من بين الأجزاء المثيرة في السيرة الذاتية للراحل بوبي روبسون، (مدرب منتخب إنجلترا وعدد من الأندية الأوروبية بينها فريق برشلونة)، الفقرات التي يشرح خلالها بحس فكاهي ممتع نهاية الفترة التي قضاها في برشلونة كمدرب. كان لا يزال أمام روبسون في تعاقده مع النادي عامًا آخر عندما اكتشف أن لدى مسؤولي النادي خطط أخرى بديلة عنه، تمثلت في الاستعانة بأفضل مدرب شاب في العالم حينها. وبالفعل، جرت محادثات بينه وبين المسؤولين وخلصوا إلى حل وسط تمثل في استمرار روبسون كمدرب عام، بينما يعمل معه خليفته لويس فان غال، في الوقت الذي يعاونه جوزيه مورينهو كنوع من التدريب له يمكنه من تولي هذه المهمة مستقبلاً. ويصف روبسون هذا الترتيب على النحو التالي: «قلت له: (اسمع، لويس، أنت ستكون المستقبل، مما يعني أنك ستتولى هذا العمل، بينما سأرحل أنا. لذا دعنا نتصافح ونقوم بهذه المهمة بصورة لطيفة.. وأنا لن أحاول قط تقويض عملك..) ويتوجب علي الاعتراف بأن لويس أبدى تجاهي احترامًا بالغًا» وبالفعل، نجح هذا الأمر، حيث استمر روبسون حتى نهاية فترة تعاقده. وفي ذلك العام، فاز برشلونة ببطولة الدوري الممتاز. ونجح النادي في تنظيم مسألة انتقال المهام التدريبية من روبسون إلى فان غال على نحو ودي ومسؤول. وبعد 20 عامًا على هذه الواقعة، لا يزال مثل هذا المقترح يظهر على السطح من حين لآخر، آخرها فيما يتعلق بمانشستر يونايتد. هذه المرة، يلعب فان غال دور روبسون، مع وجود عام واحد يفصله عن نهاية تعاقده مع النادي. أما جوزيه مورينهو فيقوم بدور فان غال في القصة السابقة، باعتباره المدرب الشاب. أما إد وودورد وكبار مسؤولي مانشستر يونايتد فيتحملون مسؤولية تحقيق أكبر استفادة ممكنة من الثروات التدريبية المتاحة أمامهم، مثلما كان الحال من قبل بالنسبة لمسؤولي برشلونة. آخر الأقاويل التي جرى تداولها مؤخرا تدور حول أن مورينهو سيتولى تدريب مانشستر يونايتد، إذا أخفق فان غال في ضمان مشاركة مانشستر يونايتد في الموسم القادم من بطولة دوري أبطال أوروبا. إلا أن هذا الوضع ربما ليس به ما يدعو لضرورة الاختيار بين المدربين. لماذا لا يرفض مانشستر يونايتد الفكرة التقليدية الدائرة حول مفهوم الأرض المحروقة وخلق نمط جديد من الشراكة في المسؤوليات التدريبية بين مورينهو والمدرب الذي كان أول من منحه فرصة الاضطلاع بمسؤوليات تدريبية؟ على أية حال، سبق وأن شارك فان غال في إجراء مشابه. ورغم كل شيء، لا يزال المدرب الهولندي يمثل دعامة مهمة بالنسبة للنادي بما يتمتع به من خبرة كبيرة بمجال تنمية المواهب الكروية الناشئة ومتطلبات اللعبة الأساسية. ومن يدري، قد ينجح فان غال في معاونة مورينهو نفسه على تذكر أفضل سماته، والمتمثلة في الطاقة الكبيرة والتركيز على التفاصيل الدقيقة، بدلاً من الميل المستمر نحو الخصام والشجار. بالتأكيد هي فكرة جديرة بالدراسة، رغم عدم وجود أي إمكانية حقيقية لتنفيذها على أرض الواقع، بالنظر إلى ضرورة توافر أولاً عدد كبير من العوامل المتغيرة التي تعد في حكم المستحيل الآن. ويبدو أن إجراء الطرد الذي يخلق حوله جوًا مملوءًا بالتشاحن والكراهية أصبح الآن السبيل الوحيد للانتقال من مدرب لآخر، وهو أمر مخزٍ في حد ذاته. والملاحظ أن الشهور الـ18 الأخيرة حملت الكثير من التطورات الإيجابية الصغيرة داخل مانشستر يونايتد. ورغم أن الاعتماد المتزايد حاليًا على الناشئين قد يستمر وقد يتوقف، تبقى الحقيقة أن الشعور الإيجابي السائد في صفوف الناشئين حاليًا يعتبر واحدًا من البصمات المميزة لفان غال ويتوافق مع نظرة النادي لنفسه. وبغض النظر عن ماهية القوة المحركة الحقيقية وراء الاستعانة المتزايدة بالناشئين - سواء الإصابات أو شعور المدرب بالجرأة باعتبار أنه ليس هناك ما يخسره - فإن الأيام الاثنا عشر الأخيرة شهدت فوز مانشستر يونايتد على ميتيلاند وشروزبري وآرسنال ووتفورد، وتسجيله 12 هدفًا، مع الاستعانة بـ13 لاعبًا في سن الـ23 أو أقل. يبدو أن فال غال استعاد وجهه القديم المتألق، أخيرا. في الواقع، كان من المحتمل دومًا أن تبقى الاستعانة بالناشئين البطاقة الرابحة في يد فان غال ومشروعه الأكبر داخل النادي، بغض النظر عن النتائج التي يحققها داخل الملعب. وعن هذا، قال فان غال خلال هذا الأسبوع: «تلك هي الثقافة السائدة داخل مانشستر يونايتد، لهذا استعانوا بي كمدير» علاوة على ذلك، يتمتع فان غال بالتأكيد بماض يدعو للفخر على هذا الصعيد. داخل برشلونة، كان فال غال هو من منح الفرصة إلى تشافي وكارليس بويول، بل ودعم أندريس إنيستا وثياغو موتا خلال فترة عمله الثانية التي منيت بالفشل. داخل أياكس أمستردام، قدم فرصة المشاركة لإدغار ديفيدز وكلارنس سيدورف وباتريك كلوفيرت ومارك أوفرمارس وإدوين فان دير سار. وداخل بايرن ميونيخ، قدم الفرصة لتوماس مولر وهولغر بادشتوبر. داخل مانشستر يونايتد، ظهر في ظل قيادة فان غال فريقًا أكثر شبابًا، لكن هذا جاء استجابة لما فرضته الضرورة فحسب، ما يتضح من حقيقة أنه حتى آخر مباراة له بالموسم الأول، كان فيل جونز اللاعب الوحيد بالفريق دون الـ25 الذي استعان به فان غال. أما هذا الموسم، فقد بدأ بلوك شو وكان اللاعب الناشئ الوحيد الذي شارك مع الفريق بانتظام. إلا أن نقطة التحول الكبرى جاءت مع الهزيمة التي تعرض لها الفريق على يد آرسنال بثلاثة أهداف من دون مقابل في أكتوبر (تشرين الأول) . في المباراة التالية، أمام إيفرتون، استعان فان غال بجيسي لينغارد للمرة الأولى خلال هذا الموسم، ومنذ ذلك الحين تحول اللاعب لما يشبه أيقونة تمثل تلك الومضات العبقرية التي أظهرها فان غال خلال الفترة الأخيرة له من وجوده مع مانشستر يونايتد. من ناحية أخرى، يبدو أن كاميرون بورثويك جاكسون، الذي جرت الاستعانة به كبديل في المواقف الطارئة، ينتظره مستقبل ناجح بمركز الظهير الأيسر أو في مركزه المفضل . قلب دفاع. ورغم أن لاعبين مثل بادي مكنير ودونالد لاف ربما لا تجري الاستعانة بهما بانتظام، فإن مجرد نزولهما لأرض الملعب يخلق شعورًا صحيًا بالإثارة. يوم الأحد الماضي، قدم مانشستر يونايتد على ملعبه وعلى نحو استثنائي واحدة من أروع لحظات أدائه منذ رحيل سير أليكس فيرغسون عنه، أو ربما منذ أبعد من ذلك عندما تغلب على آرسنال 3 / 2. وجاء الهدف الثاني لماركوس راشفورد من كرة مررها لينغارد، كمعزوفة فنية في حد ذاته أحيت في الأذهان ماضي مانشستر يونايتد المتألق.
مشاركة :