الشارقة ــ الخليج: أثارت محاضرة جدل الأنساق في الثقافة الإماراتية وأثرها في القصيدة المعاصرة التي قدمها الشاعر والناقد العراقي عبدالقادر جبار في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في الشارقة، مساء أمس الأول، جدلاً كبيراً من الحضور انصب في مجمله تجاه المنهج الذي اتبعه جبار في تحليله للثقافة والشخصية الإماراتية، حيث انطلق جبار من منهج جدلي في تحليله للثقافة الإماراتية، وتأثيرها في الشعر المعاصر في الإمارات. جبار الحائز درجة الدكتوراه في الأدب العربي، وصاحب المؤلفات العديدة في النقد، ذهب إلى ضرورة تفكيك العنوان أولاً ليضع الحاضرين داخل إطاره الدلالي، موضحاً أن الجدل يعني به علاقة بين طرفين تتسم بالاختلاف والتعارض، يحاول كل طرف نفي الآخر ليفسح المجال لعملية التطور وآليته، بينما يعني بالنسق تلك العلاقة الدالة بين طرفين، أو مجموعة أطراف، تنتج المعنى وقابلة للتأويل والتفسير، في حين يقصد بالثقافة مجمل الإنتاج المادي والروحي لمجتمع معين، وانطلاقاً من تلك التعريفات كشف جبار البنيات التي يرتكز عليها التطور، تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً. يقول جبار: إن الثنائية التي تسود الثقافة الإماراتية تنطلق من الواقع الاجتماعي والفكري، وتمتلك بعداً تاريخياً، ويضرب مثلاً ساطعاً بالعلاقة بين الإنسان والبحر، والإنسان والصحراء، ويرى أن الجغرافيا حققت فاعليتها في العلاقة الأزلية بين الطبيعة والإنسان، فكان البحر رديفاً، أو مكملاً للصحراء في تحقيق إمكانية استمرار الإنسان في الوجود، ورصد جبار ما تقوله الآثار التاريخية الدالة، فإنسان هذه المنطقة قد عرف مهنة الغوص منذ بداية القرن الخامس قبل الميلاد، وتوسعت هذه علاقته بالبحر بعد ظهور الإسلام على نحو ما ذكر المؤرخ المسعودي في كتابه مروج الذهب، من خلال سرد عمليات التبادل التجاري، وأحداثها في المناطق الواقعة بين المحيط الهادي، والبحر الأحمر، والخليج العربي، ويخلص جبار إلى أن ثقافة الغوص تمثل العمق التاريخي الأصيل في تكوين الشخصية الإماراتية وعلى ما أنتجته من فكر، ذاهباً إلى أن ثنائية الماء والصحراء أسهمت في جعل الثقافة الإماراتية ثقافة مسافرة راحلة بحثاً عن أسباب الحياة، وكشف جبار عن وجود مستويين في ثنائية العلاقة بين البحر والصحراء، الأول سطحي مباشر، والثاني عميق، ويرى أن هذه الثنائية هي التي أنتجت الشخصية الإماراتية، ليصبح البحر هو المعادل الموضوعي لجدب الرمال، ويمثل الأفق المفتوح أمام الرغبات والأحلام والأرزاق، وهو في ذات الوقت المجهول الذي يبحث عن أجوبة الوجود. وأكد جبار أن جدلية الرمل والماء، أو الاستواء والعمق، كانت المحرك الرئيسي للأنماط الإبداعية وطريقة تشكلاتها، واضعاً استنتاجاً مفاده أن هذه الثنائية شكلت أساساً لتغيير نمط الشعر الذي ساد في الإمارات والمستند إلى عمارة الشطرين، ويرى أن هذا النمط من الشعر ظل عصياً على محاولات التغيير على الرغم من معرفة الشعراء الإماراتيين بفنون الموشح والزجل، ليظل هذا النمط مسيطراً حتى مرحلة الحداثة، التي شهدت فيها القصيدة أول زحزحة للنمط الموروث، عندما بدأت محاولات نقل النمط الموروث في عمارة قصيدة التفعيلة غير المستندة إلى الشطرين، وحينها حاولت القصيدة الإماراتية الارتفاع بالوعي الجمالي للمتلقين بعد أن ارتفع الإدراك الجمالي للشعراء. وقال جبار إن قصيدة النثر أظهرت قدرة على الانفتاح على الشعرية الحديثة، مرجعاً تلك المحاولات إلى أنها حاولت الرد على هيمنة النمط الموروث الذي سيطر على القصيدة الإماراتية، فبدأت الاتجاهات الحديثة في النسق الثقافي بالتحول من النسق المستوي إلى نسق متغير العمارة في الحياة والثقافة معاً. وربط جبار بين التطور الاقتصادي والحضاري في الإمارات، والتطور في بنيتها الثقافية، ويضرب مثلاً في ذلك بتلك الهزة الكبيرة في البنية الثقافية للدولة الذي يتضح أثره في الدور الجديد للإمارات في الحضارة الإنسانية عندما صار الأدب والفكر والبناء المادي يمثل المرتكزات الرئيسية التي انبنت عليها الثقافة الجديدة. كلمات جبار وجدت أثراً كبيراً تمثل في مداخلات وتعليقات الحضور الذي انقسم حول المنهج الذي اتبعه جبار في تحليله للثقافة والشخصية الإماراتية، وأثر ذلك في القصيدة الإماراتية، وفي الختام منح اتحاد كتاب وأدباء الإمارات جبار جائزة تقديرية لجهوده المبذولة في مجالات الأدب والنقد
مشاركة :