لمياء قرقاش المصورة الوثائقية : وثّقت في لقطاتي الحس الإنساني في الأماكن المهجورة

  • 8/25/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

منذ أيام الطفولة، ظهر فضول تلك الطفلة الإماراتية، للتعرف إلى الأشياء، عندما كانت والدتها تقود السيارة، بينما هي تطارد الأمكنة بناظريها من وراء النافذة، تختلق قصصاً... تراقب البنايات والبيوت القديمة، التي كانت تتفرد في ثقافتها الصحراوية المميزة، كما تصفها، وتؤرشف، في ذاكرة عينيها، صوراً سريعة تحكي نمط حياة اجتماعية مضت، من هذا كله نشأت طفلة كثيرة الاستفسار تحب الرسم والقراءة، وخصوصاً في كتب التاريخ، لكن اهتمامها بالتصوير، كان ثانوياً في تلك الأيام، التي تعارف الناس فيها على أن دراسة مجال تجاري، هو المستقبل، ومع أنها أكملت رسالة الماجستير في التصميم، لكنها حاولت بكل الطرق الخروج من فكرة التصوير، لكن القدر كان يخط لها طريقها فيه، فشعرت بأن شيئاً غريباً يتملّكها لم تستطع التحكم فيه. هي السيدة لمياء قرقاش، مصورة مشاريع أفكار وثائقية، التي استقبلت «سيدتي» في بيتها، وكان لنا معها هذا الحوار الشائق.   حوار | لينا الحوراني Lina Alhorani تصوير | محمد فوزي Mohamed Fawzy مكياج | دلال حبيب آل رضا Dalal Habib Al Redha بدأت لمياء، التي يقتني متحف غوغنهايم للفن في أبوظبي، مجموعة كبيرة من أعمالها، كلامها، بمعلومة غريبة، وهي أنها لم تكن تحب التصوير في طفولتها، وبينما شقيقتها الصغرى هي المسؤولة عن التصوير، بكاميرا البيت، كانت دائماً تواجه بعبارات تطلب إبعادها عن التصوير؛ لأن لقطاتها لم تكن جميلة، حسب تعبير من حولها، وعندما دخلت الجامعة، جمعها القدر بأستاذها الفنان الكويتي طارق الغصين، الذي كان له أثر كبير في توجه الشابة الجامعية، التي كان اهتمامها واضحاً بالرسم، حاولت بكل الطرق تجنب دورات التصوير في الجامعة، لكنها كانت مضطرة للالتحاق بها كي تتمكن من التخرج، في فصلها. تتابع قائلة: «عندما دخلت غرفة التحميض، رأيت العالم بطريقة مختلفة؛ ما دفعني للالتحاق بكل كورسات التصوير في الجامعة، الذي وجدت نفسي فيه... كنت دائماً أحب الفن، لكن لم أتعرف إلى دوري ومكاني فيه، فحاولت الابتعاد مرة ثانية، حتى أخذت الماجستير من جامعة بريطانية، بالغرافيك ديزاين، ثم دفعني المدرس هناك للاستمرار معه في التصوير، بعد أن أثنى على صوري، بطريقة أعادت لي الثقة بما أنجز، كنت لا أتجاوز 25 سنة، أحسست بأنني في موقف لن أتمكن من التراجع عنه، أذكر أنه قال لي: «لو أبدعت في صورة واحدة بين سلسلة تتكون من 35 صورة، فهذا هو النجاح».   في بداياتها، وجهت لمياء عدسة كاميرتها إلى التفاصيل والأطر العامة، من دون أن تعمل على فكرة معينة، حتى توصلت إلى طريقة مختلفة في التصوير بعد الدراسة التوثيقية للحس والتاريخ الإنساني، لكن رحلتها كانت مختلفة؛ حيث تفرعت اتجاهاتها في تلك الفترة، من الرسم إلى الكولاج، وحتى تنفيذ الأفكار، تتابع قائلة: «التصوير في الأستديو، خلال دراستي بلندن كان أسبوعياً مع صديقاتي اللواتي أدعوهن إلى جلساتي، سواء نجحت فكرتي أم لا. المهم أنني أخرجت هذه الطاقة الفنية من داخلي، كنت أريد أن أكون مختلفة، لذلك وجدت صعوبة في بداياتي، التي لم يكن فيها مجال للتهاون أو الرجوع، وأنا ألاحق أناساً لا أعرفهم وأدعوهم إلى جلسة تصوير مجانية».   مع هذا التطور الحاصل، وعندما عادت لمياء إلى الإمارات، التي مشت في ركب التطور، كانت تحمل أول كاميرا خاصة بها، لكنها وجدت بيت الجد الكبير الذي يضم بيوت الأعمام وعائلاتهم، مهجوراً، ولم يدخله أحد منذ 7 سنوات، فدعاها فضولها الفني لدخوله، وتصوير كل زواياه التي كشفت عن الذكريات السعيدة والحزينة والخجولة فيها، فرأت الأشياء بمنظار مختلف، شخبطت على جدرانه وصورت أثاثه وثرياته، تستدرك قائلة: «اللحظات التي رأيتها عندما دخلت البيت كانت ذات وعي أكبر وأعمق؛ لأنها تحكي سرعة المغادرة، وأعتقد أن هذه كانت بدايتي مع تكوين فكرة للتصوير، صرت أصور البيت كل عام، وكلما أعود إليه أجد شيئاً مختلفاً، إلى أن تم هدمه». يبدو من كلام لمياء أنها سافرت في فترة التغيير، التي لم تعش تغيراتها، هي ليست فترة زمنية طويلة، بل سنوات لا تتجاوز العشرين، كان الناس يبحثون فيها عن كل جديد، وهذه هي الفكرة التي تبنتها في مشروعها الأول، كانت تريد التركيز على الجمال بتفاصيله، وتوثيق الحس الإنساني من غير أن يكون الإنسان حاضراً فيه، تعلّق قائلة: «كنت أريد لمن يرى الصور أن يختلق القصص التي دارت في ذلك المكان والزمان». تابعي معنا لقاء مع دينا الشربيني ترى المصورة الفنانة أن أغلب الناس يرون الجمال من نظرة تجارية معينة، فتمر اللحظات من دون أن يشعر بها الآخرون، تتابع قائلة: «الأماكن كانت أكثر حرية وانطلاقاً؛ حيث يتجمع الناس على سجيتهم، لم يكن هناك الإتيكيت الذي تطبعت به تصرفاتنا، والذي كلما تطور وطور معه محور المكان، المجلس مثلاً، انقسم إلى فرع للنساء وآخر للشباب، وهناك أيضاً مجالس للأطفال، حتى طريقة كلامنا مع بعضنا تغيرت، وما بقي هو المكان، لكنه أصبح أكثر خصوصية، وقد وجدت صعوبة بالغة في تصوير المنازل؛ حيث إن التحفظ الشديد أثار انتباهي». تحكي ملامح لوحات لمياء التصويرية، قصة فتاة شديدة الحساسية؛ حيث أنها ترى شيئاً، كما تقول، وتتفاجأ أن رؤية الناس له بمنظار آخر، وهذا ما يرفع درجة حساسيتها، التي جعلت منها فنانة، قادرة على التعبير عن مشاعرها، بالتصوير أكثر من الكلام. كانت ترى أشياء لا يمكن التعبير عنها بالكلمات، لكنها تلامس شعورها، تستطرد قائلة: «لا أصور مكاناً من دون تواصل عاطفي بيني وبينه، كما أنني مصورة تقليدية، ما زلت استخدم الكاميرات القديمة، ومشروعي بطيء جداً يسير عكس التيار، أحب هذه الطريقة التي تفسح لي المجال لأتأمل المكان قبل التقاط الصورة».     تعمل لمياء على مشاريع ذات أفكار بسيطة، وهي تغذي روحها، كما تقول، مثل مشروع دبي/ لندن، الذي تضمن مقارنة بين أسلوبي لباس النساء الإماراتيات في كل من المدينتين، كانت تريد أن تنقل من خلاله أثر المكان في تغيير تعاملنا، من النواحي الخارجية كالملابس، أو حتى الداخلية. لم تكن تريد انتقاد أحد في صورها، هو مجرد مشروع ممتع بالنسبة إليها، تستدرك قائلة: «كنت أضع صورتين مختلفتين قبالة بعضهما، لكنهما تتكلمان عن محور واحد، هذه المشاريع، وهي مدخلي إلى المشاريع الكبيرة». حاولت إتمام دراستها بالسينما، لكن من حولها لم يقتنع بفكرتها، فصارت صورها، كما تقول، سينماتيكية، تأثرت كثيراً بالأفلام، مثل ذلك المشروع الذي أنجزته مع غاليري الخط الثالث، بعنوان الصحوة، الذي وثقت فيه الآثار الإماراتية في مدينة العين، التي جمعت في مكان في المنطقة؛ إذ لا يمكن أن يتصور الإنسان من الخارج أن كل هذه الآثار موجودة في الداخل.     هوية لمياء، التي تعدّ أن دعم أهلها، من خلال شراء أعمالها الفنية، وحضورهم في مناسباتها، هي أجمل هدية، هي التي تجمع بين الأم والفنانة، والزوجة والأخت والصديقة، لكنها كلها أشياء أدت الدور نفسه من ناحية أنها ساعدت على تطور أعمالها ونموها، وهي لا تعد أن هويتها أثرت فيها في توجيه تفكيرها لناحية معينة؛ لأنها امرأة تشعر بأن حياتها كلها فواصل، وكل محطة فيها، جعلتها تتعمق أكثر في أعمالها، وربما كانت المجموعة، التي أطلقت عليها اسم «لا مكان مثل المنزل»، هي ما أرادت من خلالها أن تنقل فكرة ارتباط المشاعر بالمكان. تستطرد قائلة: «غيرت الأمومة أفكاري، لكنها لم تؤثر في طاقتي الإبداعية، فأنا لا أتراجع عن مشاريع جديدة.. الفن بيتي الذي أعطاني الجرأة في إعادة إحياء الأحاسيس من خلال الصور، صحيح أن هناك ترفاً في صوري، لكنه أمر فرضه الواقع المعيش، في السبعينيات، في ذلك الاتجاه الذي تملك الناس من ناحية اختيار الأثاث وطبيعة المعيشة لمواكبة ما حولنا من تطور، كما في صور مجلس جدي، التي قصدت منها توثيق الحس الإنساني، والتغييرات التي حصلت؛ حيث أصبحت جمالية المكان في تخفيف أثاثه، بعكس الماضي، وهذا التغير الثقافي الذي شمل حتى تعاملنا مع الناس، وهو ما أردت نقله في صوري». تتابع: «كما أنني أعد نقل معاناة الناس من خلال التصوير، مجرد عمل انتقادي، قد يطغى على هدفي في نقل تفاصيل جماليات المكان، والابتعاد عن رؤية الأماكن بشكل تجاري، لذلك وثقت الفرق بين الماضي في ملفات تحمل تاريخ 20 سنة.. أشعر بأنني والوقت ضد بعضنا، نحن في حالة تغيير مستمر، فأنا أريد التقاط لحظاته وتوثيقها، لأترك للناس متعة المحافظة على إنسانيتنا الخاصة، التي يحزنني أن أرى جمالياتها تندثر». نقترح عليك قراءة الفنانة التشكيلية والخزفية الإماراتية حصة العجماني     لمياء، التي لا تحب العمل تحت تحكم منظور أي شخص، تشعر بالتعلق والولاء لكل عمل تقوم به وكأنه ولدها، الذي تبرز من خلاله تعبها ومجهودها ونفسيتها وأفكارها، ليست بعيدة عن الساحة الفنية، بل هي غائبة إعلامياً، وآخر مشاركاتها كانت في بينالي الشارقة، وآخر في فينيسيا، وأخيراً في معرض باليابان، نقلته إلى دبي، لكنها، كما تقول انطوائية تحب الفن لنفسها، وهي تحضر الآن لكتاب بحثي عن دراستها ومشاريعها التصويرية، وكتاباتها الملاحظاتية خلال السنوات العشرين الماضية. صورت ضيفتنا التي لا تسير من دون كاميرا، الكثير من المصادفات، التي تمر في لحظات تربطها بالمكان، سواء في بيروت، أو لندن، أو طوكيو، وتنوي الآن التعمق في إبراز معالم الدول العربية والخليجية من خلال التصوير، لنقل الواقع المعيش إنسانياً، وبدت متحمسة لمشروعها القادم في العراق، تستطرد قائلة: «أتذكر أول صورة التقطتها، وكانت بورتريه عميق، لنفسي، أثرت في كثيراً، وساعدتني صديقاتي على التقاطها، وهي عبارة عن تصوير الذات بطريقة مختلفة». تحب المصورة الإماراتية الرسم والعزف على البيانو والكتابة الإبداعية، وهي الآن في طور تعلم العزف على الجيتار، وتحلم بتعلم النحت، وتقود طائرة، فهي إنسانة تريد أن تتعلم كل شيء، لترضي المخلوق الشغوف في داخلها، وهي لا تفضل تقييد الفن في جنس أو عرق أو لون، وتتطرق إلى أثر الفنانين العرب والعالميين كثيراً في مسيرة الفن في الإمارات، وتثمن ذلك الجهد المشترك، الذي يعتمد على أشخاص عدة. تعلّق: «لا أحب أن أضع نفسي في عرقي، فهذا قد يغير في وجهة نظر الآخرين ناحية المشروع الذي أنجزه، وأنصح جميع الفنانين أن يكونوا على طبيعتهم، وصادقين مع أنفسهم، فهذا يؤثر في الناس أكثر، وعليهم أيضاً أن يخرجوا من نطاق الخوف».   نقترح عليك قراءة اللقاء الخاص مع المخرجة التونسية كوثر بن هنية: المخرجون السعوديون لديهم كنز ثمين بين أيديهم منذ أيام الطفولة، ظهر فضول تلك الطفلة الإماراتية، للتعرف إلى الأشياء، عندما كانت والدتها تقود السيارة، بينما هي تطارد الأمكنة بناظريها من وراء النافذة، تختلق قصصاً... تراقب البنايات والبيوت القديمة، التي كانت تتفرد في ثقافتها الصحراوية المميزة، كما تصفها، وتؤرشف، في ذاكرة عينيها، صوراً سريعة تحكي نمط حياة اجتماعية مضت، من هذا كله نشأت طفلة كثيرة الاستفسار تحب الرسم والقراءة، وخصوصاً في كتب التاريخ، لكن اهتمامها بالتصوير، كان ثانوياً في تلك الأيام، التي تعارف الناس فيها على أن دراسة مجال تجاري، هو المستقبل، ومع أنها أكملت رسالة الماجستير في التصميم، لكنها حاولت بكل الطرق الخروج من فكرة التصوير، لكن القدر كان يخط لها طريقها فيه، فشعرت بأن شيئاً غريباً يتملّكها لم تستطع التحكم فيه. هي السيدة لمياء قرقاش، مصورة مشاريع أفكار وثائقية، التي استقبلت «سيدتي» في بيتها، وكان لنا معها هذا الحوار الشائق.   حوار | لينا الحوراني Lina Alhorani تصوير | محمد فوزي Mohamed Fawzy مكياج | دلال حبيب آل رضا Dalal Habib Al Redha لمياء قرقاش المصورة الوثائقية لمياء قرقاش بدأت لمياء، التي يقتني متحف غوغنهايم للفن في أبوظبي، مجموعة كبيرة من أعمالها، كلامها، بمعلومة غريبة، وهي أنها لم تكن تحب التصوير في طفولتها، وبينما شقيقتها الصغرى هي المسؤولة عن التصوير، بكاميرا البيت، كانت دائماً تواجه بعبارات تطلب إبعادها عن التصوير؛ لأن لقطاتها لم تكن جميلة، حسب تعبير من حولها، وعندما دخلت الجامعة، جمعها القدر بأستاذها الفنان الكويتي طارق الغصين، الذي كان له أثر كبير في توجه الشابة الجامعية، التي كان اهتمامها واضحاً بالرسم، حاولت بكل الطرق تجنب دورات التصوير في الجامعة، لكنها كانت مضطرة للالتحاق بها كي تتمكن من التخرج، في فصلها. تتابع قائلة: «عندما دخلت غرفة التحميض، رأيت العالم بطريقة مختلفة؛ ما دفعني للالتحاق بكل كورسات التصوير في الجامعة، الذي وجدت نفسي فيه... كنت دائماً أحب الفن، لكن لم أتعرف إلى دوري ومكاني فيه، فحاولت الابتعاد مرة ثانية، حتى أخذت الماجستير من جامعة بريطانية، بالغرافيك ديزاين، ثم دفعني المدرس هناك للاستمرار معه في التصوير، بعد أن أثنى على صوري، بطريقة أعادت لي الثقة بما أنجز، كنت لا أتجاوز 25 سنة، أحسست بأنني في موقف لن أتمكن من التراجع عنه، أذكر أنه قال لي: «لو أبدعت في صورة واحدة بين سلسلة تتكون من 35 صورة، فهذا هو النجاح».   صور من لمياء قرقاش المصورة الوثائقية   أريد لمن يرى الصور التي ألتقطها أن يختلق القصص التي دارت في ذلك المكان والزمان   لا مجال للرجوع في بداياتها، وجهت لمياء عدسة كاميرتها إلى التفاصيل والأطر العامة، من دون أن تعمل على فكرة معينة، حتى توصلت إلى طريقة مختلفة في التصوير بعد الدراسة التوثيقية للحس والتاريخ الإنساني، لكن رحلتها كانت مختلفة؛ حيث تفرعت اتجاهاتها في تلك الفترة، من الرسم إلى الكولاج، وحتى تنفيذ الأفكار، تتابع قائلة: «التصوير في الأستديو، خلال دراستي بلندن كان أسبوعياً مع صديقاتي اللواتي أدعوهن إلى جلساتي، سواء نجحت فكرتي أم لا. المهم أنني أخرجت هذه الطاقة الفنية من داخلي، كنت أريد أن أكون مختلفة، لذلك وجدت صعوبة في بداياتي، التي لم يكن فيها مجال للتهاون أو الرجوع، وأنا ألاحق أناساً لا أعرفهم وأدعوهم إلى جلسة تصوير مجانية».   صور من لمياء قرقاش المصورة الوثائقية   لحظات وذكريات مع هذا التطور الحاصل، وعندما عادت لمياء إلى الإمارات، التي مشت في ركب التطور، كانت تحمل أول كاميرا خاصة بها، لكنها وجدت بيت الجد الكبير الذي يضم بيوت الأعمام وعائلاتهم، مهجوراً، ولم يدخله أحد منذ 7 سنوات، فدعاها فضولها الفني لدخوله، وتصوير كل زواياه التي كشفت عن الذكريات السعيدة والحزينة والخجولة فيها، فرأت الأشياء بمنظار مختلف، شخبطت على جدرانه وصورت أثاثه وثرياته، تستدرك قائلة: «اللحظات التي رأيتها عندما دخلت البيت كانت ذات وعي أكبر وأعمق؛ لأنها تحكي سرعة المغادرة، وأعتقد أن هذه كانت بدايتي مع تكوين فكرة للتصوير، صرت أصور البيت كل عام، وكلما أعود إليه أجد شيئاً مختلفاً، إلى أن تم هدمه». يبدو من كلام لمياء أنها سافرت في فترة التغيير، التي لم تعش تغيراتها، هي ليست فترة زمنية طويلة، بل سنوات لا تتجاوز العشرين، كان الناس يبحثون فيها عن كل جديد، وهذه هي الفكرة التي تبنتها في مشروعها الأول، كانت تريد التركيز على الجمال بتفاصيله، وتوثيق الحس الإنساني من غير أن يكون الإنسان حاضراً فيه، تعلّق قائلة: «كنت أريد لمن يرى الصور أن يختلق القصص التي دارت في ذلك المكان والزمان». تابعي معنا لقاء مع دينا الشربيني   أغلب الناس يرون الجمال من نظرة تجارية، فتمر اللحظات من دون أن يشعروا بها   التعبير بالصور ترى المصورة الفنانة أن أغلب الناس يرون الجمال من نظرة تجارية معينة، فتمر اللحظات من دون أن يشعر بها الآخرون، تتابع قائلة: «الأماكن كانت أكثر حرية وانطلاقاً؛ حيث يتجمع الناس على سجيتهم، لم يكن هناك الإتيكيت الذي تطبعت به تصرفاتنا، والذي كلما تطور وطور معه محور المكان، المجلس مثلاً، انقسم إلى فرع للنساء وآخر للشباب، وهناك أيضاً مجالس للأطفال، حتى طريقة كلامنا مع بعضنا تغيرت، وما بقي هو المكان، لكنه أصبح أكثر خصوصية، وقد وجدت صعوبة بالغة في تصوير المنازل؛ حيث إن التحفظ الشديد أثار انتباهي». تحكي ملامح لوحات لمياء التصويرية، قصة فتاة شديدة الحساسية؛ حيث أنها ترى شيئاً، كما تقول، وتتفاجأ أن رؤية الناس له بمنظار آخر، وهذا ما يرفع درجة حساسيتها، التي جعلت منها فنانة، قادرة على التعبير عن مشاعرها، بالتصوير أكثر من الكلام. كانت ترى أشياء لا يمكن التعبير عنها بالكلمات، لكنها تلامس شعورها، تستطرد قائلة: «لا أصور مكاناً من دون تواصل عاطفي بيني وبينه، كما أنني مصورة تقليدية، ما زلت استخدم الكاميرات القديمة، ومشروعي بطيء جداً يسير عكس التيار، أحب هذه الطريقة التي تفسح لي المجال لأتأمل المكان قبل التقاط الصورة».   صور من لمياء قرقاش المصورة الوثائقية   مدخلي إلى المشاريع الكبيرة   تعمل لمياء على مشاريع ذات أفكار بسيطة، وهي تغذي روحها، كما تقول، مثل مشروع دبي/ لندن، الذي تضمن مقارنة بين أسلوبي لباس النساء الإماراتيات في كل من المدينتين، كانت تريد أن تنقل من خلاله أثر المكان في تغيير تعاملنا، من النواحي الخارجية كالملابس، أو حتى الداخلية. لم تكن تريد انتقاد أحد في صورها، هو مجرد مشروع ممتع بالنسبة إليها، تستدرك قائلة: «كنت أضع صورتين مختلفتين قبالة بعضهما، لكنهما تتكلمان عن محور واحد، هذه المشاريع، وهي مدخلي إلى المشاريع الكبيرة». حاولت إتمام دراستها بالسينما، لكن من حولها لم يقتنع بفكرتها، فصارت صورها، كما تقول، سينماتيكية، تأثرت كثيراً بالأفلام، مثل ذلك المشروع الذي أنجزته مع غاليري الخط الثالث، بعنوان الصحوة، الذي وثقت فيه الآثار الإماراتية في مدينة العين، التي جمعت في مكان في المنطقة؛ إذ لا يمكن أن يتصور الإنسان من الخارج أن كل هذه الآثار موجودة في الداخل.   صور من لمياء قرقاش المصورة الوثائقية   إعادة إحياء الأحاسيس   هوية لمياء، التي تعدّ أن دعم أهلها، من خلال شراء أعمالها الفنية، وحضورهم في مناسباتها، هي أجمل هدية، هي التي تجمع بين الأم والفنانة، والزوجة والأخت والصديقة، لكنها كلها أشياء أدت الدور نفسه من ناحية أنها ساعدت على تطور أعمالها ونموها، وهي لا تعد أن هويتها أثرت فيها في توجيه تفكيرها لناحية معينة؛ لأنها امرأة تشعر بأن حياتها كلها فواصل، وكل محطة فيها، جعلتها تتعمق أكثر في أعمالها، وربما كانت المجموعة، التي أطلقت عليها اسم «لا مكان مثل المنزل»، هي ما أرادت من خلالها أن تنقل فكرة ارتباط المشاعر بالمكان. تستطرد قائلة: «غيرت الأمومة أفكاري، لكنها لم تؤثر في طاقتي الإبداعية، فأنا لا أتراجع عن مشاريع جديدة.. الفن بيتي الذي أعطاني الجرأة في إعادة إحياء الأحاسيس من خلال الصور، صحيح أن هناك ترفاً في صوري، لكنه أمر فرضه الواقع المعيش، في السبعينيات، في ذلك الاتجاه الذي تملك الناس من ناحية اختيار الأثاث وطبيعة المعيشة لمواكبة ما حولنا من تطور، كما في صور مجلس جدي، التي قصدت منها توثيق الحس الإنساني، والتغييرات التي حصلت؛ حيث أصبحت جمالية المكان في تخفيف أثاثه، بعكس الماضي، وهذا التغير الثقافي الذي شمل حتى تعاملنا مع الناس، وهو ما أردت نقله في صوري». تتابع: «كما أنني أعد نقل معاناة الناس من خلال التصوير، مجرد عمل انتقادي، قد يطغى على هدفي في نقل تفاصيل جماليات المكان، والابتعاد عن رؤية الأماكن بشكل تجاري، لذلك وثقت الفرق بين الماضي في ملفات تحمل تاريخ 20 سنة.. أشعر بأنني والوقت ضد بعضنا، نحن في حالة تغيير مستمر، فأنا أريد التقاط لحظاته وتوثيقها، لأترك للناس متعة المحافظة على إنسانيتنا الخاصة، التي يحزنني أن أرى جمالياتها تندثر». نقترح عليك قراءة الفنانة التشكيلية والخزفية الإماراتية حصة العجماني   صور من لمياء قرقاش المصورة الوثائقية   تصوير الذات بطريقة مختلفة   لمياء، التي لا تحب العمل تحت تحكم منظور أي شخص، تشعر بالتعلق والولاء لكل عمل تقوم به وكأنه ولدها، الذي تبرز من خلاله تعبها ومجهودها ونفسيتها وأفكارها، ليست بعيدة عن الساحة الفنية، بل هي غائبة إعلامياً، وآخر مشاركاتها كانت في بينالي الشارقة، وآخر في فينيسيا، وأخيراً في معرض باليابان، نقلته إلى دبي، لكنها، كما تقول انطوائية تحب الفن لنفسها، وهي تحضر الآن لكتاب بحثي عن دراستها ومشاريعها التصويرية، وكتاباتها الملاحظاتية خلال السنوات العشرين الماضية. صورت ضيفتنا التي لا تسير من دون كاميرا، الكثير من المصادفات، التي تمر في لحظات تربطها بالمكان، سواء في بيروت، أو لندن، أو طوكيو، وتنوي الآن التعمق في إبراز معالم الدول العربية والخليجية من خلال التصوير، لنقل الواقع المعيش إنسانياً، وبدت متحمسة لمشروعها القادم في العراق، تستطرد قائلة: «أتذكر أول صورة التقطتها، وكانت بورتريه عميق، لنفسي، أثرت في كثيراً، وساعدتني صديقاتي على التقاطها، وهي عبارة عن تصوير الذات بطريقة مختلفة». تحب المصورة الإماراتية الرسم والعزف على البيانو والكتابة الإبداعية، وهي الآن في طور تعلم العزف على الجيتار، وتحلم بتعلم النحت، وتقود طائرة، فهي إنسانة تريد أن تتعلم كل شيء، لترضي المخلوق الشغوف في داخلها، وهي لا تفضل تقييد الفن في جنس أو عرق أو لون، وتتطرق إلى أثر الفنانين العرب والعالميين كثيراً في مسيرة الفن في الإمارات، وتثمن ذلك الجهد المشترك، الذي يعتمد على أشخاص عدة. تعلّق: «لا أحب أن أضع نفسي في عرقي، فهذا قد يغير في وجهة نظر الآخرين ناحية المشروع الذي أنجزه، وأنصح جميع الفنانين أن يكونوا على طبيعتهم، وصادقين مع أنفسهم، فهذا يؤثر في الناس أكثر، وعليهم أيضاً أن يخرجوا من نطاق الخوف».   لمياء قرقاش المصورة الوثائقية قفطان من بامبا Bambah نقترح عليك قراءة اللقاء الخاص مع المخرجة التونسية كوثر بن هنية: المخرجون السعوديون لديهم كنز ثمين بين أيديهم

مشاركة :