مسجد ابن طولون.. تحفة أيام القطائع

  • 3/11/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

يعكس مسجد ابن طولون في معماره الفريد، ملامح العمارة الإسلامية التي شهدت ازدهاراً كبيراً خلال فترة حكم الدولة الطولونية، التي تحولت خلالها مدينة القطائع التي شيدت عند الطرف الشمالي من مدينة القاهرة، لتكون مقراً للحكم. وعلى مدار أكثر من ألف عام، ظل مسجد ابن طولون شامخاً، يتحدى تقلبات الزمن، ليتحول إلى واحد من أشهر وأهم المزارات الدينية والسياحية في مصر؛ نظراً لما يتضمنه معماره الفريد من ملامح قلما توجد في مسجد آخر، في مدينة القاهرة ذات الألف مئذنة. وترجع تسمية تلك المنطقة الكائنة على حدود منطقة السيدة زينب بالقطائع نسبة إلى أحمد بن طولون الذي قسم مدينة القاهرة إلى قطع، فأعطى كل جماعة من جنده قطعة خاصة لسكنهم، واختص نفسه بتلك المنطقة، لتكون عاصمة لدولته التي كانت تضم حينذاك مصر والشام. بنى أحمد بن طولون قصره الذي كان مقراً للحكم، قبل أن يشرع بعد ذلك بسنوات في بناء مسجده الذي لم يكن يفصله عن القصر سوى ذلك الميدان الفسيح، المعروف حالياً بميدان السيدة زينب، ويتميز مسجد ابن طولون دون غيره من مساجد القاهرة القديمة، بأنه عبارة عن مستطيل يصبح مربعاً بعد إضافة الزيادات، فضلا عن فنائه المكشوف الذي يحاكي فناء الكعبة المشرفة، وقد بني هذا الفناء ومن حوله أربع ظلات فيما يتوسط الفناء فوارة، كما يتميز المسجد بمحرابه المجوف والمنبر الممتد، وإن ظلت مئذنته الملوية تعد أبرز معالم عمارته التي تتميز بتعدد مداخل المسجد، التي يقول بعض المتخصصين في شؤون العمارة الإسلامية، إنها وصلت عند الإنشاء الأول لاثنين وأربعين باباً، بخلاف بضعة أبواب كانت توجد إلى جدار القبلة، وخصصت لاستخدام الأمير وحاشيته. وتضم الطاقات التي عملت بقوصرات العقود لتخفيف الأوزان عنها، في الواجهة الداخلية للمسجد إطاراً من الزخارف الجصية والنباتية والهندسية، وهي تمثل حسب فنون العمارة وحدة في التشكيل الفراغي الداخلي، الذي يتسم بالغنى في الزخارف والنقوش الجصية، وقد عملت النوافذ العالية بجدار الجامع على المساعدة في إضاءة وتحريك الهواء دون تشتيت ذهن المصلي، إلى جانب الشرفات التي تعلو الجامع، والتي يقول معماريون إنها لا ترتبط بمواقع الأبواب، ومحاور العقود والفراغات الداخلية بشكل عام. بني مسجد ابن طولون باستخدام مواد بناء محلية من طوب أحمر للحوائط، وأسقف من الخشب، بما يعكس الارتباط البيئي بالعمارة في هذا الزمان، حيث لم تجلب مواد من الخارج أو من مبانٍ أخرى حسبما جرى العمل في بعض المساجد في عصور أخرى، ويظهر ذلك في الأكتاف المبنية التي تحيط بالصحن، والتي استعيض بها عن البناء باستخدام الأعمدة التي كان يتم جلبها من الخارج أو من مبان قديمة، لكن ذلك لم يمنع استخدام الطوب الآجر الطابوق، الذي كان يعد المادة الأساسية للبناء في العراق في تلك الأيام، ما يعكس أن الولاة الذين تولوا زمام الحكم في مصر في تلك الأزمنة، كانوا يحرصون على إضفاء لمسة معمارية من لمسات موطنهم الأصلي، وهو ما تجلى في مئذنة المسجد التي تحاكي العمارة العراقية إلى حد كبير. ويواجه مسقط مسجد ابن طولون القبلة بضلعه الكبير، ليتلاءم مع مبدأ زيادة أطوال صفوف المصلين، كما كانت أبواب المصلين في الحوائط الجانبية والخلفية عدا أبواب دخول الأمير وحاشيته، فكانت في حائط القبلة، لتحقيق مبدأ عدم تخطي رقاب المصلين، بالإضافة إلى عدم تشتيت ذهن المصلين نظراً لوجود فتحات النوافذ في مستوى أعلى من نظرهم، لكن ذلك لم يمنع ما تميزت به الهيئة المعمارية للمسجد من بساطة، فلم يظهر الاهتمام بتشكيل الواجهات الخارجية خلال هذا العصر، كما لم يظهر الارتباط بين تشكيل الواجهات الخارجية والفراغات الداخلية، التي تميزت بالغنى في الزخارف والنقوش الجصية. بني مسجد ابن طولون على ربوة عالية كان يطلق عليها حينذاك اسم جبل يشكر، ما جعله بمنأى عن فيضان النيل، ورشح المياه، فضلاً عمّا منحه للمعمار من أساس صخري، وقد جاءت الزيادات حول المسجد في مستوى منخفض عن مستوى الجامع، وربما يرجع ذلك لطبيعة الموقع ومحاولة الاستفادة من تدرجه. ويضم مسجد ابن طولون أربع ظلات، أكبرها ظلة القبلة، وتحيط هذه الظلات بالصحن المكشوف، في شكل مستطيل، وهو ما يتناسب مع شكل صفوف الصلاة، وتستمد هذه الظلات الإضاءة والتهوية من الصحن الأوسط المكشوف، وللجامع العديد من المداخل، منها ما هو بالداخل، ومنها ما هو في الزيادات الخارجية، وهي كلها في الحوائط الجانبية والخلفية لكن توجد أربعة أبواب في صدر ظلة القبلة، يرجح أنها كانت تستخدم في دخول الأمير وحاشيته، حيث كانت دار الإمارة من هذه الجهة، وقد جاءت الميضأة خارج صحن الجامع بجوار المئذنة للحفاظ على طهارة المسجد. وبنيت مئذنة المسجد متأثرة في تصميمها بشكل الملوية في العراق، وهي تقع في الزيادة الخلفية من الجامع مثل جامع سامراء، وإن لم تكن على محور الجامع، ويمكن للصاعد للمئذنة أن يستخدم سلما من الخارج حتى سطح القاعدة، ثم بواسطة سلم دائري في المحيط الخارجي، يمكنه أن يصعد إلى سطح الجزء الأوسط الذي تعلوه المبخرة.

مشاركة :