الإثبات بالدليل الرقمي في نظام الإثبات الجديد

  • 8/10/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عوض بن أحمد العلوى / المحامي والمستشار القانوني الإثبات هو الوسيلة الأساسية لاقتضاء الحقوق وإلزام الآخرين بواجباتهم والالتزامات الملقاة على عاتقهم، بحيث أن الحق لا قيمة له إذا عجز صاحبه عن إثباته، فإثبات الفعل المولد للحق هو الأمر الذي يعطي للحق قيمته الفعلية، ولا قيمة للحق إذا لم يقم الدليل على وجوده، فالإثبات هو قيام الحق، وحيث لا إثبات فلا حق. ولما كانت تلك هي قيمة الإثبات، فقد عني بذلك المشرع السعودي في نظام الإثبات السعودي الجديد ، بحيث أدرج باباً خاصاً في النظام عن الإثبات بالدليل الرقمي بغرض حفظ الحقوق المدنية والتجارية، وهو باب الإثبات بالدليل الرقمي، وكان هذا الاستحداث نتيجة الثورة التكنولوجية في مجال الاتصال. وقد عرف نظام الإثبات السعودي الدليل الرقمي بأنه : ” كل دليل مستمد من اي بينات تنشأ أو تصدر أو تسلم أو تحفظ أو تبلغ بوسيلة رقمية، أو تكون قابلة للاسترجاع أو الحصول عليها بصورة يُمكن فهمها “. ويتميز الدليل الرقمي بتنوعه وصعوبة حصره ولكن بحسب المادة الرابعة والخمسون من نظام الإثبات فإن الدليل الرقمي يشمل : السجل الرقمي، المحرَّر الرقمي، التوقيع الرقمي، المراسلات الرقمية بما فيها البريد الرقمي، وسائل الاتصال، الوسائط الرقمية، أي دليل رقمي آخر. ومما سبق نستنتج أن الواتساب والإيميل والماسنجر والتلجيرام والرسائل النصية والإيمو وتويتر وسناب شات وغيرها من وسائل التواصل هي في حقيقتها وسائل يُمكن أن تكون مسرحاً للدليل الرقمي. كما يتبين أن المشرع السعودي راعى تطور وتجدد الدليل الرقمي فسكت قصداً عن حصر الأدلة الرقمية، لأنه في حقيقة الأمر لا يُمكن حصرها، وإن كان قد ضرب بعض أمثلة لها. ويرى البعض وجود بعض العقبات في طريق الاعتماد على الدليل الرقمي بشكل موثوق وكامل ومن تلك العقبات : – امكانية التلاعب في بعض الأدلة الرقمية كالتوقيع الإلكتروني لذا فإن حجيته لا تساوي التوقيع اليدوي لأنه منفصل عن شخصية صاحبه، وهذا يساعد المحتالين والمتسللين على اختراق شبكات المعلومات وفك شفرته والاستيلاء عليها. – وجود مشاكل في التعبير عن الإرادة في الواقع الرقمي، فمسائل الايجاب والقبول في ذلك الواقع ليست هي نفسها كما في الواقع الحقيقي الذي فيه نلمس بسهولة ووضوح التعابير التي تصدر من الطرفين. – الأدلة الرقمية تتعلق بشكل أو بآخر بالخصوصية، فكثير من الأدلة الرقمية تختلط بخصوصيات الأفراد، والكشف عنها من الجهة المختصة قد يتطلب الاطلاع على بعض خصوصيات الأفراد الشخصية أو الأسرية أو العائلية عن طريق تفتيش الجوالات أو أجهزة اللابتوب. ولا ننكر لوجهات النظر تلك وجاهتها وقوتها لأنه لطالما كان الدليل الرقمي عرضه للإتلاف والتحريف والتزييف خاصة مع تطور الذكاء الاصطناعي وسهولة فبركة المحادثات والصور ومقاطع الفيديو وتركيب الأصوات، ولأجل ذلك عمد نظام الإثبات إلى تقييد صحة الدليل من عدمه بعرضه على خبير تقني متخصص، وذلك باستخدام تقنيات حكومية تفوق تلك التقنيات المتوفرة على الانترنت، كما كفل وضمن عدم تسريب أي خصوصيات تتعلق بالأشخاص أو المؤسسات. وفي أقسام الدليل الرقمي نجد أنه ينقسم إلى قسمين تماماً كالمحررات الكتابية، وهما الدليل الرقمي الرسمي، والدليل الرقمي غير الرسمي، أما الدليل الرقمي الرسمي فيشترط لتحققه عدة شروط منها ضرورة صدوره من موظف عام أو شخص مُكلف بخدمة عامة، وكذلك مطابقته للأوضاع النظامية، ومن الأمثلة عليه : ما يصدر من الأنظمة الرقمية للجهات العامة أو المكلفة بخدمة عامة. وفيما يتعلق بالدليل الرقمي غير الرسمي، هو فكل دليل رقمي لم تنطبق عليه شروط الدليل الرقمي الرسمي الوارد ذكرها في الفقرة الأولى من المادة الخامسة والعشرين فهو بمثابة دليل رقمي غير رسمي. والدليل الرقمي الرسمي حجيته تساوي حجية المحررات الرسمية، أما الدليل الرقمي غير الرسمي فله حجية الاثبات بالمحررات العادية، باستثناء عدد من الحالات يكون فيها الدليل الرقمي غير الرسمي حجة على أطراف التعامل فقط ما لم يثبت خلاف ذلك في عدد من الحالات ذكرتها المادة السابعة والخمسون من النظام. ويثور التساؤل : في حال الطعن على الدليل الرقمي فعلى من يقع عبئ إثبات صحة أو عدم صحة الدليل الرقمي ؟ في حال كان الدليل الرقمي حجة على الطرفين أو كان رسمياً وفق ما نصت عليه المادتان السادسة والخمسون والسابعة والخمسون فإن المُكلف بالإثبات هو من يدعي عدم الصحة. ولكن الدليل الرقمي غير الرسمي يكون الطعن فيه بإنكاره ويكون المكلف بإثبات صحته هو من يدعي الصحة، أما إذا ادعى التزوير فيكون مكلفاً بإثبات التزوير الذي يدعيه. ونشير إلى أن على المحكمة واجب التحقق من صحة الدليل الرقمي الذي قُدم لها، وذلك بمطابقته لسجله الرقمي، ولأجل تلك الغاية فلها سلطة أن تطلب من أحد الخصوم تقديم ما يحقق صحة الدليل الرقمي من عدمه، كما لها أيضاً أن تستعين بخبير متخصص وفق إجراءات الخبرة المنصوص عليها. ومن غرائب قضايا الإثبات بالدليل الرقمي نجد أن أحد القضاة في كندا حكم بأن الإيموجي يُعتبر بمثابة توقيع رسمي أو اشعار بالموافقة خلال عملية الاتفاق النهائي مع عميل أو شريك، وذلك أياً كانت وسيلة التواصل الرقمي الذي تم الاتفاق من خلالها، وتفاصيل تلك القضية ترجع لقيام شركة حبوب بإرسال عقد لمزارع فرد عليهم بإيموجي أو رمز يوحي بالموافقة ، ولكنه رغم ذلك لم يقم بتسديد المبلغ، وبناء على ذلك اعتبر القاضي أن الإيموجي أو الرمز هو توقيع وألزمه بدفع مبلغ مالي يفوق 80 ألف دولار. وفي حيثيات حكمه قال القاضي : أن التقنيات الحديثة تلزمنا بقوانين حديثة . فهل يُمكن يوماً ما أن نرى مثل هذا الحُكم في المملكة خاصة مع الاعتداد بالعرف والعادة ومع وجود قواعد فقهية تدعم ذلك مثل قاعدة : ” العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني “؟ نرى أن القاعدة سالفة الذكر يُمكن تطبيقها في التعاملات أو التعاقدات ذات الصفة اللفظية لا الكتابية، إضافة إلى أن الرمز أو الايموجي يُعد من قبيل الإشارة وهو أمر لا يستقيم مع قدرة المدعي عليه على الكتابة ، كما أن أصحاب الفضيلة في المملكة يصدرون أحكامهم بشيء من الحكمة والدقة أكثر ولا يكتفون بمجرد رسالة مضمونها رمز يُمكن أن يُرسل عن طريق الخطأ أو السهو.

مشاركة :