آحاد من المتفلسفين والمتعمقين في النفس البشرية، والغارقين في سبر أغوارها، من أصحاب التحليق في فضاء الحب الإلهي، والعشق البشري، يرون أن الطريق للوصول إلى النقاء المطلق، الخالي من أي تأثير، أو الالتفات إلى أي تدبير يصرف المرء عن الصفاء الروحي الجالب للسعادة، وحسن الخاتمة، يمر بأطوار سبعة متتابعة، تنقل الإنسان من طور إلى أعلى حتى يصل إلى النقاء، وهو في طريقه هذا تكتنفه عثرات، وتواجهه عقبات، إذا ما استطاع تجاوزها نال مبتغاه، وإلا فإنه سوف يعود أدراجه، أو يبقى في الطور الذي وصل إليه. الطور الأول يسمونه طور النفس الأمارة، ولم يصفوها بالسوء، بل تركوا الباب موارباً، وهم يرونه طوراً يكون فيه الإنسان بدائيا، وذلك بالانصراف إلى الانشغال بالأمور الدنيوية، والسعي وراءها بكل ما أوتي من قوة عقلية وجسدية، ويصاحب ذلك الكثير من الشقاء والعناء، وهم في هذا الطور منهمكون في مطامحهم الدنيوية، ولا يضعون للروح مكانا في تفكيرهم، وهم يحملون الآخرين أسباب شقائهم، متجاهلين ما منحهم الله من فرصة الرقي إلى طور أعلى من خلال الروح، والبعض منهم عندما يرى ما هو فيه من شقاء، يجاهد نفسه للإرتقاء إلى الطور الثاني، وهو طور النفس الدوامة، والذي يبدأ فيه بالنظر إلى داخله، فينتقل من لوم الآخرين إلى لوم نفسه، ويبدأ بالتعرف على ما بداخله، ويصارع نفسه بالإنتقال إلى محو الذات، والنظر بايجابية إلى الروح. الطور الثالث، يسمى طور النفس الملهمة، وفي هذا الطور يزداد المرء نضجاً، ويعرف معنى الخضوع لله، ويبدأ بالطواف في ميدان المعارف الإلهية، ولا يدرك ذلك إلا البعض المتصف بالصبر، والمثابرة، والحكمة، والتواضع، وفي هذا الطور يبدو العالم لديه جميلاً، وملهماً، ولهذا فهو يريد البقاء فيه، لما يجد من متعة روحية، وراحة بال، وقد يثنيه ذلك عن التطلع إلى الطور الأعلى إلا من تحلى بالشجاعة، والطموح الروحي للارتقاء. الطور الرابع، هو النفس المطمئنه، وفيها يبلغ المرء وادي الحكمة، وفيه يخرج إلى ما هو أعلى من الوعي، وفي هذا الوادي يشعر المرء بالرضا، بكل ما هو فيه، وما يعتريه، وفيه يتحلى المرء بالكرم، والتسامح، ويحلق في عالم التسليم بالقضاء والقدر. الطور الخامس، هو النفس المرضية، وفيه يبث المرء الطاقة الإيجابية في من حوله، فيؤثر فيهم، ويظهر كمرشد أو أستاذ مؤثر، يستلهم منه الناس الطريق الأمثل للخلاص من الأزمات، والمشاكل النفسية الناجمة من حب الدنيا واللهث وراءها دون التفات إلى الروح، وقد يشفى على يد من بلغ هذا الطور، بعضاً ممن ينشد الخلاص من تلك المشاكل التى لا يرى للخلاص منها باباً، فإذا به يجد أن باب الرضى والتسليم والنظر إلى الروح والإخلاص في محبة الله، تجعل روحه تنطلق إلى عالم آخر مفعم بالسعادة، فينسى تلك الآلام التي كانت تؤرقه. الطور السادس النفس الراضية، وهو الاستسلام المطلق لما كتب الله وقدر، وعدم التفكير في أي أمر آخر، وفيه لم يعد يتأثر المرء بما حوله من منغصات، بل تمر عليه مر السحاب، وكأنه لم يرها، أو يسمع بها، يسير في درب السعادة، ولا ينظر إلى الوراء، يرى كل شيء حوله جميل، لأن قلبه أصبع عامر بالإيمان المطلق، والتقى هو جزء من هذا الطور، يقول الإمام الشافعي: وَلَستُ أَرى السَعادَةَ جَمعَ مالٍ وَلَكِنَّ التَقيَّ هُوَ السَعيدُ وأقول عن الصراعات حول الدنيا: واحسبها تزيد العمر طولاً ولكن قصرت عمراً طويلا وما أحسب المشرئب بعنقه إلى الدنيا، طالباً السعادة إلا كمن يشيم خلباً، أو يستمطر جهاماً، أو يكدم في غير مكدم. الطور السابع، وفي هذا الطور يبلغ الإنسان النفس النقيه، وفيه يكون المرء قد بلغ الذروة، وأصبح إنساناً كاملاً نقياً، ولا أحد يعرف الكثير عن هذا الطور، لأن من يبلغونه، وهم قليل، لا يتكلمون عنه، ولا عن شعورهم، وهم قد بلغو، لكنهم يعيشون في عالم آخر من الصفاء والنقاء، فلا حسد، ولا حقد، ولا غدر، ولا تنافس، ولا غيرة، روح أدركت غاية السعادة، لا هم لها إلا حب الله، وحب الآخرين الذي يغمر القلب، ويرتفع بالروح إلى درجات تفوق ما اعتاد عليه البشر من صراعات، وآلام، وحتى الألم الجسدي الذي قد يصيب الإنسان الذي بلغ هذا الطور، لا يحس به، لأنه يعيش في عالم آخر، تكون الروح فيه مسيطرة، ولهذا فجسده لا ينقل ألمه إلى روحه، لأنها وان كانت في الجسد، تعيش في عالم آخر، بعيد عنه، عامر بالحب لا سواه، ولكن هذا النقاء في هذا الطور لا يمكن تحقيقه إلا بمجاهدة دائمة عبر الأطوار المتتابعة، والعثرات المتلاحقة، حتى الوصول إلى النهاية، ومعها لا عودة لأي طور، وإنما سباحة في بحور الحب.
مشاركة :