تأثير الكتاب لا علاقة له بما يثار حوله من ضجيج

  • 3/5/2016
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

عرفت الروائية ليلى الأطرش بآرائها الصريحة الصادقة في مواجهة العديد من التابوهات والمنظومات ذات القيمة الإشكالية، عبر أسلوبها السردي الشفاف المميز تناولت من خلال رواياتها وقصصها القصيرة أهم القضايا الإنسانية والاجتماعية وتبنت بشكل واضح معاناة المرأة العربية حيث أختارها تقرير التنمية الإنسانية العربية الرابع عن نهوض المرأة ضمن الكاتبات ممن تركن أثرا واضحا في المجتمع كما اختارتها مجلة سيدتي الصادرة بالإنجليزية عام 2008 م كواحدة من أنجح 60 امرأة في العالم العربي، ترجمت بعض رواياتها وقصصها ومقالاتها إلى تسع لغات أجنبية، كما قرر بعضها في جامعات اردنية وعربية وأميركية وتناولتها الرسائل الجامعية، تقول مؤلفة رواية « امرأة الفصول الخمسة « في مكاشفاتها لنا «في مراهقتي علقت صورة إحسان عبدالقدوس في خزانة ملابسي وقرأته كتبه وشاهدت كل ما تحول من رواياته إلى أفلام، والذي يضحكني كلما تذكرتها ان الصحف أنذاك كتبت أن الفتيات تقلبن ساهرات وجافى النوم عيونهن بعد قراءة روايته الشهيرة « لا أنام « وكذلك بعد مشاهدة الفلم المأخوذ عنها بطولة فاتن حمامة، فتصورت أن بي خطأ ما فكل ما أوردته الصحف عن الفتيات لم يحصل معي مع أنني أشدهن إعجابا به»، تضيف بعدها مؤلفة « مرافئ الوهم « أدركت أن تأثير الكتاب لا علاقة له بما يثار حوله من ضجيج، اختيرت روايتها الاخيرة ترانيم الغواية ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربي لعام 2016 م فإلى الحوار: * ما الكتاب الذي أحدث تأثيرا فيك بعد قراءته. وما نوع التأثير؟ - لكل مرحلة من العمر كتابها المؤثر.. حسب وعيها واستيعابها لما تقرأ.. وما زال أي كتاب جيد، أو بحث رصين يحمل جديدا يترك أثره في الوجدان والعقل. بالتأكيد الأكثر رسوخا في النفس والذاكرة هو الكتاب الذي أتممت قراءته لأول مرة.. كان رواية « فتاة غسّان» من بين كتب والدي رحمه الله، وكان مولعا بالقراءة، وخاصة الروايات التاريخية والعالمية المترجمة.. ويمتلك سلسلة روايات «جورجي زيدان» وهو المؤسس الأول للرواية التاريخية العربية، والتي أعادت كتابة بعض الأحداث التاريخية المؤثرة روائيا. وربما كان التحدي الذي دفعني لقراءة الرواية أساس تأثيرها الأكبر عليّ. كنت على أعتاب الثامنة من عمري حين سألتني شقيقتي الأكبر بخبث واستعلاء إن كنت أعرف معنى «جِيد» وعن كلمات عربية أخرى لا أذكرها وعجزت طبعا أن أعرف أن الجِيد هو العنق. ثم أخبرتني أنها وردت في الرواية، وتعرف كثيرا من قراءتها للروايات، بينما أنا لا أفعل شيئا سوى اللعب، فقرأت الرواية خلسة.. كلها، وبالتأكيد لم أفهم كثيرا من معانيها ولغتها، لكن الحادثة تركت أثرها الكبير علي، فقد علمتني أن الكتب إثراء للمعرفة، فلم أترك الكتاب بعد ذلك، وأدركت أن علي إكمال ما أبدأ في قراءته، والصبر لأفهم ما يريده الكاتب. ثم توالت الكتب المؤثرة مع العمر والانكشاف على الحياة بالعلم والتجارب والسفر. وصار لكل مرحلة كتّابها أو كتابها المؤثر. وفي مراهقتي علّقت صورة إحسان عبد القدوس في خزانة ملابسي، وقرأت كتبه.. وشاهدت كل ما تحول من رواياته إلى أفلام.. ومن المفارقة التي تضحكني كلما ذكرتها أن الصحف المصرية كتبت أن الفتيات تقلبن ساهرات وجافى النوم عيونهن بعد قراءة روايته الشهيرة « لا أنام» وكذلك بعد مشاهدة الفيلم المأخوذ عنها من بطولة فاتن حمامة، فتصورت أن بي خطأ ما، فقد قرأت الرواية ونمت كعادتي مبكرة.. ثم جاهدت بعد مشاهدة الفيلم لكي أقاوم سلطان النوم فأسهد مثل الأخريات وأنا أشدهن إعجابا به.. فغلبني النوم بعد العودة من دار السينما وبمجرد ملامسة رأسي للوسادة. ربما يومها أدركت أن تأثير الكتاب علي لا علاقة له بما يثار حوله من ضجيج. ثم بدأت مرحلة الإعجاب بنجيب محفوظ، ولعل روايته «بداية ونهاية» وتصويره لدوافع ومشاعر سقوط البطلة «سنيّة» في الرذيلة من أقوى المشاهد التي جسّدها محفوظ. أما أثناء الدراسة في الجامعة فتأثرت بكتاب «الفتنة الكبرى» و» في الشعر الجاهلي» للدكتور طه حسين والمنهج العلمي وأسلوب الاستقصاء في البحث سواء وافقت الكاتب في طرحه أو خالفته، فهذا لا يقلل من قيمة ما اجتهد فيه. وقد تأثرت كثيرا بأسلوب البحث والتقصي في كليهما، مع التركيز على ارتباط التاريخ بعلم النفس والتحولات السياسية والاجتماعية.. ومثلهما كتاب «نساء الرسول» للدكتورة عائشة عبد الرحمن. ولعل من الكتب المؤثرة في النفس أيضا، في فترة الشباب الأول. كتاب «قوة الأسطورة» لكامبل.. وروايات «الأم». و»الحرب والسلام»، وقصة مدينتين. وكتب جبران والمنفلوطي، ويوسف السباعي. الآن أقرأ في التاريخ وعلم النفس والاجتماع والسير الذاتية والكتب السياسية والنقد الأدبي.. وتعجبني الروايات والكتب الجميلة، وأحرص على الاطلاع على الجديد منها قدر الإمكان. وهناك كتب كثيرة مذهلة. تعجبني إيزابيل اللندي، وهي تفتح ملف بلادها «التشيلي» التاريخي والسياسي والاجتماعي. في روايتها المترجمة» ابنة الحظ»، كتبت بإبداع روائي ساحر، حياة أهل التشيلي الطبقية، وعاداتهم ووصفت بيوتهم قبل أن تنقل صورة واضحة « لحمّى البحث عن الذهب في ولاية كاليفورنيا، وصراع المنقبين ونمط الحياة، والهجرة إلى تلك المنطقة قبل أن تنضم إلى الولايات المتحدة، رواية واحدة تغنيك عن عشرات كتب التاريخ الموثّق، وبأسلوب روائي مشوّق.. ومثلها إليف شافاك التركية. لكن تأثير الكتب والروايات الآن يتوقف عند حدود الإعجاب، لأنني أحاول أن يكون لي أسلوبي وفكري الخاص. * لو رجع بك الزمن ما الكتاب الذي تود أنك قرأته في وقت مبكر ولماذا؟ أكثر من كتاب كانت بالتأكيد ستجعلني أرى العالم كما أراه الآن ولكن في سن مبكرة، أهمها: قصة الديانات، لسليمان مظهر والصادر عن دار مدبولي في مصر، لأنه يرسخ مفهوم احترام الآخر ومعتقده مهما كان، وقبول الاختلاف، فيتناول عقائد مصر والشرق القديم، وعقائد ما بين النهرين، ثم البوذية والجانتية والهندوسية، والكونفوشيوية، والداوية والشنتو، والزرادشتية واليهودية والمسيحية ثم يختتم بالإسلام وبنفس الأهمية كتاب «الأسفار المكية» لابن عربي، فبالإضافة إلى روحانية أفكاره وسموّه وجمال معانيه، هو ثروة لا تنضب من الخيال والتعبير الرائع. * هل ترين أن القراءة محرك أو دافع للتغيير في وقتنا الحاضر؟ - نعم، إذا استطعنا أن نعيد للقراءة دورها لتترك أثرها عند الأجيال القادمة، وهو دور منوط بالمدرسة والأسرة والدولة، في المدرسة تعويد الطلاب على القراءة والاستيعاب وتحليل ومناقشة ما يقرؤون، وأن يرتبط هذا المجهود بدرجات التحصيل العلمية ليكتسب أهميته، ولن يكتمل الهدف إلا بمساندة الأسرة باحترامها للكتاب وحرصها على اقتنائه، وهنا يأتي دور الدولة في توفير الكتب الجيدة لمختلف الأعمار، وفي شتى المجالات بأسعار زهيدة، ودعم مثل هذه المشروعات ماليا عن طريق وزارات الثقافة، وإقامة مهرجانات للقراءة، وهناك تجارب نجحت في مصر والأردن تحت شعار مكتبة الأسرة، ومكتبة الطفل المتنقلة بالتعاون مع المؤسسات الثقافية الخاصة. * ما سمات الكتاب الذي يلزمك قراءته كاملا؟ - أحاول أن أكمل أي كتاب أبدأ قراءته إلا في حالات نادرة حين يكون الأسلوب مما لا تحتمل ركاكته أو سطحية أفكاره.. وقلما يحدث هذا الآن، إلا إذا وصلني كتاب من هذا النوع من صاحبه.. فمع الخبرة والمراس أصبحت أكثر قدرة على انتقاء الكتب حتى وإن كنت أقرأ لصاحبها للمرة الأولى. وبالتأكيد هناك كتب لا تستطيع تركها بمجرد البدء فيها، يشدك أسلوبها، وفنية تناولها وتخييلها اللافت وعمق ما تطرح.. ينطبق هذا على الأدب كما الترجمات التي كثيرا ما تكون في غير صالح الكتاب الأصلي، الذي إن قرأته بلغته الأم تعجب من إساءة الترجمة التجارية لمؤلفه الأصلي.

مشاركة :