أنسنة مدن أم خربشة فوتوشوب؟!

  • 8/26/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أطالع بين الحين والآخر معالجات عمرانية للأحياء السكنية مقرونة بصور جميلة تبدو فيها نماذج مصورة لحلول الحركة المرورية، والمشاة، والكثافات السكانية بشكل يتماهى مع البيئة الطبيعية. هذه المعالجات هي حلول مستدامة -كما يقولون- أو وصفة علاج مستقبلي تضع بصمتها باستخدام مبادئ تصميم الأحياء السكنية ضمن إطار أنسنة المدن. هذه الأنسنة التي لازال البعض يختزلها في رصيف مشاة، وشجرة، ونوافير، وقنوات مائية لتلطيف حرارة الجو ليكتمل حينها العقد الفريد بمسارات الدراجات ومحطات توقف الحافلات. غالبا ما تقترن هذه المشاهد بصورة للموقع العام قبل تطوير الحي السكني وبعد التطوير؛ ويحرص المصمم على إرفاق مشهد للفضاء الثلاثي الأبعاد إذ ليس من سمع كمن رأى. تشاهد الإبداع حين يتحول الشارع بضغطة زر من شارع أسفلتي أسود كئيب اللون إلى مسار مشاة مرصوف بالحجر الطبيعي المصمم على شكل حروف سداسية صغيرة الحجم تتشكل منها أسطح ذات ملمس استثنائي. ترتب هذه الأحجار بأشكال غير منتظمة فوق طبقة سفلية رملية تسمح بامتصاص الرطوبة وتعكس أشعة الشمس الحارقة وهكذا نكون قد وضعنا حلا لمشكلة الأجواء الحارة. أما المعالجات البيئية الأخرى فالحل موجود خلال ضغطة زر أيضا إذ يتم مسح التشوهات البصرية بأداة الممحاة، وتتحول جوانب الطريق إلى غابات كثيفة التشجير بأشجار ظل شبيهة بتلك التي نشاهدها في جنوب أفريقيا. في حين تنتشر على جانبي مسار المشاة أعمدة إنارة إنسانية بأشكال مضلعة ومخروطية على الطراز الحديث باستخدام ضوء LED مدمج، له كفاءة عالية في استخدام الطاقة البديلة. أما واجهات المحلات التجارية على جانبي الطريق فقد تحولت بقدرة قادر إلى واجهات مستوحاة من العمارة البيزنطية. ولا ينسى رسام الفوتوشوب -عفوا أقصد المصمم العمراني- إضافة بعض اللمسات الجميلة التي تسحر الألباب وذلك بعمل مشهد بانورامي للحي السكني في وقت النهار واستيراد نفس الغيوم والطيور والسماء الزرقاء أيضا من جزيرة موريشيوس. وتزداد جرأة الإبداع في التصميم عندما يقوم المصمم -ربما عن غير قصد- بإدراج صور لفتيات ترتدي رداء السباحة لتكتمل صرخات الجمال في خيال المصمم الذي اختزل ثقافة المجتمع في شيء من التبليط والنفخ والتجميل؛ ليبشرنا في النهاية وبكل ثقة قائلا وجدتها هذه هي أنسنه المدن. في الواقع، ليس بالضرورة أن تدرس مبادئ التصميم العمراني أو تحصل على شهادة في علوم العمران كما يروجون، ففي عصر المهارة والجرأة والفهلوة المهم أن تتعلم مهارات الرسم واستخدام برامج القص والتلوين واستيراد الصور من الألبومات لتكون مبدعا خلاقا يصفق لك الجميع. مفهوم التصميم العمراني لديهم لا يتجاوز رقصة الأصابع أو خربشة في مسرح التلوين والخبط واللزق أو إثارة جمالية مليئة بالمكياج والأصباغ الحمراء والخضراء بلا جوهر أو مضمون. أنسنة المدن يا سادة ليست في وضع مساحيق التجميل لدفن التشوهات البصرية ولا في وضع الأشجار والحدائق الغناء في أحيائنا السكنية؛ بل هي رسالة جوهر ومضمون. إن التصاميم الإبداعية لمدننا يجب أن تتماشى مع مستهدفات الرؤية الوطنية 2030 الرامية لتحسين جودة الحياة وخلق فرص عمل والارتقاء بجودة التعليم، والصحة، والإسكان. أنسنة المدن هي أن نحول مدننا لتكون أكثر ملاءمة لحياة الإنسان من خلال تسخير البيئة العمرانية بشكل يتماشى مع موارد المدينة وصولا لخدمة الإنسان ليكون قادرا على الإبداع والاستمتاع بشكل يتوافق مع متطلبات المعيشة الاقتصادية وينسجم مع ثقافتنا المحلية. waleed_zm@

مشاركة :