لقد وصل أكثر من 15 مليون مهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقدين الأولين من هذا القرن، ما أدى إلى إثارة مخاوف عديد من الأمريكيين البيض من أن هؤلاء سيستحوذون على البلاد، وفي أوائل العشرينيات من القرن نفسه، ساعدت جماعة كو كلوكس كلان التي عادت إلى الظهور مجددا على الدفع قدما بقانون الأصول الوطنية "لمنع السيطرة على العرق الشمالي"، وللحفاظ على أمريكا الأقدم والأكثر تجانسا. وعلى نحو مماثل، أوضح انتخاب ترمب في 2016 الخلافات العرقية والأيديولوجية والثقافية العميقة التي زادت منذ ستينيات القرن الـ20 ولم يكن هو الذي تسبب فيها. في حين يخشى عديد من المحللين أن يؤدي الانغلاق الأمريكي إلى شكل من أشكال الفوضى الدولية، وهي تلك الفوضى التي ابتلي بها العالم في ثلاثينيات القرن الـ20. يرى أنصار ترمب أن موقف إدارته الأقل سخاء والأكثر صرامة نتج عنه استقرار أكبر في الخارج، إضافة إلى الدعم الداخلي، وعلى أي حال فإن انتخاب ترمب مثل تحولا واضحا عن التقاليد الليبرالية. يعتقد بعضهم أن صعود ترمب يعود إلى فشل النخب الليبرالية في أن تبين الاختيارات الأساسية للشعب الأمريكي، لكن هذا تفسير سطحي، بالطبع هناك اتجاهات عديدة ضمن الرأي العام الأمريكي، والمجموعات النخبوية عموما أكثر اهتماما بالسياسة الخارجية من عامة الناس، ومع ذلك، لدينا فكرة جيدة عن مواقف الناس في الأزمان المختلفة. يجري مجلس شيكاغو للشؤون العالمية منذ 1974 استطلاعات الرأي للأمريكيين حول ما إذا كان من الأفضل لعب دور عالمي نشط أو البقاء بعيدا عن الشؤون العالمية. وخلال تلك الفترة، كان ما يقرب من ثلث عامة الناس وبشكل يوضح الإيمان بتقاليد القرن الـ19، انعزاليين على نحو ثابت. لقد وصل هذا الرقم إلى 41 في المائة في 2014، لكن بعكس الاعتقاد الخاطئ السائد لم يكن 2016 ذروة الانعزالية في مرحلة ما بعد 1945، وفي وقت الانتخابات ذكر 64 في المائة من الأمريكيين أنهم يفضلون المشاركة النشطة في الشؤون العالمية، وارتفع هذا العدد إلى 70 في المائة في 2018، وهو أعلى رقم مسجل منذ 2002. رغم أن الانعزالية واسعة النطاق على غرار ما حدث في ثلاثينيات القرن الـ20 غير مرجحة إلى حد كبير، فإن عديدا من المحللين ما زالوا يشعرون بالقلق من أن الفشل في دعم أوكرانيا قد يؤشر إلى عودة الانغلاق الأمريكي، ما قد يضعف النظام الدولي بشكل خطير. إن النتيجة في أوكرانيا ستكون لها تداعيات خطيرة على مستقبل أوروبا والعالم كله، رغم أن بوتين والرئيس الصيني شي جين بينج دخلا في شراكة بلا حدود قبل التدخل العسكري مباشرة، إلا أن الصين كانت حذرة، حتى الآن، في تقديم الدعم المادي لروسيا. إن مما لا شك فيه أن القادة الصينيين يشعرون بالقلق من مجازفة بوتين وأن هذا التحالف قد أصبح مكلفا للغاية بالنسبة إلى القوة الناعمة الصينية، لكن إذا انتصر بوتين فقد تستنتج الصين أن خوض مثل هذه المجازفات يؤتي ثماره، وهو الدرس الذي ستتعلمه بقية دول العالم كذلك. إن هؤلاء الذين يزعمون أن أمريكا ليس لديها مصلحة وطنية مهمة في مساعدة أوكرانيا يتجاهلون دروس التاريخ. إن سذاجتهم "إن لم يكن سوء نيتهم" ينبغي أن تجعلهم غير مؤهلين للترشح للرئاسة. خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكت، 2023.
مشاركة :