1 - يجب أن يُعرف أن ولاية أمر النّاس من أعظم واجبات الدّين، بل لا قيام للدّين ولا للدنيا إلا بها. فإنَّ بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع، لحاجة بعضهم إلى بعض. ولا بدَّ لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثةٌ في سفر فليؤمّروا أحدهم)، فأوجب صلى الله عليه وسلم تأميرَ الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيهاً بذلك على ما هو أعظم، فالواجب اتخاذُ الإمارة ديناً وقربةً يُتقرب بها إلى الله؛ فإنّ التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، ذلك أن الدين يأمر بالجماعة، ولا جماعة إلاَّ بإمامة، ولا إمامة إلاَّ بسمع وطاعة. 2 - المكلف بعمل يجب أن يتصف بوصفين: القوة والأمانة، كما قال تعالى: {إن خير من استأجرت القوي الأمين}، ولكن اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل، ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «اللهم أشكو إليك جلد الفاجر، وعجز الثقة» فالواجب في كل عمل، الأصلح بحسبه، فإذا لم يمكن إلا تعيين أحد رجلين: أحدهما أعظم تدينا، والآخر أعظم قوة، فإنه يُقدَّم أنفعهما لذلك العمل: وأقلهما ضررا فيه، فيُقدَم في إمارة الحرب الرجل القوي الشجاع، وإن كان فيه فجور، لأن فجوره على نفسه، وقوته للمسلمين، بينما الرجل الضعيف المتدين، تدينه لنفسه، وضعفه على المسلمين. وهكذا فإنه يُقدَم في عمل القضاء: الأعلم الأورع، فإن كان أحدهما أعلم، والآخر أورع، قُدم فيما يُخَاف فيه الهوى: الأورع، وفيما يدق حكمه ويشتبه: الأعلم. 3 - لا يُقَدّمُ الرَّجُل لكونه طلب الولاية، أو سبق في الطلب، بل يكون ذلك سبباً للمنع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا لا نولي أمرنا هذا من طلبه). 4 - من عَدَلَ عن الأحقّ الأصلحِ إلى غيره، لأجل قرابةٍ بينهما، أو صداقةٍ، أو مرافقةٍ في بلد، أو لرشوةٍ يأخذها منه من مال أو منفعة، أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن وحقدٍ في قلبه على الأحقّ، أو عداوةٍ بينهما: فقد خان الله ورسوله والمؤمنين، ودخل فيما نهى الله عنه في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا اللَّه والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون} ثم قال: {واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن اللَّه عنده أجر عظيم}. 5 - المؤدي للأمانة مع مخالفة هواه، يُثبته الله فيحفظه في أهله وماله بعده، والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده، فيُذِل أهله، ويُذهِب ماله. 6 - الإحسان إلى الناس فعل ما ينفعهم في الدين والدنيا، ولو كرهه من كرهه، لا فعل ما يهوونه، قال الله تعالى «ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن) لكن ينبغي الرفق بهم فيما يكرهونه، ففي الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا كان العنف في شيء إلا شانه»، وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول: «والله إني لأريد أن أخرج لهم المُرَّة من الحق، فأخاف أن ينفروا عنها، فأصبر حتى تجيء الحُلوة من الدنيا، فأخرجها معها فإذا نفروا لهذه سكنوا لهذه».
مشاركة :