لندن - في القمة الأخيرة لتجمّع بريكس بمدينة جوهانسبرغ الجنوب أفريقية في الأسبوع الماضي قررت الدول الخمس الأعضاء دعوة 6 دول أخرى للانضمام إلى التجمع. ولا يبدو أن ضم الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى التجمع الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، سيكون نهاية المطاف بالنسبة إليه، خاصة مع وجود 16 دولة أخرى قدمت طلبات رسمية للانضمام إليه. وبحسب قمة جوهانسبرغ فإن ضم الدول الست يمثل مرحلة أولى من توسيع أكبر لعضوية بريكس بهدف منح الدول النامية نصيبا أكبر في صناعة القرار العالمي. وفي مقالة افتتاحية قالت وكالة بلومبرغ للأنباء إن التجمع الجديد المكون من 11 دولة لن يجد التوفيق بين مصالح وسياسات الدول الأعضاء أقل صعوبة مما واجهه التجمع وهو يضم 5 دول فقط. والاحتمال الأكبر أن يؤدي توسيع بريكس إلى زيادة صعوبة التنسيق بين مواقف الأعضاء. معنى هذا أن إعلان ضم الأعضاء الجدد أقل أهمية مما يتم محاولة الإيحاء به. ◙ الاحتمال الأكبر أن يؤدي توسيع بريكس إلى زيادة صعوبة التنسيق بين مواقف الأعضاء. معنى هذا أن إعلان ضم الأعضاء الجدد أقل أهمية مما يتم محاولة الإيحاء به ورغم ذلك من الصعب تجاهل ما حدث. فالتجمع بتشكيلته الجديدة يمكن أن يضعف قنوات التواصل الدولي القائمة في الوقت الذي يحتاج فيه العالم إلى تحرك جماعي لمواجهة المخاطر التي لم يواجهها العالم من قبل. فالرغبة المتزايدة من جانب دول العالم لإيجاد بديل للنظام العالمي السائد حاليا هو تطور مهم في حد ذاته ويمثل فشلا للقيادة الأميركية للعالم. وبحسب افتتاحية بلومبرغ فإن الصين، وهي المهندس الرئيسي والمؤيد الدائم لتوسيع التجمع، ترى فيه وسيلة لممارسة قيادتها الاقتصادية والجيوسياسية على المسرح العالمي. كما أن روسيا التي تبحث عن شركاء اقتصاديين جدد وتخفيف كلفة حربها في أوكرانيا، متحمسة أيضا لضم دول جديدة إلى بريكس. ورغم أن الدول الأخرى الأعضاء في بريكس كانت متشككة في البداية ولا ترغب في رؤية التجمع يناوئ بشدة الولايات المتحدة وشركاءها في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، فإنها وافقت على توسيع التجمع بغض النظر عن ذلك. ورغم كل التباينات بين دول بريكس الـ11 فإنها تتفق بوضوح على أن القواعد والمؤسسات العالمية الحالية لا تخدم مصالحها بالطريقة الصحيحة. وفي أفضل الأحوال فإن احتمالات تحقيق التجمع لنتائج إيجابية تظل محدودة. ففي عام 2016 أسست الدول الأعضاء آلية مشتركة للسيولة المالية، تسمح لها بإقراض بعضها البعض في حالات الطوارئ، وتقديم بديل لصندوق النقد الدولي. كما أسست بنك التنمية الجديد على غرار البنك الدولي. ومولت الصين برامج للبنية التحتية في الدول الأعضاء ودول نامية أخرى كجزء من مبادرة الحزام والطريق. وتأمل الدول الأعضاء في تطوير ترتيبات تجارية جديدة خارج نطاق منظمة التجارة العالمية. كما تتحدث هذه الدول أيضا عن إطلاق عملة جديدة تحررها بدرجة ما من سيطرة الدولار الأميركي. وترى بلومبرغ أن تجمع بريكس لم يحقق حتى الآن شيئا مهما على صعيد دعم الاستقرار وزيادة القدرات الاقتصادية للدول الأعضاء. في المقابل فإن إضعاف المؤسسات الدولية القائمة سيجعل التعاون متعدد الأطراف الحقيقي أشد صعوبة. ◙ الصين، المهندس الرئيسي والمؤيد الدائم لتوسيع بريكس، ترى فيه وسيلة لممارسة قيادتها الاقتصادية على المسرح العالمي. كما أن روسيا تبحث عن شركاء اقتصاديين جدد وتعترف وكالة بلومبرغ بأن السخط على المؤسسات الدولية والقيادة الأميركية للعالم له ما يبرره. وليس من قبيل المصادفة أن يتزامن وصول أعضاء بريكس إلى 11 دولة، مع ابتعاد الولايات المتحدة عن القيادة الاقتصادية للعالم، والذي تسارع في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب وتأكد في عهد خلفيته الرئيس جو بايدن. ويفقد صندوق النقد والبنك الدوليان بوصلتيهما بصورة متزايدة، كما أصبحت منظمة التجارة العالمية شبه ميتة، بعد أن عرقلت الولايات المتحدة عملها بدرجة كبيرة. كما أن المبدأ الحاكم للسياسة الأميركية لم يعد “الرخاء العالمي” وإنما “صنع في أميركا”. لذلك يمكن التسامح مع رغبة الاقتصادات الناشئة في إيجاد بدائل للنظام العالمي الذي يبدو أنه يضع مصالحها في المرتبة الأخيرة. والمأساة أن هذا الانقسام العالمي يأتي في أسوأ وقت ممكن. فأسعار الفائدة المرتفعة تزيد الضغوط المالية التي تواجهها الكثير من الدول ذات الدخل المنخفض أو المتوسط. وإذا حدثت أزمة ديون عالمية جديدة، فلن يمكن محاصرتها في نطاق ضيق. كما أن كلفة التغير المناخي تتزايد، وجهود دول بريكس لمواجهة هذا التحدي ستكون حيوية سواء الآن أو في المستقبل. فهذه التحديات حتمية وتحتاج إلى تعاون عالمي لمواجهتها. ومعنى هذا أن تفكك النظام العالمي متعدد الأطراف حاليا أمر بالغ الخطورة. وعلى الولايات المتحدة وشركائها التحرك بشكل عاجل لإصلاح هذا النظام، مدفوعين بالقلق من تداعيات توسيع تجمع بريكس.
مشاركة :