جدد رئيس حركة أمل والبرلمان اللبناني نبيه بري دعوته إلى الكتل النيابية للحوار من أجل انتخاب رئيس جديد للبلاد، لكن آخر دعواته قوبلت بتصلب موقف المعارضة وتكرار رفضها. بيروت - اعتبرت أوساط سياسية لبنانية أن مبادرة رئيس حركة أمل ومجلس النواب نبيه بري للخروج من الأزمة الرئاسية مناورة لربح الوقت لحين نضوج صفقة التيار الوطني الحر وحزب الله، وهو ما يختبر صلابة المعارضة اللبنانية. وتقول الأوساط إن بري يعرف مسبقا أن المعارضة اللبنانية ترفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات وفق شروط حزب الله وحلفائه، وهو بذلك رمى الكرة إلى ملعب قوى المعارضة ووضعها أمام محك التجاوب مع الدعوة إلى الحوار في المجلس النيابي أو تحمّل مسؤولية استمرار الأزمة الرئاسية ومفاعيلها المتفاقمة. وتشير الأوساط إلى أنه بعد دعوة بري الفرقاء إلى الحوار ينتظر أن تمارس ضغوط خارجية وأخرى داخلية على المعارضة لقبول الدعوة. ودعا بري الخميس الكتل البرلمانية إلى عقد جلسات حوار لمدة سبعة أيام كحد أقصى خلال الشهر المقبل، تمهيداً لانتخاب رئيس للجمهورية بعد عشرة أشهر من شغور المنصب. وقال بري في كلمة ألقاها أمام الآلاف من أنصاره خلال إحياء حركة أمل، الحزب الذي يترأسه، الذكرى الخامسة والأربعين لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه “تعالوا في شهر سبتمبر إلى حوار في المجلس النيابي لرؤساء وممثلي الكتل اللبنانية لمدة حدها الأقصى سبعة أيام، وبعدها نذهب إلى جلسات مفتوحة ومتتالية حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ونحتفل بانتخاب رئيس للجمهورية”. ودعا القوى السياسية إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي “قبل فوات الأوان”. وتأتي دعوة بري بعد أن قدم حزب الله إشارات إلى موافقته على شروط رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل المتعلقة باللامركزية والصندوق الائتماني ومشروع بناء الدولة، في مقابل دعمه لترشيح زعيم تيار المردة سليمان فرنجية لمنصب الرئيس. وعن احتمال توصل المفاوضات بين باسيل وحزب الله إلى تفاهم بينهما يغير معادلة النصاب القائمة حاليا في جلسات انتخاب الرئيس، أكد النائب ياسين ياسين أنه “في حال توافق الطرفين على صيغة رئاسية، يبقى الرهان على عدم قدرتهما على تأمين نصاب الـ86 نائبا في الدورة الأولى”. برّي يسعى لوضع المعارضة أمام محك التجاوب مع الدعوة أو تحمّل مسؤولية استمرار الأزمة الرئاسية ويشير محللون إلى أن حزب القوات اللبنانية هو الطرف الوحيد الذي يمكنه أن يعرقل المساعي، وذلك بمنع اكتمال نصاب جلسة التصويت على انتخاب الرئيس إذا اتضح أن الجلسة ستكون بمثابة تصديق على اتفاق الحزب والتيار. واستغرب حزب القوات اللبنانية “ربط بري بين الحوار والجلسات المفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية، فيما لا رابط إطلاقاً بين الحوار والانتخابات، والدستور على هذا المستوى شديد الوضوح لجهة أن الانتخابات الرئاسية تحصل في البرلمان في صندوق الانتخاب وليس عن طريق الحوار، والخطورة الكبرى تكمن في تكريس عرف جديد على حساب الدستور وفحواه تحويل الحوار إلى مدخل للانتخابات الرئاسية”. ودعا حزب القوات اللبنانية بري إلى “الالتزام بالنص الدستوري الذي يقول بالانتخاب لا الحوار”، وشدّد على “أن الوقت هو للانتخاب لا الحوار، وإذا كان يعتقد أنه من خلال هذه المناورة في استطاعته رفع مسؤولية التعطيل عن نفسه ورميها في حضن المعارضة فهو مخطئ تماماً ويتحمّل مسؤولية الشغور بمجرّد عدم تطبيقه الدستور واشتراطه الحوار كعُرف جديد مخالف لهذا الدستور”. ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر 2022، فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي يزداد حدّة بين حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، وخصومه. ولا يحظى أي فريق بأكثرية تمكّنه منفرداً من إيصال مرشحه إلى المنصب. وترفض كتل برلمانية رئيسية اقتراح بري بالجلوس حول طاولة حوار، والذي سبق أن طرحه مراراً، من أجل التوافق على شخصية رئيس، قبل التوجّه إلى البرلمان لانتخابه. وتفضل تلك الكتل الاحتكام إلى اللعبة الانتخابية الديمقراطية وأن يفوز المرشّح الذي يحظى بالعدد الأكبر من الأصوات. ويزيد الشغور الرئاسي في لبنان الوضع الاقتصادي سوءاً في بلاد تشهد منذ 2019 انهياراً اقتصادياً صنفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ 1850. ومنذ أشهر، تدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية، فيما يشترط المجتمع الدولي إصلاحات ملحة من أجل تقديم دعم مالي يساعد لبنان على النهوض من مأزقه الاقتصادي المزمن.
مشاركة :