في الوقت الذي تقترب فيه سوق النفط الخام من تحقيق أمنية توافق المنتجين واستقرار السوق في أعقاب الاجتماع المرتقب لـ 15 منتجا من "أوبك" وخارجها لبحث تجميد الإنتاج، تتطلع السوق إلى أنباء إيجابية أخرى في منظومة الطلب العالمي تتكامل مع تجميد الإنتاج وتدفع باتجاه توازن السوق واستعادة مستويات مناسبة من الأسعار بشكل دائم ومستقر. ورغم أن الصين - وهي المكون الرئيسي في منظومة الطلب وثاني أكبر مستهلك على مستوى العالم – ما زالت تكافح ضد التباطؤ الاقتصادي وانكماش التجارة الخارجية والصناعات التحويلية إلا أن الآمال تتعلق أكثر بمارد جديد وواعد في منظومة الطلب يمكن أن يحقق الكثير في الفترة الحالية والسنوات المقبلة لدعم أسعار النفط. وفي هذا الإطار، أكدت "أوبك" أن المنظمة ترتبط بعلاقات تعاون واسعة ومتنامية مع الهند باعتبارها من أبرز الأسواق المستوردة لنفط "أوبك" مشيرة إلى أن دور المنظمة كمورد للطاقة سينمو على نحو واسع في المستقبل نظرا لما تتسم به الهند حاليا من زيادة مستمرة في النشاط الاقتصادي ووجود جهود متواصلة تسعى إلى تحسين مستويات المعيشة وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى زيادة استهلاك الطاقة. وقال تقرير "أوبك" إن العلاقة المتنامية بين الهند ودول المنظمة ستتواصل على نحو واسع في السنوات المقبلة مشيرا إلى نمو التجارة بين الهند و"أوبك" بين عامي 2000 و2014 على نحو كبير حيث ارتفعت الواردات الهندية من المنظمة من أربعة مليارات دولار إلى نحو 155 مليار دولار، وفي المقابل ارتفعت واردات المنظمة من نيودلهي من أربعة مليارات دولار إلى 70 مليار دولار. وفيما يخص واردات الهند من النفط الخام، أشار التقرير إلى أنها ارتفعت من 1.5 مليون برميل يوميا عام 2000 إلى 3.8 مليون برميل يوميا في 2014، منها ثلاثة ملايين برميل يوميا تأتي من دول "أوبك". وبالنسبة لآفاق المستقبل، لفت التقرير إلى توقعات بنمو كبير في الطلب على الخام في الهند بحلول 2040، مشيرا إلى أن الطلب في البلد الآسيوي سينمو بنسبة 150 في المائة خلال تلك الفترة حيث سيرتفع الطلب من أقل من أربعة ملايين برميل يوميا في الوقت الراهن إلى 9.6 مليون برميل يوميا حتى 2040. وأوضح التقرير أن حصة الهند من الطلب العالمي الإجمالي على النفط سترتفع من 4 في المائة حاليا إلى 9 في المائة بحلول 2040، مضيفا أن الهند ثاني أكبر دول العالم من حيث تعداد السكان بنحو 1.25 مليار نسمة – وفق تقديرات الأمم المتحدة – منهم نحو 350 مليون نسمة من الشباب بين سني 10 و24 عاما، من المتوقع أن تتفوق على الصين في تعداد السكان قبل نحو منتصف العقد المقبل وتحديدا في 2025. وأشار التقرير إلى أن "أوبك" تدرك أن المستقبل للهند وأنها ستصبح اللاعب الرئيسي والمستهلك الأول للنفط الخام وموارد الطاقة الأخرى على مستوى العالم في المستقبل خاصة أن الاقتصاد الهندي سينمو بمعدل سنوي قدره 6.6 في المائة في المتوسط حتى عام 2040. وتوقع التقرير أن ينمو الطلب الدولي على الطاقة الأولية 47 في المائة لتصل إلى 399 مليون برميل يوميا من النفط المكافئ بحلول 2040، مشيرا إلى أن جزءا كبيرا من هذا النمو سيكون مركزا في دول العالم النامي التي تتسارع فيها معدلات التنمية. وشدد تقرير "أوبك" على أن الوقود الأحفوري سيظل هو الوقود المسيطر على مزيج الطاقة في العالم بحصة تتجاوز نسبتها 78 في المائة بحلول 2040، وفيما يخص الطلب على النفط على المدى الطويل، تتوقع "أوبك" زيادة الطلب بشكل جيد ومطرد، حيث تشير التقديرات إلى نمو الطلب بأكثر من 18 مليون برميل يوميا بين عامي 2014 و2040 ليصل إلى 1.809 مليون برميل يوميا في نهاية تلك الفترة. وأوضح التقرير أن قطاع النقل البري جنبا إلى جنب مع صناعات البتروكيماويات والنقل الجوي سيمثلون النسبة الكبرى والسبب الرئيسي لزيادة نمو الطلب على النفط الخام في السنوات المقبلة. ويرى التقرير أن إنتاج النفط من خارج دول "أوبك" السوائل زاد من 5.56 مليون برميل يوميا إلى 6.20 مليون برميل في الفترة بين عامي 2014 و2020، ولكن هذا المعروض سيتراجع إلى 5.79 مليون برميل بحلول 2040. وبحسب التقرير فإنه من المتوقع أن ترتفع حصة نفط "أوبك" في إجمالي إمدادات السوائل النفطية حول العالم لتصل إلى 37 في المائة بحلول 2040 مقارنة بالمستويات الحالية التي تراوح نحو 33 في المائة. وعقدت "أوبك" أخيرا أول حوار ناجح مع الهند في إطار سلسلة من برامج الحوار الناجحة والفعالة التي تربط "أوبك" مع كيانات دولية فاعلة في السوق وفي مقدمتها روسيا والصين والاتحاد الأوروبي ووكالة الطاقة الدولية وغيرها. وشدد التقرير على أن هذا النوع من التفاعل يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الثقة والتعاون بين منظمة أوبك بكل أعضائها وبين الهند التي تتعلق بها الآمال لقيادة سوق الطاقة في المستقبل القريب لتكون أبرز وأهم دول الاستهلاك. واعتبر التقرير أن الحوار المستمر واللقاءات الفاعلة بين الهند والمنظمة ستساعد كثيرا على فهم أفضل لمصالح واهتمامات كل طرف ومن ثم يمكن تطوير علاقة عمل أفضل وبلورة أفكار جديدة لتنشيط التعاون الايجابي وترجمته إلى إجراءات ملموسة تعود بالفائدة على الجميع وتقود الاقتصادات إلى النمو والرخاء وتحقيق تطلعات المواطنين. وعلى صعيد الأسعار، فقد شهد ختام تعاملات الأسبوع المنصرم صعود أسعار النفط الخام في العقود الآجلة مجددا إذ ارتفعت 4 في المائة عند التسوية بعد توقف ليوم واحد مدعومة بارتفاع عدد الوظائف الأمريكية وعمليات شراء فنية بعد اختراق الأسعار مستويات مقاومة. وبحسب "رويترز"، فقد ارتفع سعر خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود الآجلة 1.65 دولار أو 4.5 في المائة إلى 38.72 دولار للبرميل عند التسوية، وزاد سعر الخام الأمريكي في العقود الآجلة 1.35 دولار أو 3.9 في المائة عند التسوية أيضا إلى 35.92 دولار للبرميل. وصعد كل من الخامين القياسيين نحو 10 في المائة خلال الأسبوع ليحقق برنت ثاني مكسب أسبوعي على التوالي بينما كان الثالث على التوالي للخام الأمريكي. وأسهمت الأرقام الإيجابية للوظائف في شباط (فبراير) في دعم التوقعات للطلب على الخام في أكبر مستهلك للنفط في العالم، وارتفع عدد الوظائف في الولايات المتحدة في أوضح علامة حتى الآن على قوة سوق العمل قد تحد من المخاوف من اتجاه الاقتصاد الأمريكي إلى الركود وتسمح لمجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) بزيادة أسعار الفائدة تدريجيا. وحصلت الأسعار على دعم أيضا من بيانات لشركة "بيكر هيوز" للخدمات النفطية أظهرت انخفاضا في أعداد منصات الحفر النفطية هذا الأسبوع للأسبوع 11 على التوالي، ليهبط العدد لأدنى مستوى له منذ كانون الأول (ديسمبر) 2009 مع استمرار الشركات في خفض عدد المنصات للتركيز على الآبار التي لم تكتمل في ظل انهيار أسعار الخام. وأشارت "بيكر هيوز" في تقريرها الذي يحظى بمتابعة واسعة إلى أن شركات الحفر أوقفت ثماني منصات عن العمل في الأسبوع الذي ينتهي في الرابع من آذار (مارس) لينخفض العدد الإجمالي للمنصات إلى 392. وبلغ عدد المنصات في الأسبوع المقابل من العام الماضي 922 منصة عاملة، وأوقفت الشركات 963 منصة إجمالا عن العمل في 2015 وهو أكبر خفض سنوي في العدد منذ 1988 على الأقل. وقبل الأسبوع الحالي خفضت الشركات العدد بمتوسط 17 منصة أسبوعيا هذا العام، ويتوقع محللون أن يهبط عدد المنصات العاملة إلى أدنى مستوى له في غضون بضعة أشهر قبل أن يتعافى لاحقا خلال العام حيث يتوقعون ارتفاع أسعار الخام.
مشاركة :