ليس مستغربا أن يتحدث الاقتصاديون عن أهمية الديون في تحفيز الاستثمارات بالنسبة إلى الحكومات والشركات وكذلك الأفراد أو ما يعرف بقطاع الأسرة، إلا أن الإفراط في الديون على المستويات السابقة نفسها للحكومات أو الشركات أو قطاع الأسرة له تأثير سلبي في آفاق النمو ويؤثر في استقرار النظام المالي والمصرفي إذا ما تجاوز الحدود الآمنة للدخل. ويرى الاقتصاديون أن الديون المفرطة وذات الأجل الطويل في وقت الرخاء الاقتصادي فخ محتمل، فالنظام العالم مترابط وأي مصاعب مالية أو أزمات عالمية قد تداهم الاقتصاد المحلي، وبالتالي تزيد من الصعوبات الاقتصادية على المقترضين بشكل مفرط، وفي الوقت نفسه يحرم الاقتصاد من النمو المحتمل المعروف بالمزاحمة، بمعنى آخر الدين عندما يكون مرتفعا يتعين على المستهلكين والشركات تحويل جزء من دخلهم لدفع الفوائد، وبالتالي تقل قدرة الأفراد على الادخار والاستهلاك والاستثمار على نحو مشابه للدول الهشة التي تستدين ولا تملك دخلا وطنيا يسد تلك الديون وينشأ ما يعرف بضعف القدرة على تحمل الديون، وفي الأغلب له تأثير سلبي في الاستقرار المالي. إذا ما تخيلنا أن الوضع السليم والصحي من المنظور الاقتصادي للديون فإنها عبارة عن مثلث مكون من الدخل ونسبة الدين إلى الدخل ووجود سيولة كافية في النظام المصرفي أو المالي، ويمكن التعبير عنها بنسبة الدين إلى الدخل أو نسبة عبء الديون، ما يهمنا هنا هي نسبة الدين إلى الدخل، كلما ارتفعت نسبة الديون زادت الضغوط المالية وتراجع معها الإنفاق الاجتماعي، أما في الدول الفقيرة فيؤدي للحد من قدرة الحكومات على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، كما أن الدول الناشئة التي يتجاوز فيها الدين الحدود الآمنة تفشل في امتصاص الصدمات الاقتصادية العابرة للدول ولا تستطيع توفير سيولة كافية للأسر والشركات المتضررة وتتراجع البنية التحتية لنقص التمويل. بالانتقال إلى ديون الأفراد، فإنDebt Burden Ratio عبء الديون ويعرف بين المصرفيين DBR أو ما يعرف بنسبة الاستقطاع، يميل الاقتصاديون إلى خفض نسبته، أي نسبة الدين إلى الدخل في مقابل أن المصرفيين والمضاربين والمختصين في الاستثمار لا يهتمون بهذه النسبة، لأنها تحقق لهم الأرباح في زمن قصير، ولا سيما المصارف والشركات التي تسعى إلى تحقيق أرباح ربعية دون اعتبار لحال وسلامة واستدامة الاقتصاد على المدى الطويل. على المدى القصير، من المرجح أن تؤدي زيادة ديون الأسر إلى تعزيز النمو الاقتصادي، لكن في غضون خمسة أعوام تنعكس تلك التأثيرات، ولهذا يمكننا التوقف في منتصف الطريق للموازنة بين منافع الديون وأخطارها من خلال البنوك المركزية، أي إلزام المصارف بسياسات تمنع تخطي نسبة عبء الديون للأفراد والشركات عن معدلات معينة. بمعنى آخر: تخفيف أخطار الديون على الاقتصاد عبر تقليص فجوة تفاوت الدخل والديون للأفراد وتحديد حدود آمنة، مثل: ألا تتخطى نسبة الدين 33 في المائة من إجمالي الدخل بما في ذلك القروض العقارية... يتبع.
مشاركة :