العديد من أفلام الخيال العلمي بعيدة كل البعد عن العلم ومفرطة كل الإفراط في الخيال، فالكثير منها يحتل جانباً كبيراً مما تنتجه استوديوهات هوليوود سنوياً، على الرغم من تغير الحال كثيراً، خلال الأعوام الأخيرة، فوجدنا مخرجين عالميين مثل كريستوفر نولان يستعين بعلماء متخصصين للالتزام بالنظريات العلمية الصحيحة، ولذا خرج إلينا بفيلمه Interstellar ليجسد النظرية النسبية على شاشة السينما ويجسد المفاهيم العلمية كالأبعاد والزمكان والثقوب السوداء والأنفاق الدودية والجاذبية وغيرها. لكن لو ألقينا جولة على الأفلام التي تعرضت للخيال العلمي في هوليوود وتشكل الجزء الأكبر من إيراداتها، لوجدنا فيها الكثير من الخيال والقليل من العلم، إذ اهتمت بالحبكة الدرامية والإبهار على حساب الحقائق العلمية. في هذه الأفلام، يظهر صناع الفيلم وكأنهم مستعدون لأن يلقوا بالحقيقة العلمية جانباً، إذا تعارض الأمر مع حبكة قصتهم وإبهار مؤثراتهم الخاصة التي يكون لها الفضل في جذب الجمهور إلى قاعات السينما، لكن لا يعلم هؤلاء أن عدم الالتزام بالدقة العلمية هو سبب في فقدان الفيلم لكثير من الإبهار الذي يتمتع به، بل وتفقد الصورة كثيراً من التفاصيل التي طالما أعجب بها الجمهور بها وشكلت وعيه. وتُبنى حبكة أفلام الخيال القائمة بشأن الفضاء، على فكرة بسيطة تصل إلى حد السذاجة المفرطة أحياناً، فعلى الرغم من أن الفضاء الخارجي مملوء بالعجائب والألغاز، فإن السينما تأخذ دوماً منحى بعيداً عن محاولة عرض أو تفسير العديد من تلك الظواهر، فحتى الآن لا يوجد من تكلم تقريباً عن المخلوقات التي تعيش على الشموس الميتة، أو تلك التي تستوطن حواف الثقوب السوداء الهائلة، والتي ظهرت في العديد من الأفلام. كذلك، فإن الكواكب في تلك الأفلام تكون بسيطة، ففي سلسلة حرب النجوم Star Wars مثلاً، نجد أن هناك نظاماً بيئياً واحداً يسيطر على الكوكب بالكامل، فإما أنه مغطى بكامله بالثلوج أو مغطى بكامله بالرمال، وبجانب تلك الأحادية، علينا أن نقتنع دوماً أن هناك كائنات ما تستطيع العيش في تلك البيئة الفريدة، بدلاً من وجود أرض قاحلة في المركز وثلوج عند الأطراف. وفي الفضاء أيضاً لا يمكن لأحد أن يسمع صرختك، فالصوت يحتاج إلى وسط مادي كي ينتقل فيه، فالصوت الذي نسمعه في حياتنا، هو في حقيقته موجات تضاغط وتخلخل لجزيئات الهواء الذي ينتقل فيه، وبالتالي تختلف الحال في الفضاء حيث لا يوجد إلا الفراغ. ومن المعلوم أن القيادة في الفضاء ليست بالسهولة التي نمارسها على الأرض، فطائراتنا الأرضية العادية، يكفي أن نحدث انحناءة قليلة لأجنحتها وذيلها، حتى تغير اتجاهها بفعل قوة دفع الهواء. هذه الحقيقة العلمية البسيطة لا تعمل في الفضاء، لأنه بكل بساطة لا يحتوي على الهواء. لذا فحتى تغير المركبة الفضائية اتجاهها في الفضاء، فإن عليها إطلاق صاروخ في الاتجاه المضاد للحصول على قوة دفع، وهذا بالطبع يختلف عما نراه على شاشة السينما، فالتجول بالمركبات الفضائية، وإشعال الحروب والمراوغة يبدو شيئاً عادياً وطبيعياً في السينما، ولا يتطلب ذلك بالطبع أن نضيع الوقت والمجهود في إطلاق الصواريخ هنا وهناك لمجرد تغيير الاتجاه. أما عن الانفجارات في الفضاء، فكل أفلام الخيال العلمي تقريباً وقعت في الخطأ بخصوصه، فعند حدوث انفجار ما في الفضاء، فإننا لن نحصل بأي حال من الأحوال على ذلك القدر الهائل من الحريق التي ستمتلأ به الشاشة أمامنا، لأن الاشتعال يتطلب الأكسجين وهو غير موجود في الفضاء، كما أنه من المفترض ألا يوجد صوت للانفجار كهذا الذي يصم آذاننا على الشاشة. وفي فيلم قاهرو الغزاة (Starship Troopers)، الذي أنتج في العام 1997، انفجرت المركبات الفضائية المحلقة حول كهف الحشرة العملاقة على الكوكب الغريب مخلفة وراءها حريقاً هائلاً وصوتاً مدوياً. وفي الفضاء كذلك ينبغي ألا نرى شعاع الليزر، الذي تسير فوتوناته في اتجاه واحد إلى الأمام، وبلا تشتت، لذا فنحن لا نستطيع أن نميزه أو نراه في الوقت الذي نرى فيه الشعاع يخرج من المركبة الفضائية متجهاً إلى مركبة العدو ومدمراً إياها إن لم تنجح في الإفلات منه. كل هذا محض خيال للأسف، فنحن في الحقيقة لا نستطيع أن نرى سوى بقعة ضوء الليزر حين تسقط على هدفها. ولا شك أننا كلنا شاهدنا في سلسلة رحلة الفضاء ستارتريك (Star Trek)، كيف كانت سفن الفضاء التي تبعد مئات السنوات الضوئية عن بعضها البعض تتصل معاً بواسطة موجات لاسلكية، وكذلك الحال في فيلم كبريكورن وان (Capricorn One)، الذي أنتج عام 1978، حيث كان رائد الفضاء على المريخ يستطيع التحدث وبكل سهولة مع والدته على كوكب الأرض، علماً بأن الموجات اللاسلكية تستغرق في الحقيقة نحو 20 دقيقة حتى تصل من المريخ إلى الأرض والعكس، ما يجعل هناك فترات انقطاع طويلة بين طرفي الحوار لانتظار الرد، وليس كما يوحي الفيلم بأن والدة البطل تتحدث معه من الغرفة المجاورة. وفي أفلام الخيال العلمي، التي تتناول الفضاء، نجد أن الوجود على متن مركبة أو على سطح كوكب ما، لن يختلف عما يكون عليه الإنسان على سطح الأرض، ففي هذه الأفلام تكون الجاذبية موجودة في جميع الحالات، ويتحرك البطل بكل سهولة، وهكذا كانت الحال مع السفينة الأم في ستارتريك، وكذلك سار أرنولد شوارزنيجر على كوكب المريخ بكل بساطة في فيلم الارتجاع الكلي (Total Recall)، عام 1990، ودون أن تعوقه اختلاف الجاذبية بين الكوكبين، وهو ما يخالف الحقائق العلمية تماماً. كل ما سبق كان حقائق علمية ترضي العلماء بالتأكيد، لأنهم عقلانيون ويتحدثون بالحقائق العلمية، إلا أن المتفرجين يريدون الإبهار والانفعال، ولذا يظل المشاهد في أفلام الخيال اللاعلمي هو الهدف في النهاية، حيث الإبهار هو السر، والمتعة هي السلعة، أما المشاهد الذي يريد معرفة علمية صحيحة، فربما عليه أن يقتطع جزءاً من وقته للذهاب إلى مكان آخر غير السينما. أصوات المحركات في فيلمه أوديسا الفضاء - 2001 الذي أنتج في عام 1968، حافظ المخرج الراحل ستانلي كيوبريك، الذي شارك في كتابة الفيلم بنفسه، على تلك الحقيقة العلمية البسيطة، لذا فقد كانت سفينته الفضائية ديسكفري وان تتجول دوماً في الفضاء بلا صوت مسموع، ولا ضوضاء مزعجة، ولأن كيو بريك هو منتج الفيلم، فكان يسيراً عليه تنفيذ ما يراه. إلا أن الراحل جين رودينبيري مبتكر السلسلة التلفزيونية ستار تريك في حقبة الستينات، وأحد من أسسوا ثقافة أفلام الخيال العلمي في الثقافة الشعبية وصنع قاعدة ضخمة من المغرمين بها، لم تكن تتوافر لديه مثل تلك الرفاهية، فواجه رودينبيري معارضة وضغط شديدين من منفذي سلسلته أجبرته على إضافة صوت لمحركات مركباته الفضائية. كذلك أفلام كثيرة، منها سلسلة حرب النجوم التي أنتجت في عام 1977، ومفقود في الفضاء (Lost in Space) الذي أنتج في عام 1998، نجد أن محركات مركباتها تزأر كلما تم عرضها.
مشاركة :