فيما يلي مقتطفات من محاضرة الأمير د. عبد العزيز بن سطام بن عبد العزيز آل سعود، بعنوان السياسة الشرعية في تقدير المصلحة العامة والفكر الإداري. والتي عقدت الخميس (الساعة التاسعة والنصف في القاعة الرئيسية بمبنى كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز)، وأدار اللقاء الدكتور وليد بن نايف السديري المشرف التنفيذي على برنامج السياسة العامة. .متى نشعر بتطبيقِ وممارسةِ المصلحة العامة: نشعر بتطبيقِ وممارسةِ المصلحة العامة عندما نراها تطبَّقُ على الآخرين. نشعر بتطبيقِ وممارسةِ المصلحة العامة عندما نراها تطبَّق علينا. ولكن، شعورنا بتطبيقِ وممارسةِ المصلحة العامة علينا، يختلف عن شعورنا بتطبيقِ وممارسةِ المصلحة العامة على الآخرين. وشعورنا عندما تقيد المصالح الخاصة لآخرين لأجل مصلحة عامة، يختلف عن شعورنا عندما تقيد مصالحنا الخاصة لأجل مصلحة عامة. عقيدتُنا الإداريةُ في الإسلامِ هي: أنَّ كلَّ مُتصرِفٍ على الآخرينَ فعليهِ أنْ يتصرفَ بالمصلحةِ. العقيدةُ الإداريةُ في المصلحة العامة من منظورِ السياسة الشرعية هي: أنَّ كلَّ مُتصرِفٍ على الآخرينَ بالمصلحةِ العامة؛ فعليهِ أنْ يتصرفَ حسب أمثل المصالحِ الخاصة بهم. أهمُّ ما يمكنُ أنْ تعرفَه عن تقدير المصلحةِ العامة: هو أن القيمةَ الحقيقيةَ للمصلحةِ العامةِ تساوي مجموعَ قيمِ المصالحِ الخاصةِ التي تحققُها لأفرادِها. معيارُ العملِ بالمصلحةِ العامة والوظيفةُ الأساسُ للمسؤولِ عن مصالحِ الغير، هي: سرعةُ تحويلِ المصالحِ العامةِ لأمثلِ المصالحِ الخاصةِ، على أوسعِ نطاق ٍبأقلِ تكلفةٍ على المستفيدين. دَرْءُ تعارُضِ المصالحِ: لا يمكنُ أنْ تكونَ المصلحةُ معارضةً لمصلحةٍ. فالمصلحةُ العامةُ مركبةٌ من مجموعِ المصالحِ الخاصةِ. والمصلحةُ الخاصةُ هي مفرداتُ المصلحةِ العامة. الذي يعارضُ المصلحةَ هو المفسدةُ. فالمفسدةُ العامةُ تعارضُ المصلحةَ العامةَ في المقابل. والمفسدةُ الخاصةُ تعارضُ المصلحةَ الخاصةَ في المقابل. عند العمل بأعلى المصلحتين: لم تهملْ المصلحةُ الأدنى لكوِنها مصلحةً. وإنما أهملتْ مفسدةُ تفويتِ مصلحةٍ أعلى. وهذا لا يغيرُ من بقاءِ المصلحةِ الأدنى مصلحةً. في أثناء تقديرِ المصلحةِ العامةِ كيف نضبطُ العلاقةَ بين المصلحةِ العامةِ والخاصةِ في العملِ الإداريِّ من منظورِ السياسةِ الشرعيةِ. الحديثُ عن تقديرِ المصلحةِ العامةِ هو: حديثٌ عن سلطةٍ وقوةٍ في مجالٍ معينٍ. تُستخدمُ من قِبل مسؤولينَ أصحابِ اختصاصٍ. لدَى جهةٍ إداريةٍ غيرِ ربحيةٍ. لصناعةِ أو اختيارِ مصلحةٍ عامةٍ. منْ أصعبِ الأمورِ تقديرُ المصلحةِ العامةِ، وبخاصةٍ في هذا العصرِ مقارنةً بالعصورِ الماضية. أسبابُ صعوبةِ تقديرِ المصلحةِ العامةِ تعقُّدُ العلاقةِ بين المصالحِ العامةِ والخاصة. تغيرُ الأُنموذجِ الفكريِّ ومصادرِ القوةِ. طبيعةُ المنشآتِ الإداريةِ غيرِ الربحية. طبيعةُ تأثيرِ البيئةِ المحيطة. تحوُّلُ الأُنموذجِ الفكريِّ paradigm shift كانت القوةُ في التحكمِ في وسائلِ الإنتاج. كانت القوةُ في التحكمِ في رؤوسِ الأموال. أصبحتْ القوةُ اليومَ في التحكُّمِ في المعرفة. لا يتحكمُ في المعرفةِ من لا يملكُها. لا تُمتلكُ المعرفةُ بمجردِ الحيازة. تُمتلكُ المعرفةُ بالتصورِ الصحيحِ والفهمِ الصريح. فالحكمُ على الشيءِ فرْعٌ عن تصوُّرِه. تحولُ الأنموذجِ التقنيِّ تحولتْ القوةُ من عضليةٍ إلى آليَّةٍ في جميعِ الأعمالِ (إلا ما ندر). تتحولُ القوةُ اليومَ من الآلاتِ إلى البرامجِ التي تُمكنُ الآلات من العمل. تحولُ القوةِ اليومَ من محدودِية ما تنتجُ بجسمِكَ إلى حدودِ ما تنتجُ بعقلِك. العملُ المعلوماتيُّ (المعرفي) لإنتاجِ وحدةِ تصنيعٍ مضافة: وحداتُ العمل في انخفاضٍ مستمرٍ بنسبة 1% منذ العام منذ العام 1900م. وحداتُ الموادِ الخامِ في انخفاضٍ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ووحداتُ الطاقةِ في انخفاضٍ منذ العام 1950م. بينما منذ العام 1880م، فإن وحدةَ المعلوماتِ لإنتاجِ وِحدةِ تصنيعٍ مضافةٍ في ازديادٍ مطردٍ بنسبة 1% كلَّ عام. تحولُ الأنموذجِ الاقتصاديِّ تحولُ العائدِ الماليِّ من:” حسب مقابلِ إنتاجيةِ العاملين فقط “إلى” إضافةٍ مقابلَ إنتاجيةِ المستهلكين. “ تحولتْ القوةُ الاقتصاديةُ من إنتاجيةِ العاملين إلى إنتاجيةِ المستهلكين. تحولتْ القوةُ من كمْ تملكُ منَ الثروات؟ إلى كمْ تملكُ منَ المستهلكين؟ مثال إنتاجيةُ المستهلكين: شركةُ (كوداك) عندما اخترعت الكاميرا الرقمية، كانت توظفُ عشراتِ الآلاف. بينما شركةُ (انستقرام) عندما بيعت ببليوني دولار -قبل أعوام -كانت توظفُ ثلاثةَ عشر موظفًا فقط. من المستحيل حسابياً أن يكونَ مبلغُ ملياريِّ دولارٍ يساوي إنتاجيةَ ثلاثةَ عشرَ موظفٍ لدى «انستقرام»؛ فمن أين أتت القيمة؟ لأولِ مرةٍ في النمطِ الاقتصاديِّ السائدِ تأتي القيمةُ ليس على قدرِ إنتاجِ الموظف، وإنما على قدرِ استخدامِ المستهلك. تحولُ القوةِ إلى كمْ تملكُ من من المستهلكين لمنتجاتِك. من المشجعين لمهاراتِك. من المتابعين لأخبارِك. من المقتنعين بآرائِك. من المؤملين في نفعِك. تحولُ الأُنموذجِ الزمنيِّ تحولت القوةُ من احتكارِ المعلوماتِ إلى نشرِ المعلومات. تحولت القوةُ من إمساكِ المعلومةِ إلى تحريكِ المعلومة. الذي يحركُ أكبرَ قدرٍ من المعلوماتِ بأسرعِ وقتٍ، وعلى أوسعِ نطاقٍ؛ هو الأقوى. الأنموذجُ الزمنيُّ الجديدُ دورةُ تحويلِ المدخلاتِ إلى مخرجاتٍ أقصرُ. مواكبةٌ ومزامنةٌ للنوازلِ المعرفية. تغيُّرٌ إداريٌّ مستمرٌ وأدومُ. أهميةُ القوةِ لتحصيلِ المصالحِ العامةِ قال الله تعالى في سورة القصص: (ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ) قُدِّمتْ القوةُ على الأمانة؛ لأنها بيدِ القويِّ تكونُ متعديةً إلى غيره، بينما بيدِ الضعيفِ قد لا يستطيعُ تعديتَها إلى الآخرين.وكذلكَ هي المصالحُ العامةُ بحاجةٍ إلى قوةٍ ليستطيعَ صاحبُها تعديتَها إلى عمومِ الناسِ. أهمية قوةُ التصورِ الصحيحِ للمصالحِ العامةِ وعلاقتُها بالمصالحِ الخاصة: قال ابن القيم رحمه الله في بيان ما يُعين المفتي على التمكُّن من الفهم:ولا يتمكنُ المفتيَ ولا الحاكمُ من الفتوى والحُكمِ بالحقِّ إلا بنوعينِ من الفهم: أحدهما: فهمُ الواقع، والفقهُ فيه. والنوع الثاني: فهمُ الواجبِ في الواقع. المنشآت الإدارية والمصالحِ العامة إن المنشآت الإدارية ليست مهيأةً لرؤيةِ منافعَ الأفرادِ كلاً على حِدة. إن المنشآتِ الإداريةِ لديها ميلٌ نحو افتراضِ التعارضِ المبدئيِّ بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة. إن التوفيقَ بين المصلحةِ العامة والخاصة، لا يدخل ضمن تقييمِ أداء المنشآت الإدارية غالباً. إن تكاملَ المصلحةِ العامةِ والخاصة، يخرجُ عن نطاقِ عملِ المنشأةِ الإدارية. الفكر الإداري وضوابطُ المصلحةُ المعتبرةُ شرعاً. الضابط الأول: عدمُ مخالفةِ المصلحةِ لأَحكامِ الشريعة. مسألة هذا الضابط هي: هل المصلحة حقيقيةٌ أم وهميةٌ؟ مشكلةُ الفكر الإداريِّ في إعمالِ الضابطِ الأولِ، هي: تصورُ أن المصلحة وهمية، ٌبينما هي غيرَ مخالفةٍ لأحكامِ الشرع؛ فهي مصلحةٌ حقيقيةٌ. تصورُ أن المصلحة حقيقية، ٌ بينما هيمخالفةً لأحكامِ الشرع؛ فهي مصلحةٌ وهميةٌ. تصورُ أنَّ المصالحَ العامةَ تبررُ إهمالَ المصالحِ الخاصةِ. تصورُ أنَّ المصلحةَ الخاصةَ بجهةِ الإدارة، أنها مصالح عامة؛ بحيث تبررُ إهمالَ بعضِ المصالحِ الخاصة بأفرادها، العامة بمجموعها على المستفيدِ النهائي، ولو مؤقتاً. الضابط الثاني: عدمُ تفويتِ المصلحةِ لمصلحةٍ أفضلَ منَ التي يُؤْمرُ بها. إشكالية الفكر الإداري في إعمال الضابط الثاني، هي: عدم تفريقُ المنشآتِ الإداريةِبين المصلحةِ الأكثرِ والأقلِّ، والفاضلةِ والمفضولِة، المؤدي إلىالتفريط في إمكانِ الجمعِ بينهما. عدم تفريقِ المنشآتِ الإداريةِ بين المصلحةِ الأكثرِ والأقلِّ، والفاضلةِ والمفضولِة، المؤدي إلى تقديمِ المصلحةِ الأدنى على المصلحةِ الأعلى. بالنظر إلى الجانب الإداري: تصورُ أن المصلحةَ الفاضلةَ، هي الأسهل. بالنظر إلى الجانب الاقتصادي: تصورُ أن المصلحةَ الفاضلة، هي الأرخص. بالنظر إلى الجانب السياسي: تصور أن المصلحةَ الفاضلة، هي الأسرع. الضابط الثالث: عدمُ إحداثِ جلبِ المصلحةِ لمفسدةًمساويةٍ للمصلحةِ المأمورِ بها أو أكبرَ منها. مشكلة الفكر الإداري في إعمال الضابط الثالث هي: عدم اختبارِ جدوى المآلِ: هل يحقق مصلحة أم لا؟ والمراد في المآل أثرُ الفعلِ المترتبِ عليه، سواءٌ أكان هذا الأثر خيرًا أم شرًا، وسواءٌ أكان الفعل مقصودَ الفاعلِ أم كان غيرَ مقصودٍ. تركيزُ النظرِ على المآلات قريبةِ الأجل. إهمالُ النظرِ إلى المآلاتِ غيرِ المتوقعةِلجلبِ المصلحة العامة. إهمالُ النظرِ إلى تأثيرِ النتائجِ غيرِ المتوقعةِ على النتائج المتحققةِ من جلبِ المصلحة؟ إهمال قياس المحصلةِ النهائيةِ لما تحققَ، أو ما يغلبُ على الظنِّ تحققُه من جلبِ المصلحة؟ مسألةُ الفكر الإداري الأساسية، هي:مسؤوليةُ مَن؟منْ يحدد، وكيف تُحددُ المصالحُ ويُنفى التعارضُ بينها؟ كل متصرفٍ في مصلحةٍ مسؤولٌ عن جعلِها مكملةً لبقيةِ المصالح قدرَ الاستطاعة. الجهاتُ التي تتصرف في المصالح العامةِ مسؤولةٌ عن جعلها متكاملةً مع المصالح الخاصة. والجهةُ التي تتصرفُ في المصالحِ الخاصةِ مسؤولةٌ عن جعلِها متكاملةً مع المصالح العامة. لا توجد المصالح في فراغ، فكلُّ مجموعةِ مصالح لها أصحاب(STAKEHOLDERS)يؤثرون ويتأثرون بها: لما أن المتصرفين لمصلحة الغير هم في الحقيقة وكلاء؛ فلا بد لهم من مراعاةِ أصحابِ تلك المصالح. مفهومُ الإدارةِ عندَ أصحابِ المصلحةِ والتأثير أصحاب المصلحة ليسوا على سمةٍ واحدةٍ من حيثُ القوةِ والتأثيرِ أو من حيث الاهتمام والمتابعة: فمنهم القويُّ المتابعُ، فهو مهتمٌ ومؤثرٌ:هم المسؤولون المباشرون، تأثيرهم قوي وواقع،ولا بد من التعامل القريب والمباشر واكتساب تأييدهم. ومنهم القويُّ غيرُ المتابعِ، فهو غيرُ مهتم، ويستطيعُ أن يؤثرَ:هم المسؤولين غير المباشرين، تأثيرهم قوي وممكن، ولا بد من المحافظة على تأييدهم. ومنهم غيرُ القويِّ المتابعِ، فهو مهتم وغير مؤثر بمفرده:هم أهل الاختصاص والعمل من عموم الناس: تأثيرهم متوسط، ومحتمل التحول إلى تأثير قوي، ويجدر المحافظة على رضاهم. ومنهم غيرُ القويِّ وغيرُ المتابعٍ، فهو غيرُ مهتمٍ، ولا يريد أن يكون مؤثرًا: هم عموم الناس من غير أهل الاختصاص والعمل، تأثيرهم غير محدد وممكن أن يتحول إلى أي اتجاه، يجدر مراقبة اهتماماتهم عن بعد وعدم استعدائهم. فقه المتصرِف لمصلحةِ الغير للواجبِ في الواقع قال ابن القيم رحمه الله في بيان ما يُعين المفتي على التمكُّن من الفهم: ولا يتمكنُ المفتي ولا الحاكمُ من الفتوى والحكمِ بالحقِّ إلا بنوعينِ من الفهم:أحدهما: فهمُ الواقع، والفقهُ فيه.والنوع الثاني: فهمُ الواجبِ في الواقع. لمعرفة الواجب في الواقع على المتصرف لمصلحة الغير الإجابةُ عن الأسئلة الأساسيةِ لكل منشأةٍ إداريةٍ وبخاصةٍ غيرِ الربحيةِ منها. وهذه الأسئلة هي: ما هي رسالةُ جهةِ التصرف في المصالح العامة؟: تكثيرُ المصالحِ وجلبُها، وتقليلُ المفاسدِ ودرؤها بأعلى درجةِ كفاءةٍ ممكنةٍ للعمل، وأقلِ تكلفةٍ ممكنةٍ على المستفيدِ من العمل. مَن هم المستفيدون من جهةِ التصرف في المصالح العامة؟:إذا نظرتَ إلى منشأةٍ إدارية في قطاعٍغيرِ ربحي يُعنى بالنفع العام، فالمراجع وغيرُ المراجع يُعتبرون من المستفيدين؛ لأجل أن الدولةَ مسؤولةٌ عن الجميع: يقتضي النجاحُ في النفع العام زيادةَ عددِ المستفيدين (غير المراجعين) وتقليلَ عددِ المستفيدين (المراجعين). بحيث يكونُ غيرُ المراجعين:إما لأنه ليس لديهم ما يراجعون فيه. أو أن لديهم أموراً خدموا فيها دون الحاجة إلى المراجعة بأشخاصهم. وهنا تكمن المفارقة مع القطاع التجاري، وهي أن (غير المراجعين) ذوي الحاجات العامة هم المستفيد الأساسي، ثم يليهم (المراجعون) كمستفيد من ذوي الحاجات المحددة. وجميعهم يمثلون مجتمعَ ونطاقَ الرعاية والمسؤولية. ما الشيءُ المهمُ لدى المستفيدين من جهةِ التصرف في المصالح العامة؟: أيُّ إدارةٍ مهما كانت متميزةً لن تنجحَ دونَ أن تتكيفَ لخدمة البيئة والمجتمع حسب أعرافِه وقيمِه ومعتقداتِه؛ بحيث تحقق درجة عالية من التوافق العام. التوفيق بين السياقِ الثقافي الأجنبيِّ المستورد لخدمة السياق الثقافي المحلِّي المعيشِ هو من مهام القائد المبادر (المحلِّي الوطني) الإدارة يجب أن تكون محددةً بأعرافِ وتقاليد ومعتقداتِ البيئة المحلية والمجتمع الذي تنشأ فيه.المؤسساتُ والشركاتُ الأجنبية لا تستطيع ذلك، ويجب ألا تكون هي التي تقوم بذلك. على المسؤولِ أن يحافظَ على عاداتِ الناس وثقافتِهم، وأن يحترمَها ويكيفَ جميعَ أعمالِه وفقَها (ما لم تخالفْ الشرع)؛ لما في ذلك من مصلحةِ التخفيف عنهم، والمحافظةِ على المخزون الحضاريِّ لديهم. وهو الأرفقُ بهم. ليس من وظائفِ الحكومةِ إعادةُ هندسةِ المجتمع وفق مؤسساتها الإدارية والمالية، بأن تَحْملَ الناس على غيرِ ما تعودوا عليه وألفوه، ولم يخالف الشرع الحنيف. أو على غير ما رأوا أنه الصوابُ؛ لما في ذلك من مشقة عليهم. بقدر احترامِ المجتمعِ وأفرادهِ تكونُ جدوى مبادراتِ النفع العام. إن تنفيذ مبادراتٍ رائدةً في النفعِ العام يجب أن يكون ذا جدوى حضارية، أي متوافقاً مع حضارة المجتمع، وهذا يتطلبتجنب استراتيجية إقناع الآخرين بالاستناد إلى مخاوفهم وأحكامهم السلبية المسبقة (الديماغوجيا-الدهمائية)، عن المجتمع وأفراده. لن ينجح تنفيذ أيِّ مبادرةٍ مهما كانت رائدةً في النفع العام ما لم تؤسسْ على احترام المجتمع وأفراده ومؤسساته وحضارته، وذلك بالحرص على تكييف كل منفعة مستوردة لتكون خادمة وتابعة لكل منفعة نابعة من حضارتنا وتراثنا العربي وفق تعاليم ديننا الحنيف. ما هي نتائجُ جهة التصرف في المصالح العامة؟: نتائجُ عملِ جهاتِ التصرف في المصالح العامة، لا توجدُ داخلَ تلك الجهات. وأن أيَّ شيءٍ تقيسُه داخلَ تلك الجهات هي أدوارٌ وعملياتٌ وإجراءات، وهي مجموعةُ أدواتٍ ووسائلَ، وليست الأهداف التي وُضعَ الجهازُ لتحقيقها، وبخاصة فيما يتعلق بالنفعِ العامِ. فجميع الأهداف تتحققُ وتقاسُ خارج الجهاز الإداري وليس داخله. تقاسُ نتائجُ جهةِ التصرف في المصالح العامة حسب ما تُحققُ للمستفيد النهائيِّ من الأفراد، وعدم الاقتصار على قياسِ ما تحققَ من أعمالِ الجهات المنفذةِ أو المشغلة، أو مقدارِ المبالغ المصروفة أو الجهد المبذول. لا بدَّ من وضع مقياسٍ لانتفاع الأفراد من كل منفعةٍ عامةٍ كأفرادٍ، وليس كمجموعاتٍ أو قطاعات. ما هي خطةُ جهةِ التصرف في المصالح العامة؟: عكسُ المنهجِ السائد وهو:أن تخدم أكبر المنافع لجهاتِ التصرفِ في المصالح العامة ابتداءً، على أملِ أن تتسربَ المنفعةُ العامةُ من الأعلى إلى الأدنى إلى الأفراد كلٍّ بعينه. وأنه لا بد من إعطاء الأولوية للمنفعةِ المتحققة للأفراد، بأن تكونَ الأولويةُ لتقدير المنافع الشخصيةِ للأفرادِ من مشروعِ العمل، ومنْ ثَمَّ النظرُ في مدى إمكانيةِ انتشارِ النفع بين أكبرِ عدد من الأفراد، ومدى إمكانيةِ تكرارِ النفع بيسرٍ وسهولةٍ، وبأقل قدرٍ من الإجراءاتِ. تصممُ مشاريعُ المصالح العامة حسب المنفعةِ الفرديةِ الصغيرة التي تتكرر تكرارَ قطراتِ المطر؛ بحيث يُرجى أن تأتي بسيلٍ جارفٍ من المنافع الكبرى. ويأتي هذا على عكس نظرية انسياب المنافع من الأعلى إلى الأسفل حسب المنهج السائد، بأن تبدأ المؤسسات والجهات الحكومية الكبرى والأهلية والتجارية في تقدير المنفعة، ثم يعقد الأمل على أن تتسرب المنفعة العامة من الأعلى إلى الأدنى إلى كل فرد بعينه. اعتماد نظرية انسياب المنافع من الأسفل إلى الأعلى، بأن تبدأ المؤسسات والجهات الحكومية الكبرى والأهلية والتجارية في تقدير المنفعة المتحققة للمستفيد النهائي، ومن ثم تذليل جميع العقبات الإدارية والنظامية والتطبيقية، بحيث تكون هذه هي مهمة المشروع، وأداة تقييم نجاح الجهة المختصة بخدمة هذه المصلحة العامة. تقديمُ معيارِ قياسِ مدى انتشارِ المنفعة وتكرارِها بين أفراد المستفيد النهائي على معيار قياس العائد الاقتصادي أو الاجتماعي للمشروع على القطاع العام. فقد يكون المشروعُ كبيراً جداً ومكلفًا، ولكن عددَ المنتفعين منه قليلٌ، ولا ينتفعون منه إلا مرةً واحدةً أو مراتٍ قليلةً. ما هي خطة جهة التصرف في المصالح العامة؟ أن تقدمُ معيارَ تقسيمِ مشاريع النفع العام حسب تنوعِ وتعدد المنافع والمنتفعين لكل فرد من أفراد المستفيد النهائي، على معيار تقسيمها حسب الجهة أو القطاع أو النوع. معرفة الحل الوسط السليم: غالباً تتطلب مبادراتُ النفع العام حلولاً وسطاً، ولكن الحلَّ الوسطَ ليس خلطاً للحق مع الباطل، فهذه هي أنصافُ الحلول، وهي عند التحقيق تخلية لبعض الحق لأجل الباطل. الحلُ الوسطُ السليمُ هو تركُ بعضِ الحقِّ اليومَ ليُستدركَ ويكمَّلَ غداً. توصياتٌ للسلوكِ الأمثلِ للمسؤول عن مصالح الغير، هي: قال الله تعالى في سورة الإسراء: (ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ) فقدِّمْ تقويةَ الصلاحِ على محاربةِ الفساد. قال ابن خلدون: اجعلْ أولَ العملِ آخرَ الفكرةِ، وأَولَ الفكرةِ آخرَ العملِ[1] قال سطام بن عبد العزيز: إن لم تستطعْ توضيحَ ما تعني خلال دقيقة؛ أعدْ التفكر في موضوعِك، فأنت لم تعرفْ بعد ما تريدُ، ولماذا، وكيف.[2] قال هاري ترومن: لا تستطيعُ أن تتخيلَ كمْ ستحقق من نجاح، إن لم تكنْ تكترثُ من يمدحُ نتيجةَ جُهدك وعملِك. قال سطام بن عبد العزيز:لا تكترثْ بمنْ يمدحُ بالعمل أو يذم، إذا تيقنتَ من صحة العمل.[3] قال لو تزو: فأفضلُ ما يكونُ القائدُ عندما -بالكاد -يعرفُ الناسُ أنَّه موجودٌ، فإذا أنهى عملَه، وحققَ هدفَه؛ قال الناس: نحنُ فعلنا ذلك.[4] قال سطام بن عبد العزيز:أشركْ معك عقولَ الناس وأيديَهم، ولا تتفردْ بشيء، سوى تحملِ المسؤولية.[5] قال العز ابن عبد السلام: لا يترك الحق المقدور عليه من أجل الباطل.[6] فلا تتركْ حقاً مقدوراً عليه مهما صغُر، لأجلِ الباطلِ مهما كبُر. قال براين تريسي:اعملْ على الفرصِ والحلولِ، وتجنبْ الانشغالَ عنها بالمشاكل. فـالقادةُ يفكرون، ويتحدثون عن الحلول، بينا الأتباعُ يفكرون ويتحدثون عن المشاكل.[7] [1]انظر: ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن محمد (د. ت. ن.) العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، تحقيق أبو صهيب الكرمي، الأردن، بيت الأفكار الدولية، ص:237. وانظر: الدينوري (ت 276)، وانظر: ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم (1981م) أدب الكاتب، تحقيق محمد الدّالي، بيروت، مؤسسة الرسالة، ص:8. [2]آل سعود. عبد العزيز بن سطام (1435) ريادة الأعمال المؤسسية لدى الأمير سطام بن عبد العزيز آل سعود: دراسة منهجية في التأسيس الإداري لمبادرات الأعمال في النفع العام، بحث محكّم، المؤتمر السعودي الدولي لجمعيات ومراكز ريادة الأعمال، الرياض، 2014م. (50-51). [3]آل سعود. مرجع سابق، (50-51). [4]Lao Tzu. BrainyQuote.com, XploreInc, 2016. http://www.brainyquote.com/quotes/quotes/l/laotzu151133.html, accessed March 4, 2016. [5]آل سعود. مرجع سابق، (50-51). [6] ابن عبد السلام، عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم (1421هـ – 2000م،) القواعد الكبرى، الموسوم بقواعد الأحكام في إصلاح الأنام، تحقيق: نزيه حماد وعثمان ضميرية، الطبعة الأولى، دمشق: دار القلم، ج 2، ص: 91.[7]Initiative, Collaborative Leadership. Developing and Implementing a Collaborative Leadership Initiative. PhD diss., California Northstate University, 2013. رابط الخبر بصحيفة الوئام: مقتطفات من محاضرة السياسةُ الشرعيةُ في تقديرُ المصلحةِ العامةِ والفكــرُ الإداريُّ
مشاركة :