«الجندي الكوني» لبشار الحروب يروي حكايات القتل اليومي

  • 3/11/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ما بين الجندي الدمية، والجندي في ميادين المعارك حول العالم، «لعبة كونية»... إلا أن للتعامل مع الجندي في المناطق المشتعلة والمنشغلة بالحروب، وبينها فلسطين بطبيعة الحال، تأويلات أخرى، ومعانيَ متشعبة أكثر. لعل هذا شيء مما أراد أن يقوله الفنان الفلسطيني بشار الحْروب في عمله الفني الجديد «الجندي الكوني»، المقرر عرضه خلال أيام في تظاهرة «آرت دبي 2016» ضمن مشاركة «غاليري 1» الفلسطينية. تتأرجح المخيّلة مع أعمال «الجندي الكوني»، وبينها فيديو لجندي يذوب كأنه رجل من ثلج أو «آيس كريم»، ليتماهى مع الأرض المرابط فوقها، قبل أن يعود وينبت مجدداً، وهكذا. وكأن الحُروب التي أوحى بها الفنان بالجندي المثلج، لا تموت، حتى لو فنى ملايين الجنود، فثمة وقود بشري مستمر للمعارك هنا وهناك. ويتكئ بشار الحْروب على «الدائرة» كثيمة في أكثر تكوينات «الجندي الكوني» في إشارة إلى الكرة الأرضية. فجنود على طرفها الأعلى تارة، وآخرون على طرفها الأسفل تارة أخرى، بعضهم جلّلهم البياض والسواد، وبعضهم تلوّن بما يشبه التراب، وغيرهم كان مذهباً. وفي هذا التكوين الذهبي ما يوحي بدائرية العالم، وما يمكن أن يوحي بـ «شجرة الحياة» التي تبدلت أغصانها وثمارها بجنود متأهبين للقتل أو للقتال، فـ «لا جندي يقوم بواجبه في هذا العالم لحماية الشعب من بطش الطغاة»، كما قال الحروب لـ»الحياة». ومن بين تشكيلات «الجندي الكوني»، ذلك العمل الفني الثلاثي الأبعاد الذي يبدو كإشارة مرور بألوانها الثلاثة، في تعبير عن حالات التوقف، والاستعداد والانطلاق، أي الأحمر، والأصفر المائل إلى البرتقالي، والأخضر. وانطلق الحروب في عمله الفني الجديد من «لعبة الجندي البلاستيكية»، التي هي من الألعاب الشائعة عالمياً، ولا يخلو بلد من هذه اللعبة التي تبدو شعبية في بعض المناطق. وفي الغالب يقاربها الأطفال كمصدر للقوة والأمان. وهي في الوقت نفسه تعزز الشعور في العقل الباطن بتفوق الجندي على غيره. لكن لهذه الألعاب خصوصية في البلاد التي تعاني من ويلات الحُروب، ومع ابتداء وعي الطفل تأخذ منحى آخر. يقول الحروب: «شكلت «لعبة الجندي» في طفولتي مساحة مهمة من التعامل مع هذه العناصر، عبر تشكيلها بنماذج مختلفة، وتنظيمها في شكل يتوافق مع حريتي، بعيداً من تأثري المباشر بما يحدث في فلسطين والمنطقة كبقية الأطفال، سواء في صناعة الانتصار لفريق من الجنود على الآخر، وكذلك محاولاتي لتقليدهم، وممارسة هذا السلوك في بعض الأوقات في المدرسة أو الشارع». ويقدم المشروع تساؤلات حول مفهوم الجندي كرمز تقليدي للحروب، ومن خلال هذه الأسئلة، هناك محاولات لتفكيك النمطية السائدة يتناولها المشروع من زاوية اللعب التي تنطوي على محاكاة لما يجري حقيقة في هذا العالم، إذ يحمل المشروع في طياته ترميزاً لمفهوم الديمومة، وانعكاسها على العمل عبر الدائرة التي تشكل مركزية العمل، من حيث دور الجندي في لعبة الحرب كأداة. وكذلك عبر المواد المستخدمة في صناعة الجنود البلاستيك كمادة نفطية كانت سبباً لكثير من الحروب. وهذا ما أكده الحروب، بقوله: «بالعودة إلى مساحة جنودي، كنت أتعامل معها بنوع من المشهد السينمائي بصرياً، ومحاولة تجاوز الفكرة النظرية التي أحملها في رأسي من دروس التاريخ أو أحاديث العائلة حول الاحتلال، وما يفعله بالفلسطينيين. وها قد هبّ جيشي الخاص لينتصر على العدو». ويضيف: «كانت لعبة سهلة، يمكنني التلاعب بها كيفما شئت، إلى أن اصطدمت للمرة الأولى بالجندي الحقيقي، وجهاً لوجه، الجندي الإسرائيلي الذي كسر كثيراً من أفكاري الطفولية، وقدرتي على التعامل مع الجندي بشيء من الإيجابية. وهذه الصدمة كانت عنصراً مهماً في تفكيري ومراقبتي ومقارنتي للجندي الحقيقي، الجندي العدو، والجندي الصديق الذي أتعامل معه في ألعابي». ويتابع: «منذ تلك الفترة بدأ مفهوم الجندي يتحول لديّ شيئاً فشيئاً، من الجندي الصديق إلى الجندي العدو داخل اللعبة نفسها، إلى أن كانت الصدمة الأخرى بعد اتفاق أوسلو، بأن أشاهد الجندي الفلسطيني الحقيقي أيضاً للمرة الأولى العام 1994، ويكسر الفكرة مرة أخرى. إن هذا الجندي هو الصديق، وحامي الوطن والحدود، وهذا أيضاً من دروس التربية الوطنية، لكن في النتيجة كل ذلك لم يكن إلا نظرياً أقرب ما يكون إلى القصص، لم أشاهده على أرض الواقع... هي حكاية الجندي ما بين اللعب والرعب». ومن اللافت في مشروع «الجندي الكوني»، أنه يأتي في إطار ما عُرف عن الحروب من تطرّق إلى مواضيع عالمية معايشة، وإن من خلفيات فلسطينية، كحال كثير من مشاريعه السابقة بدءاً من العام 2009، وهذا يساهم في وصول العمل إلى أكبر عدد من الناس في العالم. «يأتي ذلك من إيماني بالحرية والهوية المفتوحة في اللغة البصرية»، يقول الحروب. ويشير إلى «أن الفلسطيني يعيش هموم العالم كما همومه». ويختم: «بت على اقتناع بأن لا جندي في العالم يقوم بمهمته الأساسية في حماية شعبه، بل يمارس كل أشكال القمع وصولاً إلى القتل لحماية أنظمة ديكتاتورية تتقاطع فكرياً معه في رؤيتها القمعية».

مشاركة :