كشفت بيانات الموازنة العامة للربع الثاني من 2023 عن مؤشرات إيجابية تبرز جهود الحكومة في التخطيط المالي طويل الأجل والسيطرة على المتغيرات الاقتصادية التي تعكس الوضع العالمي. ارتفعت الإيرادات غير النفطية 13 في المائة لتبلغ 135.1 مليار ريال مقارنة بـ120 مليار في الربع الثاني من 2022، أي بزيادة 15 مليار ريال، وهو مؤشر إيجابي يدل على نجاح الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية في تنويع مصادر الدخل بعيدا عن الاعتماد شبه الكلي على عائدات النفط وفي الوقت نفسه يدعم المالية العامة على المدى الطويل، وقد ينعكس هذا الأمر الإيجابي على قطاع الأسرة حيث ترتفع معه القدرة الشرائية، كما أنه يسهم في تحسن قطاع الأعمال من خلال توفير بيئة أعمال أكثر استقرارا وقابلة للتنبؤ لدى الاقتصاديين والمهتمين بالاستثمار في السعودية من الخارج، أي بسبب السياسات التخطيطية طويلة الأمد وخطط الحكومة المعلنة. أما بالنسبة للإنفاق الحكومي، فقد شهد ارتفاعا بنسبة 9 في المائة، أي بزيادة 27.6 مليار ريال عن الفترة المماثلة من العام الماضي، مدفوعا بالزيادة في الإنفاق التشغيلي والرأسمالي، ما يعكس حرص الحكومة على الاستمرار في تمويل المشاريع التنموية الكبرى وتعزيز البنى التحتية، بدوره ينعكس إيجابا على تعزيز النمو الاقتصادي وإيجاد فرص العمل، كما ارتفعت مخصصات الإنفاق الاجتماعي بنسبة 33 في المائة لتصل إلى 39 مليار ريال، ما يسهم في تعزيز الحماية الاجتماعية والإنفاق الاستهلاكي. أما التحدي الأبرز فتمثل في تسجيل عجز مالي بلغ 5.3 مليار ريال بسبب تراجع إيرادات النفط التي شكلت انخفاضا بنسبة 15 في المائة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، في حين لا يشكل هذا العجز مصدر قلق حقيقي على المدى القريب، نظرا لتوافر احتياطيات مالية كبيرة حيث بلغ رصيد الاحتياطي العام للدولة 410 مليارات ريال، وألفت النظر إلى أن الدين العام يعد منخفضا ومستداما مقارنة بـمجموعة العشرين. من الواضح أن صناع السياسات الاقتصادية يتبعون سياسات اقتصادية مرنة تساعدهم على تجاوز التحديات والمحافظة على مسار النمو الاقتصادي المستدام للمملكة، إضافة إلى مواصلتهم دفع عجلة النمو من خلال تشجيع الاستثمار الخاص في المشاريع التنموية وتقديم التسهيلات اللازمة من خلال الصناديق التنموية المتخصصة بشروط أفضل من أسعار الفائدة حاليا، التي بلغت فيها جميع الآجال "للسايبور" فوق 6 في المائة وتظل انعكاسا طبيعيا ومتوقعا بعد قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي رفع سعر الفائدة، بمعنى آخر: إن امتصاص السيولة له تعويض -ربما نسبي- من الصناديق التنموية التي تستهدف النمو المستدام طويل الأجل للاقتصاد. وفي المحصلة، الاقتصاد السعودي على المسار الصحيح رغم التحديات، بفضل المؤشرات الإيجابية الداعمة لاستمرار النمو وتحقيق أهداف رؤية 2030، وفي ظل المركز المالي القوي يتوقع أن تستمر الحكومة في سياساتها المالية الحالية لتمويل البرامج والمشاريع التنموية.
مشاركة :