بعض الأحداث يصعب على طاحونة الزمن، وتستحيل إحالته الى كتب التاريخ. ثلاثة أعوام على جريمة تفجير مرفأ بيروت في 4 آب، كأنها أمس. ذاك الحريق المشبوه والانفجار شبه النووي وصوت الطائرة أو الصاروخ الموحي بعدوان، كانت مقدمة لحظات خاطفة قبل العرض الفعلي: دماء ومصابون يملأون الطرقات تائهين بحثاً عن مستشفيات، لتبدأ إثرها نكبة آلاف العائلات بأحبائها وممتلكاتها وبجروح لا تلتئم، وتترافق معها أصعب معركة يخوضها شعب أعزل لتحقيق العدالة واستعادة الدولة في آن. لن يطوي النسيان جريمة النيترات، ولن تُقيَّد ضد مجهول وتلفّها الشكوك وتُنسج حولها روايات المؤامرات. الجريمة واضحة وأبطالها معروفون ومتهمون بالإهمال والتسبب بالقتل. صحيح أنّ ضعف الدولة، وسيطرة قوى الأمر الواقع، ورضوخ القائمين على المؤسسات الأمنية والقضائية، وتواطؤ بعضهم، تمنع تحقيق العدالة، لكن ذلك لن يُخرج هؤلاء من دائرة الاتهام «ولو جفَّ البحر»، وسيبقى السلوك إزاء التعامل مع الجريمة منبّهاً للجيل الحالي وللأجيال المقبلة الى وجوب بناء دولة القانون والخروج من دولة التسويات، والى ضرورة عقد الخناصر مع المتشابهين بالإيمان بثقافة الحياة وبالشرعة الدولية لحقوق الانسان. مؤلم عجز المجتمع اللبناني عن محاسبة المتسببين بجريمة العصر. نراهم متربعين على عروشهم يملأون الشاشات بالترهات ويمارسون السلطة بوقاحة من استمرأ الفاحشات وأمِن العقوبة وأطمأن الى «الإفلات من العقاب». وأكثر ايلاماً أن نرى المجتمع الدولي يطبِّع علاقاته معهم ويسعى الى صفقات مشينة تكرّس هيمنتهم على البلاد. وفي المقابل، مثير للاعتزاز صمود القاضي طارق البيطار رغم الانقلاب القضائي عليه، مثلما نرفع الرأس بأهالي الضحايا المتشبثين بحقهم، ونشدُّ على يدّ الساعين الى لجنة تقصّي حقائق دولية تبقي التحقيق حياً في ضمير العالم بعدما مات في ضمير قضاء لبنان. لن نيأس. علَّمنا 4 آب أنّ تفجير النيترات وسرقة المدخرات وهدر المال العام وفقدان الدولة سيادتها، حلقات في سلسلة، ونتاج منظومة واحدة، المعركة معها طويلة، وقودُها الحق والصبر والإصرار، ولا تقبل الإنقسام.
مشاركة :