان مثلك فإنّ جسده فقط هو الذي يفارق دنيانا، أما علمك وذِكرك وأثرك الملهم في نفوس كل من عرفتهم فمنارات تظل باقية حاضرة ناضرة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها... رحمك الله وأسبغ عليك من فيض رحمته، وجعل مستقرك في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، وألهمنا وكل محبيك الصبر والسلوان... «إنا لله وإنا إليه راجعون».

مشاركة :