قانون خفض التضخم الأمريكي بين "جزرة" الحوافز المالية و"عصا" العقوبات التنظيمية

  • 8/13/2023
  • 22:14
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بعد عام على إقرار "قانون خفض التضخم"، ما زال الرئيس الأمريكي جو بايدن يعاني لإقناع الأمريكيين بجدوى هذه الخطة التاريخية للتحول في مجال الطاقة التي أقر بأنه كان ليختار لها اسما مغايرا في حال أتيحت له فرصة تعديله. وتعد الخطة مشروعا طموحا يهدف إلى تسريع انتقال الولايات المتحدة نحو الطاقة النظيفة وإعادة بناء قوتها الصناعية وتعزيز العدالة الاجتماعية، وفقا لـ"الفرنسية". ولدى توقيع بايدن الخطة المقدرة تكلفتها بـ750 مليار دولار لتحويلها قانونا في 16 أغسطس 2022، كان أكبر اقتصاد في العالم يعاني تبعات تسارع التضخم الذي أثر بشكل كبير في شعبية الرئيس الديمقراطي. كان إطلاق اسم "قانون خفض التضخم" IRA على الخطة منطقيا في حينه، رغم أنها هدفت بشكل أساسي عبر زهاء 350 مليار دولار من الإعانات الحكومية والإعفاءات الضريبية، إلى تسريع الانتقال نحو مصادر الطاقة المتجددة. وقال بايدن في اجتماع عقد حديثا مع مانحين في ولاية يوتا (غرب) "تمنيت لو أنني لم أسمها على هذا النحو، لأنها لا تتعلق بالتضخم بقدر ما تتعلق بتوفير بدائل تحفز على النمو الاقتصادي". وأتى الاجتماع غداة تدشين بايدن (80 عاما) الذي يعتزم الترشح لولاية ثانية في البيت الأبيض في 2024، مشروعا للطاقة المستدامة، قال، إنه يجسد أفضل ما يقدمه "قانون خفض التضخم". ويشمل المشروع في ولاية نيو مكسيكو المجاورة، بناء توربينات الرياح لتوليد الكهرباء في موقع كان يضم مصنعا لصحون البلاستيك، في ولاية تعاني الآثار المدمرة للتغير المناخي، مثل، حرائق الغابات ودرجات حرارة قصوى. وقال البيت الأبيض، إن قانون خفض التضخم شكل منذ إقراره، حافزا لاستثمارات خاصة في قطاع الطاقة النظيفة بلغت قيمتها 110 مليارات دولار. وأثارت الخطة قلق الأوروبيين وحلفاء آخرين حيال هدفها المعلن باستقلالية واشنطن في المجال الصناعي. ورأت لوري بيرد من مجموعة معهد الموارد الدولية "وورلد ريسورسز اينستيتوت" البيئية أن القانون "هو التشريع الأهم في مجال المناخ والطاقة النظيفة في تاريخ الولايات المتحدة". وأوضحت أن الحوافر التي يوفرها "مصممة لتستمر عقدا من الزمن"، وآثارها "من المفترض أن تبقى فترة أطول من ذلك". ووفق دراسة أجرتها تسعة فرق من باحثين أمريكيين، يفترض أن يؤدي القانون إلى خفض الانبعاثات في الولايات المتحدة بما بين 43 إلى 48 في المائة بحلول 2035، مقارنة بمستويات 2005. وتبقى هذه النسبة ما دون الهدف المعلن للمسؤولين الأمريكيين بخفض الانبعاثات إلى النصف بحلول 2030. ويرى عديد من الناشطين البيئيين أن بلوغ هذا الهدف لن يتحقق سوى من خلال مزيج بين "جزرة" الحوافز المالية و"عصا" العقوبات التنظيمية، على رغم أن الأخيرة قد تواجه عقبات أساسية في حال وصلت إلى حد المراجعة أمام المحكمة العليا التي يهيمن عليها المحافظون. في الوقت الراهن، يبقى الهم الملح للرئيس الأمريكي إيجاد وسائل للاستفادة قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024، مما يسميه "بايدنوميكس"، في إشارة إلى خطته الاقتصادية المستندة إلى الواقع الراهن للاقتصاد الأمريكي، إضافة إلى مستقبله المستند جزئيا إلى قانون خفض التضخم وبرامج استثمارية ضخمة في مجال التكنولوجيا والبنى التحتية. واطلعت أغلبية الأمريكيين بشكل مبهم فقط على الوعود المتنوعة لهذه البرامج، دعم تطوير الحوسبة الكمية لمواجهة المنافسة الصينية، بناء ملايين السيارات الكهربائية وتوفير الوظائف بالتوازي، خفض سعر الأنسولين وتسهيل الاتصال بالإنترنت. وقال بايدن للمانحين في يوتا، إن "الناس لا يعرفون أن التغييرات التي تحصل هي نتيجة لما قمنا به"، معتبرا أن تحقيق ذلك "سيتطلب بعض الوقت". وانتقد الحزب الجمهوري في بيان "محاولة بايدن اليائسة لتسويق ما يسمى قانون خفض التضخم"، واصفا إياه بأنه عملية "احتيال". وسخر الرئيس من انتقادات خصومه الجمهوريين، مشيرا إلى أنهم لا يمانعون الحصول على تمويل من قانون خفض التضخم عندما يكون مخصصا لدوائر انتخابية يحظون بالأفضلية فيها. وخص الرئيس الأمريكي في تصريحات الأربعاء العضو في الكونجرس لورين بوبرت، مشيرا بسخرية إلى أنها "انتقدت إقراره" لكنها "ترحب به الآن" بعدما أسهم في تمويل مصنع ضخم لبناء توربينات الرياح في ولايتها كولورادو. بدوره، لفت جيفري شوت الباحث البارز لدى "معهد بيترسون للاقتصادات الدولية" إلى أن التشريع جاء بـ"تداعيات غير مقصودة" عبر تقييد التجارة مع أبرز حلفاء الولايات المتحدة. وكانت إعفاءات ضريبية للمستهلكين تصل قيمتها إلى 7500 دولار لشراء مركبات كهربائية تم تجميعها في الولايات المتحدة من بين النقاط العالقة. ويستوجب الحصول على الإعفاء كاملا بأن تتضمن بطاريات المركبات نسبة من المعادن الأساسية التي يعود مصدرها إلى الولايات المتحدة أو الدول التي تقيم معها اتفاقيات للتجارة الحرة، ما يترك الاتحاد الأوروبي واليابان خارج الحسابات. وأثار الأمر حفيظة هذه الدول فيما وسع المسؤولون الأمريكيون في نهاية المطاف الوصول إلى المساعدات المرتبطة بالمركبات النظيفة، مشيرين في مارس إلى أن الشرط المرتبط باتفاقيات التجارة الحرة يمكن أن يشمل أيضا اتفاقيات مهمة بشأن المعادن تم التفاوض عليها أخيرا. ويشمل ذلك اتفاقا أبرم قبل فترة قصيرة بين اليابان والولايات المتحدة، ما يفتح الباب للحصول على مزايا من جزء من الدعم. وقال شوت إن "جزءا من التوتر في البداية كان بسبب.. المراجعات الأخيرة لقانون خفض التضخم التي تمت على عجل وبشكل سري". وأضاف أنه بدا هناك "غياب للفهم بأن حلفاء الولايات المتحدة ليسوا جميعا شركاء لها في اتفاقيات للتجارة الحرة"، ما دفع وزارة الخزانة لبدء "محاسبة إبداعية" لتحديد كيفية تطبيق القانون. وأوضح ملترز بأن الولايات المتحدة "حاولت سريعا الاستجابة لهذه المخاوف عبر التفاوض على هذا النوع من الاتفاقيات الثنائية"، في إشارة إلى الاتفاق مع اليابان والجهود الأوروبية للتوصل إلى اتفاقيات مشابهة. وأكد أن ذلك خفف من حدة المخاوف. وبينما حذرت من مخاطر حرب في مجال الدعم، ردت كندا مذاك بإدخال حوافز مشابهة لتلك الواردة في قانون خفض التضخم. وفي أبريل، أعلنت عن دعم يصل إلى 13.2 مليار دولار كندي (9.8 مليارات دولار) على مدى عشرة أعوام لأول محطة بطاريات تابعة لفولكسفاجن في الخارج ومقرها أونتاريو. بدورها، تأمل كبرى شركات تصنيع السيارات الكورية الجنوبية "هيونداي" إنتاج سيارات كهربائية تم تجميعها في الولايات المتحدة مؤهلة للدعم في موقع قيد التشييد في جورجيا. وأقامت شركات كورية جنوبية غيرها شراكات مع أخرى في الولايات المتحدة لبناء خطوط تجميع تتوافق مع متطلبات قانون خفض التضخم، مثل المشروع المشترك بين "سامسونج إس دي آي" و"جنرال موتورز" لبناء معمل لبطاريات السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة. وجاء في تحليل لثلاثة خبراء اقتصاد من البنك المركزي الأوروبي في يوليو أن "قانون خفض التضخم سيفيد الولايات المتحدة عبر إنتاج إضافي وتخفيف الاعتماد الاستراتيجي بمواجهة الصين". وأضافوا في مقال نشره مركز أبحاث السياسة الاقتصادية "ستحقق الولايات المتحدة مكاسب من تأثيرات الانتقال الإيجابية، ليزداد الإنتاج بنسبة 6 في المائة إلى 30 في المائة في المعدات الكهربائية والبصرية". ولفتوا إلى أن ذلك يأتي على حساب الصين وإلى حد أقل الاتحاد الأوروبي. وبينما يرتبط الانتقال بحصة صغيرة من إجمالي الإنتاج، يمكن للخسائر في قطاعات معينة أن تكون أكبر. لكن منذ التوقيع على قانون المناخ، تم الإعلان عن استثمارات صناعية جديدة بقيمة 75 مليار دولار على الأقل، بحسب المحلل في مجال السياسات جاك كونيس من معهد "إبداع الطاقة، السياسية والتكنولوجيا". وأفاد مركز الأبحاث الأوروبي "بروغل" في تقرير هذا العام بأن حجم حزم الدعم المنصوص عليها في قانون خفض التضخم يمكن أن يكون معادلا لتلك المتاحة في أوروبا، لكن حزم الدعم الأمريكية في مجال التكنولوجيا النظيفة "أبسط وأقل تشتتا". يمكن لعوامل كهذه أن تزيد جاذبية الدعم الأمريكي بالنسبة للأعمال التجارية، في وقت تواجه أوروبا أيضا ارتفاعا في تكاليف الطاقة بعد الحرب الروسية في أوكرانيا. وقال ملتزر "إذا كنت في قطاع طاقة مكثفة مثل الكيماويات.. تبدو الولايات المتحدة جذابة بشكل أكبر، برأيي أن مجموعة أوسع من العوامل هي التي توفر تحديات مرتبطة بالتنافسية في أوروبا". وأكد " "قانون خفض التضخم جزء منها.. لكنه ليس الوحيد".

مشاركة :