يجري تدريب النماذج اللغوية الضخمة على كمية هائلة من المواد الرقمية، وعلى هذا فإن نطاق الموضوعات التي يمكنها معالجتها هائل. وتعني هذه التركيبة التي تتألف من إمكانية الوصول والتغطية أن النماذج اللغوية الضخمة تنطوي على مجموعة أوسع كثيرا من التطبيقات المحتملة مقارنة بأي تكنولوجيا رقمية سابقة، بل الأدوات السابقة القائمة على الذكاء الاصطناعي. لقد بدأ بالفعل سباق تطوير مثل هذه التطبيقات المرتبطة بمجموعة واسعة من القطاعات والفئات الوظيفية. فقد أنشأت شركة OpenAI، وهي الشركة التي طورت ChatGPT، واجهة تطبيق لبرمجة التطبيقات API التي تسمح لآخرين ببناء حلول الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم على قاعدة النماذج اللغوية الضخمة، وإضافة البيانات والتدريب المتخصص للاستخدام الذي يستهدفونه بعينه. تقدم لنا دراسة حالة أجراها أخيرا إيريك برينجولفسون الباحث الاقتصادي وزملاؤه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إشارة مبكرة إلى الإمكانات المتاحة فيما يتصل بالإنتاجية. بفضل التوصل إلى إنشاء أداة قائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي مدربة على التسجيلات الصوتية للتفاعلات مع خدمة العملاء ومقاييس الأداء أصبح من الممكن زيادة الإنتاجية بنحو 14 في المائة في المتوسط، قياسا إلى عدد القضايا التي يتم حلها كل ساعة. كان وكلاء خدمة العملاء الأقل خبرة هم الأكثر استفادة من هذه الأداة، وهذا يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي ـ الذي يلخص ويصفي التجربة المتراكمة لنظام بأكمله بمرور الوقت ـ من الممكن أن يساعد العمال على "التحرك مع منحنى التجربة" بسرعة أكبر. وسيكون تأثير "التسوية" هذا في الأرجح سمة شائعة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، خاصة تلك التي تلائم "نموذج المساعد الرقمي". يأتي هذا النموذج في نسخ عديدة، وقد يستفيد من قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي والذكاء المحيط على تتبع وتسجيل النتائج. في حالة الأطباء الذين يفحصون المرضى، أو يقومون بجولات في المستشفى، من الممكن أن تنتج أدوات الذكاء الاصطناعي مسودة أولى للتقارير المطلوبة، التي لن يحتاج الطبيب بعد ذلك إلا إلى تحريرها. وتتفاوت تقديرات توفير الوقت، لكنها جميعها كبيرة للغاية. من المؤكد أن الذكاء الاصطناعي قد يعمل أيضا على تمكين أتمتة "تشغيلها آليا" عدد كبير من المهام والحلول محل العمال البشريين. لكن أدوات الذكاء الاصطناعي هي في الأساس آلات تنبؤ، وهي ترتكب الأخطاء، وتختلق أشياء من الخيال، وتعمل على إدامة التحيزات التي تدربت عليها. وعلى هذا فمن غير المرجح أن تستبعد التطبيقات الحكيمة البشر في أي وقت قريب. لتحقيق إمكانات الذكاء الاصطناعي في تعزيز الإنتاجية، يتعين على صناع السياسات أن يعملوا في مجالات عديدة. بادئ ذي بدء، يعتمد الإبداع، والتجريب، وتطوير التطبيقات على انتشار القدرة على الوصول إلى النماذج اللغوية الضخمة. وربما تنشأ المنافسة الكفيلة بضمان تمكين أكبر عدد ممكن من المستخدمين من الوصول إليها بتكلفة معقولة. لكن بسبب قلة الشركات التي تمتلك القدرة الحاسوبية اللازمة لتدريب النماذج اللغوية الضخمة، يجب أن يظل القائمون على التنظيم يقظين على هذه الجبهة. علاوة على ذلك، يجب أن تتعاون الحكومات مع الصناعة والباحثين لترسيخ مبادئ مقبولة على نطاق واسع للإدارة المسؤولة واستخدام البيانات، وتنفيذ الضوابط التنظيمية لدعم هذه المبادئ. ويعد إيجاد التوازن الصحيح بين الأمن والانفتاح ضرورة أساسية، فلا يجوز أن تكون القواعد تقييدية إلى الحد الذي يجعلها تعوق التجريب والإبداع. أخيرا، يحتاج الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي للوصول إلى قدرة حاسوبية كبيرة لاختبار وتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الجديدة. ستؤدي الاستثمارات الحكومية في أنظمة الحوسبة السحابية إلى تحقيق تقدم طويل الأمد في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات، وستصاحب ذلك فوائد اقتصادية بعيدة المدى. في الواقع، قد تكون الإدارة الفعالة المتطلعة إلى المستقبل لتطوير الذكاء الاصطناعي، إلى جانب الالتزام المتجدد بالتعاون العالمي، المفتاح إلى مستقبل أكثر ازدهارا وشمولية واستدامة. خاص بـ«الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.
مشاركة :