لست متابعاً جيداً لما يتم تقديمه من أطروحات فنية وطنية فقد عزفت عن هذا الأمر منذ سنوات عديدة نظراً للتشابه الكبير في المضامين المطروحة وهو أمر مُبرر بمحدودية الأفكار عند التصدي لهذا النوع من الكتابة، بيد أن الفضول دفعني بعد أن سمعت العديد من عبارات الثناء والإشادة للشاعر عبدالله أبوراس وخاصة فيما يقدمه من أعمال وطنية، وعُدت لأستمع لتلك الأعمال وبدأت بأغنية "لبيه يالحدّ الجنوبي" التي كتبها أثناء الحرب على المتسللين الحوثيين في العام 2009م ووضع ألحانها أحمد الهرمي وأداها الفنان راشد الماجد، ووجدت إجادة وإتقاناً لشعر الحماسة بشكل جميل، عُدت بعدها للاستماع لبقية الأعمال ومن أهمها: 1- "أبشرك حنّا بخير وسلامه"، التي لحنها الفنان ناصر الصالح وأداها الفنان ماجد المهندس، وكانت مواكبة لعودة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله من رحلته العلاجية، وهذا العمل جّسّد نبض الشارع وجاء تفاعلاً مع الكلمة الضافية التي ارتجلها حينها خادم الحرمين الشريفين، ولاقت هذه الأغنية انتشاراً سريعاً ونجحت في تجسيد العلاقة الحميمة التي ربطت بين قائد وأب وملك حاني عطوف وبين شعب وفي مخلص، ولا أخال كاتباً أو مثقفاً استطاع أن يوثق هذه العلاقة وخصوصيتها بنفس الإجادة والتماس الحقيقي الذي صوره عبدالله أبو راس بكلماته العميقة والبسيطة في ذات الوقت مع الإشارة إلى جودة اللحن كرديف مهم لهذا النص الخالد. 2- "مصر السعودية تريد" عمل جاء عقب سحب المملكة لسفيرها من القاهرة العام 2012م في فترة حكم محمد مرسي، وكانت تهدف إلى المساعدة في تخفيف الاحتقان بين البلدين، وتسليط الضوء على الروابط المصيرية المشتركة بين البلدين، وهنا يظهر إحساس الشاعر واستشعاره للمسؤولية كمثقف طليعي يدرك أن الشعر رسالة ووسيلة بناء وتقارب ومد جسور التواصل بوعي وعمق، وهذه بصمة لا تنسى لمبدع متميز مثل عبدالله أبو راس. 3- أوبريت الجنادرية 29 (كوكب الأرض) تطرق إلى الأوضاع السياسية الداخلية والخارجية ودعمها لقضية فلسطين وللسلم والأمن الدوليين، وتحدث عن حوار الحضارات وأشار إلى درع الجزيرة ودوره في حماية أهالي مملكة البحرين، وكان من أجمل أوبريتات الجنادرية، حيث قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله -ولي العهد آنذاك- للشاعر أبوراس بعد الحفل: أنت "أبو راسين". وقد حمل الأوبريت أفكاراً حيوية وجديدة ارتكزت على قوالب فنية تعزز ذات الأفكار وترسم لها إطاراً جميلاً لاسيما وأن أبو راس استحضر في ذهنه أثناء كتابة أوبريت الجنادرية أن هذا العمل يعتمد كثيراً على الرؤية البصرية وعلى المكوّن الأشمل للمفهوم الحقيقي للأوبريت، سانده في ذلك الحرفية العالية والحس الموسيقي العالي للملحن ناصر الصالح. 4- أوبريت افتتاح مدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة "الجوهرة المشعة"، والذي حمل العديد من الرسائل وخاصة للجماهير الرياضية بضرورة نبذ التعصب والاصطفاف خلف الوطن ودعم رجالاته في كافة المجالات. 5- أوبريت اليوم الوطني ورفع سارية أطول علم في العالم بجدة "سمعاً وطاعة سيدي" وجاء هذا الأوبريت مُعبراً في إحدى لوحاته عن حال أهالي المغرر بهم للقتال مع الجماعات المتشددة في الخارج ووجّه دعوة صريحة لهم بإلقاء السلاح والعودة لحضن الوطن، وتميز هذا العمل كتابياً بتوظيف مقاطع أو عبارات شعرية شهيرة من كلمات أغاني وأعمال وطنية خالدة، وهي فكرة غير مسبوقة. 6- افتتاح دورة كأس الخليج العربي22 وقدم فيه الشاعر عملاً يعيد التأكيد على دعوة خادم الحرمين الشريفين بأهمية انتقال دول الخليج العربية من مرحلة التعاون للاتحاد، واقتبس بذكاء وعمق شديدين عبارات من الأناشيد الوطنية الرسمية لدول مجلس التعاون الستة، وشكل نصاً جميلاً. 7- أوبريت "خليجنا أحلى البلاد" الذي أقامته إمارة منطقة الرياض لضيوف خليجي 22 وقد كان الأوبريت سياسياً بامتياز وسلط الضوء ببراعة على الأوضاع الخاصة بكل دولة على حدة بمفردات بسيطة ومعبرة. مع هذه الأعمال لم أجد كاتباً واحداً تطرق ولو بجزء من مقاله للحديث عن هذا الشاعر على الرغم من أنه وخلال عشرة أشهر كتب للوطن خمسة من أهم الأوبريتات. واجتهدت في السؤال عنه وعلمت أنه يعمل على وظيفة دبلوماسية بوزارة الخارجية، وتيقنت حينها بأن الرسائل الموجهة من خلال النصوص الوطنية التي داعبت مشاعرنا يصعب صدورها من شاعر فقط بل هي خليط إحساس شاعر وألمحية دبلوماسي، مثلما كنا نجد في شعرائنا الذين عملوا في السلك الدبلوماسي، ومنهم د. غازي القصيبي وحسن القرشي ومحمد فهد العيسى وعبدالعزيز خوجه، والأهم من ذلك أن عبدالله أبو راس يكتب للوطن أرضاً وإنساناً، ويؤكد على النسيج الوطني الكبير الذي يجمع تحت مظلته بلادنا الحبيبة بلغة سهلة معبرة. بساطتها لا تمنع جمالها ولا تصادر رقيّها، كما أنه يكتب في نفس الوقت وبنفس الأسلوب للإنسان البسيط بكافة تفاصيل الحياة وهمومها وركضها ونبضها.. ولهذا ترك هذه البصمة الفارقة.