الشرق سائل.. وقوارير الحل قابلة للكسر | عبدالمنعم مصطفى

  • 3/11/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الشرق الأوسط مازال سائلاً، القوالب التي يحاولون وضعه فيها، ليست سوى قوارير من زجاج هشٍّ قابل للكسر، هناك مَن يظنُّ أن بوسع الدواعش تعبئة بعض الإقليم في قوارير داعشية، تتوزّع على ليبيا، وسوريا، والعراق، وتونس، ومصر، وتُفتِّش عن مواطئ أقدام في الخليج العربي، وهناك مَن يظنُّ بإمكانية تعبئة بعض الإقليم في قوارير طائفية، شيعية، أو علوية، وهناك طرف ثالث يُفتِّش عن أوانٍ عرقية، يمكن أن تستوعب الأكراد، والأمازيغ، والنوبيين، أمّا القوى التقليدية في الشرق الأوسط، فتريد إنهاء حال السيولة، والعودة إلى هياكل اعتادها الإقليم، واعتادت عليه. حال السيولة ما يزال قائمًا في معظم الأنحاء، بل إن مناطق أخرى لم تكن مشمولة بالسيولة، توشك أن تقع فيها (لبنان مثلاً). سوريا هي غرفة العمليات الرئيسة في الإقليم، ملامحه ستُقرَّر هناك.. طبيعة الحلول فيه ستُتحدَّد هناك.. مستقبل دوله يمكن استشرافه من هناك، عودة سوريا كوحدة سياسية واحدة كما كانت قبل اندلاع الثورة، ثم الحرب فيها، تبدو هدفًا مستحيلاً، يعرف كافّة الأطراف أن أخفّ الحلول ضررًا لن يمكنه استعادة سوريا ٢٠١٠م، وأن الأرجح في سوريا الآن أن تخرج منها كيانات جديدة، بعضها طائفيّ، وبعضها عرقيّ، وبعضها دينيّ. روسيا استعدت للسيناريو الأسوأ، بحضور قوي ومكثف فوق الأراضي السورية، استهدف سواحل سوريا على البحر المتوسط، ثم سعى بعد إسقاط الطائرة الروسية إلى تأكيد حضوره في الشمال، على الحدود التركية. إيران استعدّت، لليوم المشهود، بتشكيل (حزب الله السوري) على نسق حزب الله اللبنانيّ، وبدأت قبل ثلاث سنوات عمليات تدريب، وتسليح، وانتشار لعناصر الحزب من شيعة سوريا، بقيادة (الاثني عشريين) الموالين لمذهب حُكَّام طهران، وهم مَن يُدينُون بالولاية للفقيه الإيراني (خامنئي). تركيا هيَّأت عناصرها، واستعدَّت للسيناريوهات الأسوأ، لكن كل السيناريوهات لا تأبه بمسألة تأكيد وحدة وسلامة أراضي سوريا، وإن أعلن أطرافها ذلك طول الوقت، بالأقوال فقط، دون أن تشير الأفعال إلى جديّة تلك البيانات. الصراع الإقليمي الدائر، يمكن تكييفه، باعتباره صراعًا فارسيًّا/ عربيًّا، يتلبَّس غطاءً طائفيًّا (سنيًّا/ شيعيًّا)، جوهره، هو سعي إيرانيّ للهيمنة في لحظة استقواء فارسيّ، منحها الاتفاقُ النوويُّ مع الغرب قُبلةَ الحياة، بينما تجتاز المنطقة العربية لحظة استخزاء، إثر ما سُمِّي بـ»الربيع العربيّ»، الذي أطاح ببعض الأنظمة، ويُوشك أن يقوّض صميم وجود بعض دولها. عملية حماية ما تبقى من النظام الإقليميّ العربيّ، والتصدِّي المباشر لتهديدات وأخطار تحدق به، بلغت ذروتها في (عاصفة الحزم) باليمن -جنوبًا- وهي تتأهّب لمواجهة الأخطار في الشمال، بمعادلات للقوة عبر مناورات (درع الشمال) الأكبر في تاريخ المنطقة على الإطلاق. امتلاك القوة، والتلويح بها، أحد أعلى الدرجات في سلم الدبلوماسية، وهي قد لا تعني بالضرورة الاستخدام المباشر للقوة، بقدر ما تُؤشِّر إلى الجاهزية والاستعداد، بالقدر الذي يحمل الأطراف الأخرى على مراجعة حساباتها، وإعادة النظر في خططها على النحو الذي يُجنِّبها ويلات الحرب. تحتاج المنطقة إلى معجزة لإنقاذ سوريا، من مخاطر التقسيم وويلاته، لكن زمن المعجزات قد ولَّى، والمعجزة الوحيدة الباقية والممكنة، هي وعي البشر بويلات الحروب، وهو وعي تُوقظه المخاوف، بأكثر ممّا تُثيره الآمال أو الأطماع، أيّ أنّه لا يستيقظ إلاَّ حين يستشعر الأطراف المعنيون أن نيران الصراع تُوشك أن تمسك بأطراف ثيابهم. ما يزالُ الشرقُ سائلاً.. وما تزالُ الحلولُ بانتظار قوارير التعبئة.. لكن أغلب القوارير ما تزالُ قابلةً للكسرِ. moneammostafa@gmail.com

مشاركة :