الاختلاف في معترك الرفض والقبول

  • 8/18/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

دعونا أولاً نؤسس لقاعدة تقول أن الله سبحانه وتعالى أوجد العديد من الثوابت في هذه الحياة يتزعم هذه الثوابت ثابت الاختلاف الذي حكم الله به على مجريات ومحددات الحياة بأن تكون عُرضة للتباين بناءً عليه ونرى ذلك جلياً عند التأمل في مختلف أحوال الحياة فالطبيعة مثلاً تختلف في أحوالها وأشكالها وطبائعها وكذلك الكائنات الحية تختلف في أنواعها وأحجامها وخصائصها. ومن بين هذه الكائنات الحية الإنسان حيث يظهر عليه نمط الاختلاف في الكثير من جوانبه كاختلافه عن غيره مثلاً في مظهره وفي فكره وكذلك في نظرته للحياة بالإضافة إلى غيرها من الجوانب والتي قد تتغير بتغير أحواله ونستطيع التأكد من كل ذلك عندما نتأمل في كيفية تعامله مع ما يستجد عليه من أمور علمية أو ثقافية أو غيرها من الأمور وكل هذه الدلائل تؤكد حقيقة لا تقبل التشكيك هي أن أهم ثابت في الحياة هو ثابت الاختلاف كما أسلفت. بعد هذا التأسيس نخلص إلى أن أصعب أمر يواجهه البشر في هذه الحياة هو مدى تقبّلهم لهذا الثابت وحُسن تعاملهم معه خاصةً وأن له علاقة بنمط تفكيرهم وطبيعة تفسيرهم وتطبيقهم لما تتطلبه مقتضياته والدليل على ذلك يكمن في لجوء الكثير منهم لانتقاد ثقافة بعضهم البعض وغيرها من الأمور فقط لوجود تمايز وتباين بين أصول ثقافاتهم وفروعها على حدٍ سواء. بل وصل الحال ببعضهم لدرجة التعدي على غيرهم والنيل منه فقط لأنه يختلف عنهم سواءً في الدين أو في العرق أو في اللون ما تسبب في نشوب الكثير من النزاعات والصراعات بينهم رغم أن هذه التجاذبات فيها مخالفة صريحة وواضحة لكل ما تتبناه كافة الشرائع السماوية والأرضية التي تعترف بوجود الاختلاف بينها البين ورغم ذلك تحث أتباعها على تقبّله والتسليم بوجوده مهما أختلفت صوره ومظاهره. وعند الحديث عن صعوبة تقبّل المجتمعات المختلفة لثقافة الاختلاف فنحن لا نخصّ مجتمع بعينه دون غيره فجميع المجتمعات تعاني من هذه الظاهرة إلا أن الفرق الوحيد بين تلك المجتمعات أن نسبة المعاناة من عدم تقبّلها للاختلاف تختلف من مجتمع لآخر باختلاف مدى تقدّمه وتطوره ومدى تمسكه بالثوابت الإنسانية والأخلاقية التي يشترك فيها الجميع. وما يبرهن على ضرورة تقبّل الاختلاف في عقيدتنا نحن كمسلمين أن لدينا في تراثنا الإسلامي تعاليم ونصوص لا لبس فيها تؤكد حضوره في حياتنا وتمنحنا توجيهات واضحة تنص على كيف يجب علينا التعامل معه ومن بين هذه النصوص قول الله عز وجل: "وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا" وهذا ما يتجاهله الكثير حتى وإن أنكروا ذلك حيث أن واقعهم يقول بأنهم يجدون صعوبة كبيرة في التعامل مع من يختلف معهم في أي أمر يرفضوه ويعترضون عليه. ونحن قد نبرر عزوفهم عن تقبّل الاختلاف إذا كان في تبنيه مساس بثوابتنا الدينية على وجه الخصوص أما إذا كان الاختلاف في أمور لا يتعارض الاختلاف فيها مع تلك الثوابت فإن الإصرار على تبني هذا العزوف سيُحدث بلا أدنى شك تبعات غاية في السلبية من شأنها أن تضع عراقيل كبيرة ومعقدة أمام تقدمنا المعرفي والحضاري. وهذا الطرح لا يعني وجوب تقليد الآخر والترحيب بأي أمر يتبناه وإنما يعني فقط ضرورة الاعتراف بأن اختلافه عنّا هو سنّة ربّانية ويجب النظر إليه على هذا الأساس وهذا الاعتراف من جانبنا لا يمنع أو يُعفي الآخر بأي حال من الأحوال من ضرورة اعترافه هو أيضاً بحقنا في أن نكون مختلفين عنه حتى نتمكن جميعاً من التعايش سوياً والتركيز على ما يجمعنا بدلاً من التركيز على ما يُفرّقنا. ختاماً إن ما أثبتته تجارب الحياة أن أي مجتمع يمتلك القدرة على التعامل الإيجابي مع الاختلاف والعمل على نشر ثقافة تقبّله بين أفراده سيتمكن حتماً من النجاح في توطيد علاقاته الداخلية والخارجية وسيتمكن أيضاً من تحقيق تميز أفراده علمياً وفكرياً في حين أن العكس تماماً هو نصيب كل من لا يستطيع تقبّل الاختلاف ولا يعمل على حُسن توظيفه والاستفادة من وجوده.

مشاركة :