طرابلس - أثار مقتل قائد المجموعة العسكرية الروسية الخاص "فاغنر" يفغيني بريغوجين في تحطم طائرة عدة تساؤلات بشأن مستقبل عناصر الشركة في عدة دول أفريقية من بينها ليبيا التي تمثل ثاني الدول العربية التي ينتشر فيها المرتزقة الروس بعد سوريا. وينشط عناصر"فاغنر" في ليبيا حاليا ما بين مدينتي سرت ويتمركزون في قاعدة القرضابية الجوية ومينائها البحري، بالإضافة إلى قاعدة الجفرة الجوية وتمددوا إلى الجنوب الغربي حيث تمركزوا في قاعدة براك الشاطئ الجوية (700 كلم جنوب طرابلس). وشاركت الشركة الأمنية "فاغنر" في العدوان الذي نفذته قوات الشرق بقيادة خليفة حفتر على العاصمة طرابلس في أبريل/نيسان 2019 وتسبب انسحابها آنذاك من جبهات القتال نهاية مايو/أيار 2020 في انهيار قوات شرق ليبيا وتراجعت إلى جبهة سرت الجفرة. ورغم المطالبات المتكررة من الفرقاء الليبيين وكذلك لجنة "5+5" العسكرية بإخراج المرتزقة الأجانب وعلى رأسهم "فاغنر" من بلادهم، إلا أن ذلك لم يتحقق على أرض الواقع. وأعلن الجيش الليبي التابع لرئاسة الأركان في المنطقة الغربية عدة مرات رصد تحركات لمرتزقة "فاغنر" في قاعدتي سرت والجفرة الجويتين. وقبل يوم واحد من تحطم الطائرة التي كان قائد "فاغنر" على متنها زار نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف مدينة بنغازي والتقى حفتر وفق بيان مقتضب نشرته قوات الشرق الليبي. ويرى مراقبون ليبيون أن الزيارة عززت فرضية أن موسكو بدأت فعليا في إرسال رسائل طمأنة لكل الحلفاء بأن "فاغنر" سيكونون تحت رقابة موسكو. وفي هذا الصدد قال الخبير العسكري الليبي عادل عبدالكافي للأناضول إن زيارة نائب وزير الدفاع الروسي إلى بنغازي "جاءت في إطار نقل الأوامر من وزارة الدفاع الروسية لخلفية حفتر بشأن التغييرات المرتقبة للقيادات الجديدة لفاغنر وآليات التعامل معها". وأضاف أن روسيا "مستمرة في دعم مجموعات فاغنر الموجودة في ليبيا وتنفيذ خططها بالتمدد لدول أخرى كالسودان وتنفيذ انقلابات في عدة دول أفريقية وآخرها كان في النيجر وإسقاط أنظمة موالية للولايات المتحدة وفرنسا واستبدالها بأنظمة موالية لروسيا". ورأى عبدالكافي أن حفتر "تجاوز التحذير الأميركي بشأن التعامل مع مرتزقة فاغنر بعد زيارة نائب وزير الدفاع الروسي الأخيرة إلى بنغازي". وأضاف أن "يفكيروف طلب من حفتر تأمين خطوط الإمداد لمرتزقة فاغنر المتواجدين في بعض القواعد العسكرية، حيث تحولت ليبيا إلى قاعدة رئيسية لانطلاقهم نحو أفريقيا". وأردف أن "إصرار حفتر على التحالف مع فاغنر هو نتيجة لسعيها للتمدد في عدة دول أفريقية وهذا واضح من خلال خارطة تمركزهم في بعض الدول ومنها ليبيا والسودان وأفريقيا الوسطى ومالي". ولفت إلى أن "كل هذه الدول تجمعها حدود مشتركة لذلك ستكون تشاد هي الهدف القادم لفاغنر وروسيا حتى تكتمل الخطوط". وتدور منذ أيام اشتباكات على الحدود بين القوات التشادية ومجموعات المعارضة التشادية المسلحة التي تتواجد داخل الأراضي الليبية، ما يثير قلق الأطراف الليبية من امتداد النزاعات في السودان ومالي وتشاد إلى بلادهم. وكشف عبدالكافي أن "عدد مقاتلي فاغنر الموجودين في ليبيا يصل ما بين 2000 و2500 مرتزق وهم منتشرون في عدة مواقع وقواعد عسكرية ويمتلكون طائرات (الميغ 29) ومنظومات الدفاع الجوي ووجودهم يعتبر لعنة حلت بليبيا". بدروه قال المحلل السياسي الليبي فرج فركاش إن "فاغنر ليست مجموعة عسكرية فقط بل تمثل مجموعة شركات أعمال وتجارة ومال واستثمارات وتنقيب". وأضاف أن "فاغنر استطاعت التغلغل في العديد من الدول الأفريقية وبعض الدول الأوربية وتحصل على مردودات سخية مقابل خدماتها". وأردف فركاش "لذلك ليس من صالح روسيا التخلي عنها بهذه السهولة ومقتل بريغوجين هو فقط محاولة لتغيير قيادة فاغنر وإعادة ترتيبها". وأشار إلى أن "زيارة نائب وزير الدفاع الروسي إلى بنغازي تمثل هي البداية لحملة تغير القيادة التي أصبحت عبئاً على بوتين ونظامه". واعتبر فركاش أن الزيارة "كذلك بمثابة إعلان من وزارة الدفاع أنها الآن تتبنى بصورة مباشرة مواصلة دعم هذه المجموعة التي قد تغير اسمها هيكليتها"، متوقعا أن "تصبح المجموعة أكثر تنظيما وأكثر ولاء لوزارة الدفاع الروسية بهدف تحقيق أهداف روسيا في أفريقيا، خاصة في دول الساحل والصحراء التي تعتبر ليبيا الآن منصة انطلاق مهمة واسترتيجية من خلال ربطها بقواعد روسيا المعروفة في سوريا". واعتبر فركاش أن خليفة حفتر "حليف تقليدي وطبيعي ومن النوع الذي يتماشى مع سياسات روسيا في دعمها للأنظمة العسكرية والدكتاتورية". وأضاف أن قائد الجيش الليبي "يرى بأن روسيا هي الحليف الطبيعي خاصة في موضوع التسليح والتدريب، لأن معظم الأسلحة المتواجدة في ليبيا هي روسية الصنع والمنشأ". وتابع "ربما يرى حفتر في روسيا داعما أيضا لطموحاته السياسية وكان هذا واضحا في دعم فاغنر لحملته الفاشلة على طرابلس والتي ساعدت تركيا على إفشالها بمساندتها لحكومة الوفاق عسكريا آنذاك". وأشار إلى أن حفتر "قد يرى في روسيا ضامنا أيضا وحليفا ضد أي ضغوطات غربية قد تمارس عليه مستقبلا للانصياع لأي تسوية سياسية"، لافتا إلى أن "المعضلة المتبقية لدى روسيا وحفتر هي شرعنة التواجد الروسي في ليبيا لذلك ستبقى أي اتفاقيات موقعة بين الجانبين لن تجد أي اعترافا دوليا أو أمميا". وأضاف أن تلك الاتفاقيات "ستبقى مجرد اتفاقيات ثنائية بين قائد ميليشيا نظامية يسميها حفتر بالجيش الوطني الليبي وبين دولة أصبحت بعد غزو أوكرانيا وإعلان الحرب عليها في عداء واضح مع الغرب الأوروبي والولايات المتحدة". وقال فركاش إن "أي أسلحة قادمة من الجانب الروسي إلى حفتر تعتبر بمثابة خرق لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا".
مشاركة :