لجأ البنك المركزي المصري لطرح مزاد استثنائي هو الأول في عهد محافظ المركزي طارق عامر بعد اشتعال سعر العملة الصعبة في السوق السوداء من دون أي بوادر لانحسار الأزمة رغم طرح شهادات دولارية للمصريين العاملين في الخارج ووصول قروض بالعملة الصعبة للبلاد. وسيطرح المركزي في العطاء الاستثنائي الأحد 500 مليون دولار وهو ما يزيد كثيرا عن العطاء الدوري للعملة الذي يبلغ حجمه 40 مليون دولار ويطرحه المركزي ثلاث مرات اسبوعيا. ونقلت وكالة رويترز عن مصدر مسؤول في البنك المركزي أنّ العطاء لتغطية سلع استراتيجية أساسية من دون الخوض في تفاصيل. وبدا أن المحافظ الحالي للمركزي عامر الذي خلف هشام رامز في نوفمبر 2015 يتبنى نهجا مختلفا إذ حاول العمل مع مكاتب الصرافة للسيطرة على السوق واتاح لها التحرك في نطاق بين 8.60 و 8.65 جنيه للدولار، لكن شركات الصرافة سرعان ما تجاوزت هذا النطاق. وقفز سعر الدولار سريعا في السوق السوداء ليصل إلى تسعة جنيهات، وتحرك البنك المركزي لشطب عدد من شركات الصرافة المخالفة وسحب تراخيص العمل نهائيا منها في فبراير. ويسمح البنك رسميا لمكاتب الصرافة ببيع الدولار بفارق 15 قرشا فوق أو دون سعر البيع الرسمي، لكن السوق السوداء في العملة تنشط مع شح الدولار من إيرادات السياحة وتحويلات المصريين في الخارج وقناة السويس والاستثمارات الأجنبية المباشرة. وإعتبر مسؤول في أحد البنوك الحكومية خطوة المركزي في العطاء الاستثنائي تأخرت كثيرا، وأدت زيادة المضاربات في السوق السوداء إلى وصول الدولار لأسعار لم يصل إليها من قبل. وقفز الدولار إلى 9.80 جنيه مقابل 9.50 جنيه يوم الخميس الماضي بحسب متعاملين في السوق، ويأتي الهبوط الحاد للجنيه أمام الدولار رغم دخول إجمالي 1.4 مليار دولار خزينة البنك المركزي المصري في صورة قرضين من الصين والبنك الافريقي للتنمية منذ بداية العام. وكانت مصر أطلقت الاثنين الماضي برنامجا جديدا لتشجيع ملايين المصريين المقيمين بالخارج على استثمار مدخراتهم الدولارية في شهادات خاصة من شأنها تخفيف أزمة نقص العملة الأجنبية. ولم يعلن البنك المركزي أو أي من البنوك المشاركة في المبادرة حتى الآن أي معلومات عن مدى الإقبال على الشهادات. ويرى محللون نّ الطرح سيعمل على تهدئة السوق الموازية ولكن لابد من خطوات تالية للطرح الاستثنائي لضبط السوق الموازية. وقال هاني جنينة من بلتون المالية أنّه إذا باع المركزي الدولار بسعر مختلف عن المزاد الدوري ستكون مفاجأة سارة وقد يساهم في نزول الأسعار بالسوق الموازية حتى وإن لم تٌحل الأزمة بشكل نهائي. ويبيع المركزي الدولار في المزادات الدورية للبنوك بسعر 7.7301 جنيه. وتواجه مصر المعتمدة على الاستيراد نقصا حادا في الدولار منذ انتفاضة 2011 والقلاقل السياسية التي أعقبتها وأدت إلى عزوف السياح والمستثمرين الأجانب وتحويلات المصريين في الخارج وهي المصادر الرئيسية للعملة الصعبة. وتقلصت الاحتياطيات الأجنبية لدى مصر أكثر من النصف لتصل إلى حوالي 16.53 مليار دولار بنهاية فبراير . وفي مذكرة بحثية الأسبوع الماضي رأت مؤسسة كابيتال ايكونوميكس للأبحاث ومقرها لندن نعتقد أن الخطوات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي المصري تشير إلى أن خفض الجنيه الذي طال انتظاره قد يكون وشيكا سيسبب ذلك حتما بعض المعاناة في الأمد القصير لكنه سيساهم في المدى البعيد في إرساء الأساس لفترة من النمو الأقوى. وأضافت نعتقد أن الجنيه بحاجة للنزول إلى نحو 9.50 جنيه للدولار الخبر السار هو أن صناع السياسات باتوا يدركون على ما يبدو أن تخفيف قبضتهم على العملة قد يكون أقل الخيارات سوءا. وتعرض الجنيه المصري لضغوط مع تناقص الاحتياطيات لكن البنك المركزي متردد في خفض قيمته تخوفا من تأجيج التضخم الذي يقع بالفعل في خانة العشرات. وعملت الحكومة مع محافظ المركزي على اتخاذ العديد من التدابير لتوفير الدولار والحفاظ عليه حتى وصلت إلى تقييد عمليات السحب من بطاقات الائتمان بالدولار والتحويلات. ويرى محللون مصريون أنه إذا حدث تخفيض في سعر الجنيه في مزاد اليوم ستكون رسالة للمستثمرين الأجانب ببداية تحرير سعر الصرف لإعادة التوازن في السعر مع السوق الموازية. ويسعى المركزي إلى المحافظة على الاحتياطيات لتمويل واردات الغذاء والوقود والدواء ومكونات الصناعة عن طريق فرض قيود على الودائع المصرفية والتحويلات المتعلقة بواردات السلع والخدمات غير الأساسية، لكن القيود تعرقل حركة الصناعة والتجارة وتزيد صعوبة تحويل إيرادات المستثمرين الأجانب إلى الخارج. وأبدت كابيتال ايكونوميكس في تقريرها عن العملة المحلية بمصر إعتقادها بأن خفض العملة قد يجلب فوائد جمة بمرور الوقت، فمن خلال السماح للعملة بالانخفاض سيستطيع المركزي في النهاية فك القيود المفروضة على النقد الأجنبي رسميا ويشجع المستثمرين الأجانب على العودة إلى البلاد. وقالت إنه إذا جرى تدعيم ميزان المدفوعات بمزيد من الإصلاحات الاقتصادية فسيساعد على تحقيق نمو اقتصادي أقوى في نهاية المطاف.
مشاركة :