قُدِّر لي زيارة عدة دول إفريقية، كان أكثرها تأثرا هي زيارة جمهورية السنغال بعاصمتها الجميلة (اللندنية المصغرة) وطيبة أهلها وحراكهم وغيرتهم الإسلامية وقربهم من عالمنا العربي وبمثقفيهم، لكن في السنغال وفي جزيرة غوري يحفر التاريخ أعظم جرائم البشرية التي ارتكبها الرجل الأبيض بحق الجنس الإفريقي رجالا ونساء، في مدخل تلك الجزيرة وفي بيت التهجير تمثال منتصب لتلك المأساة وأمام باب اللا عودة وقفت مع صديق سنغالي قرأت في عينية ونبرة صوته مأساة ملايين من الأسر الإفريقية التي فقدت أحد أفرادها في تهجير قسري إلى عالم مجهول حول بشريتهم إلى استعباد.. قال (من هذا الباب غادرت آمال إفريقيا إلى مصير مجهول) وأردف.. الأمل في يقظة قريبة. في هذه المقدمة أجد نفسي اليوم أمام حراك إفريقي تلك القارة التي تضم 54 دولة تتفرد بحظها العاثر من سنين خلت، وما أعقب تهجير تلك القوى البشرية حتى خيم الاستعمار على مناطق عديدة منها، حتى وإن رحل شكليا فهو لازال الذي يلتهم جهد الإفريقي من منتجات أرضه وحقله في استغلال ذي وجهين متناقضين أن يذهب ريع هذه الأرض إلى مستعمر سابق تثري مجتمعه واقتصاده ويبقى التخلف والفقر لأصحاب الأرض والجهد. أشاهد اليوم حراكا إفريقيا جريئا تطلع لمستقبل أفضل للأجيال القادمة،حراك تقوده إرادة إفريقية في كافة المستويات من مسئولين ومثقفين وأعلام، وأصبح الحلم في اليقظة الحقيقية مشروعا حين تطرح الأسئلة وبشكل علني وعلى كافة المستويات أين تذهب مقدرات إفريقيا وما خلفت تلك المقدرات لأبناء الأرض سوى الفقر والجهل والمرض، أين يذهب ذهب غينيا، وخشب الكونغو، وبترول الجابون ويورانيوم النيجر، وكاكاو ساحل العاج، وحديد موريتانيا وما يحتويه باطن الأرض الإفريقية من ثروات نفطية ومعدنية كبيرة وبعيدا عن المطبات السياسية في القيادات الإفريقية تتحدث وسائل الإعلام إلى شرارة صحوة أطلقها كثير من القيادات الإفريقية الشابة في مناسبات عدة، التقطها نشطاء التواصل الاجتماعي وإعلاميون انطلقوا للمواجهة مع الآخر الذي يرون فيه السبب والعلة، تستحق إفريقيا بمكوناتها الجمعية أن تتمتع بالأمن والاستقرار بعيدا عن الصراعات والمصالح والتبعية، منظمة الاتحاد الإفريقي وأجهزتها (إكواس) مطالبة اليوم بأكثر من أي وقت مضى أن تلعب دور المنظم للحياة السياسية والاقتصادية التي تساعد على اليقظة التي ينشدها الشعب الإفريقي بعيدا عن الفقر والظلم والجهل والتبعية، هذه القارة السمراء ليست ببعيدة تاريخيا ولا جغرافيا عن بلادنا ولا أرى فيها مجرد حديقة خلفية بل هي جسور ثقافية حضارية اقتصادية إذا ما تمأسس العمل والدعم لإفريقيا ينافس الآخرين في ظل الحراك الشعبي والرسمي، ونحن نملك ميزة الأفضلية من القرب الجغرافي والديني والثقافي كما تنتفي سلبيات المستعمر حين التواجد من أجل المساعدة في التنمية. اعرف أن بلادي تملك القنوات والعمل والدعم وعلى كافة الأصعدة ويقود الصندوق السعودي للتنمية الدور العظيم في إطار العلاقات الغفريقية من أجل التنمية في مجالات الطرق والصحة والتعليم والزراعة، (ووفقا لتقرير الصندوق 2022م) تم التوقيع على 5 اتفاقيات قروض خلال السنة المالية 1443/ 1444هـ بحوالي851.25 مليون ريال لمشروعات في إفريقيا، كما مول الصندوق وحتى عام 1443هـ مشاريع في 46 دولة إفريقية بـ 387 مشروعا و26 برنامجا بأجمالي وقدره 40113.81 مليون ريال، في مجالات قطاع البنية الاجتماعية، 29مشروعا وبرامج في مجال المياه والصرف الصحي، 39 مشروعاً وبرنامج في مجال التعليم، 34 مشروعا وبرنامج في مجال الصحة، 19 مشروعا وبرنامج في مجال الإسكان والتنمية الحضرية بأجمالي 12531.94 مليون ريال، وإدراكا من مسيري الصندوق لأهمية قطاع النقل والتنقل للأفراد والمنتجات البينية وأهمية هذه المشاريع للنمو الاقتصادي مول الصندوق 143 مشروع وبرنامج (طرق، سكك حديد، موانئ بحرية، مطارات، اتصالات) بمبلغ 11382.12مليون ريال. هذه المشاريع وتعزيزها اجتماعيا وإعلاميا مطلب لتحقيق المردود الإيجابي لهذه العلاقات السعودية الإفريقية، وبما يخدم في النهاية العلاقات العربية الإفريقية. لا يكفي أن أدعم أو أقرض أو أشارك في مشروع تنموي مالي،أرض الواقع الاجتماعي والوطني أكثر حاجة لإيضاح هذه المساعدات بكافة أنواعها، إلزام المنفذ أن يكون اسم المملكة على هذا الطريق أو تلك المستشفى أو مئذنة ذلك المسجد أو المدرسة، أو الجامعة الشغف الإفريقي والحاجة للتعليم لابد أن نستقبله (في إطار المنح الدراسية) في جامعاتنا بالطب والهندسة والعلوم والتخصصات العلمية المتعددة إلى جانب استقطاب طلاب العلم الديني الشرعي وإعادة منهج وطرق الدعوة فحياة المجتمع لا تحتاج فقط إلى تنوير بأمور الدين (وهو من الأهمية بمكان) لكن لخلق جيل يرتبط بهذه الأرض بعد تعليم وتأهيل، كما أدرك مدى اهتمام قيادة بلادي بالقارة الإفريقية ومدى حرصها وتفانيها للدعم الإفريقي وعلى كافة الأصعدة، ولعل أهمية الاجتماع العربي الإفريقي القادم التي ستستضيفه بلادي من الأهمية إقامته بالوقت القريب الخطوة الأهم للاستفادة من المناخ السياسي والوطني الإفريقي تحقيقا للمصالح العليا لكلا الطرفين لنشارك إفريقيا المواطن حلم اليقظة بعيداً عن الأغلال ...
مشاركة :