ضمن فعاليات مهرجان الأدب الموريتاني، شهد بيت الشعر في نواكشوط ثاني أيام المهرجان الذي يأتي تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وتنظمه دائرة الثقافة في الشارقة بالتعاون مع وزارة الثقافة والشباب والرياضة والبرلمان الموريتانية. حضر ثاني الجلسات عبدالله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة، ومحمد إبراهيم القصير، مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، وعدد كبير من المثقفين والأدباء الموريتانيين والعرب، إلى جانب أساتذة جامعات ومعاهد، وطلاب ومحبي السرد والشعر العربي. وسلّطت عناوين ثاني الأيام الضوء على راهن وتاريخ والقصة القصيرة في موريتانيا من جانب، والرواية الموريتانية من التأسيس إلى المشهد المعاصر من جانب آخر. راهن القصة حمل المحور الثاني عنوان «راهن القصة الموريتانية»، وتحدث في جلستها: د. محمد الحسن محمد المصطفى بورقة جاءت بعنوان «القصة القصيرة في موريتانيا- النص والقراءة»، ود. إزيد بيه محمد البشير بورقة «ملامح الخصوصية والتفرد في القصة»، ود. أم كلثوم المعلى بورقة «الإسهام النسائي في مجال القصة»، ود. محمد الحافظ محمد الفتح بورقة «آفاق القصة القصيرة في موريتانيا». وتناول المصطفى في ورقته البحثية الحصيلة الإبداعية القصصية الموريتانية، وأشار إلى أن القصة القصيرة مشهد يبرز لحظة زمنية، أو موقفاً معيناً عن طريق تقنية السرد المركز، وعرض تطور القصة القصيرة في موريتانيا، ثم توقف ملياً عند اتجاهات دراستها، وقارن بين مناهج تنظر إلى النص من خارجه معولة على التفسير من خلال السياقات التاريخية، والاجتماعية، والنفسية وغيرها، وتلك التي تتخذ النص منطلقاً للوصف والتحليل، ومن ثم التأويل بمستوى من مستوياته المختلفة. وتطرق محمد البشير بإثارة سريعة إلى ثلاث مسائل تتعلق أولاها بنشأة الأدب العربي الموريتاني الفصيح، وظروف ظهور أهم أجناسه، ومنها الرواية، وتتعلق الثانية بالنظام التعليمي الموريتاني، أو بما عرفته هذه البلاد من أنظمة تربية وتعليم منذ صار لها وجود قائم بنفسه، وصارت تعرف وتذكر باسمها القديم «بلاد شنقيط» أو باسمها اليوم «موريتانيا». واتصلت المسألة الثالثة باللغة مادة الأدب ومنها الرواية. وحاولت د. أم كلثوم المعلى في ورقتها التعرف على الإسهام النسائي في مجال القصة في موريتانيا، طبيعته وملامحه، في مسعى لتبين الملامح المميزة له، من منطلق ما يلاحظ من ميل المرأة الكاتبة إلى جنس القصة. وسعى محمد الفتح إلى تقديم صورة عن القصة القصيرة في موريتانيا تساعد المتلقي على تبين آفاق هذا الشكل من الكتابة، واعتمد منهجاً يجمع بين السرديات الوصفية من جهة والموضوعاتية من جهة أخرى نظراً لطبيعة النصوص. كما شهد اليوم الثاني خلال جلسة مسائية المحور الثالث «الرواية الموريتانية من التأسيس إلى المشهد المعاصر»، وتحدث في الجلسة: أ.د. محمد الأمين مولاي إبراهيم بورقة حملت عنوان «الرواية الموريتانية من التأسيس إلى المشهد الراهن»، ود. سيدي محمد أمين بورقة «ملامح الخصوصية في الرواية الموريتانية»، ود. أحمد أكاه بورقة «نحو نمذجة الرواية العربية في موريتانيا»، ود. محمد أحظانا بورقة «الرواية الموريتانية من التأسيس إلى الحاضر». وحاول المتحدثون العودة إلى نشأة الرواية الموريتانية من جانب، والتطرق إلى حاضرها، فيما عدّد النقاد السمات الأبرز في هذه الرواية التي بدأت تأخذ مكانة مرموقة في الساحة الأدبية الموريتانية، وحتى العربية أحياناً، وبخصوصية تميزها عن غيرها من الكتابات السردية العربية المركزية. شهادات إبداعية وفي فقرة «شهادات»، قدّم الكتّاب: الشيخ ولد أحمدو شهادة بعنوان «الكتابة الروائية بين الهواية والاحتراف»، ومحمد ولد سالم بعنوان «الكتابة الروائية في مجتمع الإنشاد»، والشيخ نوح بعنوان «مستقبل السرد الموريتاني من خلال تجربتي في الكتابة الروائية». وقال ولد سالم: «تدفعني طبيعة الشهادة الأدبية إلى تناول موضوع "الكتابة الروائية في مجتمع الإنشاد" من زاوية شخصية، وليس من زاوية تاريخية موضوعية، فالشهادة الأدبية تتمحض لما عاشه الكاتب وما خبره وخرج به من تجربته الكتابية، فلذلك لن أتناول تاريخ الكتابة الأدبية النثرية والأشكال السردية، التي كانت موجودة منذ القدم في مجتمع الإنشاد أي "مجتمع الشعر" وهو هنا المجتمع الشنقيطي الذي كان تشبع بالشعر وارتوى منه». ومن جانبه، أشار أحمدو إلى أن شهادته أقرب لعرض لنشأة الرواية الموريتانية، والمراحل الأولى من تطورها، موضحاً أنها في الوقت نفسه يمكن اعتبارها ممارسة وتجربة ذاتية، ومعاصرة لنشأة هذا الجنس الأدبي وتطوره في موريتانيا. وقال نوح إن تجربته في كتابة السرد جعلته يعي مجموعة من التحديات في هذا الاتجاه، ولعل أبرز هذه التحديات يتمثل في غياب أرضية من المنجز السردي يمكن الركون إليها لكتابة رواية موريتانية، معللاً أن ضآلة هذا المنتج وتأخره الكبير، لم يكن في صالح الأجيال اللاحقة التي قد تتبنى مشروعاً سردياً متكاملاً ممرتناً، ليس فقط بسبب أن هذا المنجز قليل ومتباعد زمنياً، وإنما أيضاً لأن الثيمات التي لامسها هذا السرد ليست الثيمات نفسَها التي اقتربت منها في مشروعي السردي. أخبار ذات صلة ولي عهد الشارقة يحضر عقد قران صقر بن حميد القاسمي «الاتصال الحكومي» يوصي بتعزيز الدراسات والبحوث لاستثمار الموارد المحور الرابع وحمل المحور الرابع عنوان «السرديات الغائبة في الرواية الموريتانية»، وتحدث في جلسته أ.د. محمد تتا مصطفى بورقة جاءت بعنوان «خصوصية السرديات الغائبة في الرواية الموريتانية»، ود. محمد الأمين الشيخ أحمد بورقة «السرد الحديث في موريتانيا واستثمار الموروثات المحلية»، ود. الحسن محمد محمود بورقة «السرد الحديث في موريتانيا والنص العربي الحديث»، ود. أحمدو لكبيد بورقة «السرد الحديث في موريتانيا والنص العربي القديم». ندوة الأصالة والتجديد كما تضمنت فعاليات المهرجان ندوة بعنوان «الشعر الموريتاني بين الأصالة والتجديد»، وتحدث فيها كل من: د. الشيخ سيدي عبدالله بورقة «الشعر الموريتاني بين الأصالة والتجديد»، ود. أحمد أبوبكر الإمام بورقة «أصالة الشعر الموريتاني الحديث»، ود. ولد متالي لمرابط محمد بورقة «مظاهر التجديد في الشعر الموريتاني الحديث». وأشار د. الشيخ ولد سيدي إلى أن الشعر الموريتاني وليد بيئة ثقافية خاصة، وقفت وراء نشأته وتعهدته حتى استوى على ما هو عليه، جنساً تعبيرياً يملك مواصفاته الذاتية، ومعبراً عن خلفية ثقافية، تهيأت لها ظروف اجتماعية وتاريخية جعلتها غير مرنة تجاه التصنيفات النقدية المعاصرة. وبرهنت ورقة أبوبكر الإمام على أصالة الشعر الموريتاني الحديث من خلال نموذجين: هما قصيدة «السفين» للشاعر أحمد ولد عبدالقادر وقصيدة «الزمن والندم» للشاعر بدي المرابطي، وقد برهنت من خلالهما ومن خلال القراءات النقدية التي تناولتهما على أن في الشعر الموريتاني الحديث نصوصاً أصيلة ثرية قابلة لأكثر من قراءة. وأشار إلى أنه لا أدل على ذلك من الجدل الذي أثاره النص الأول وإن لم يتجاوز ذلك الجدل حدود البلاد، موضحاً أن النص الثاني إن لم يكن أثار جدلاً كالأول فإنه قد كتب عنه الكثير داخل البلاد وخارجها، وهو دليل على أصالته. وأوضح لمرابط أحمد أن المشهد الشعري الموريتاني متعدد الأوجه، وله طقوسه الكتابية الخاصة، وتتوزعه مجموعة من الرؤى الإبداعية المركزية، مبيناً أن بعضها ينتمي إلى حقل التقليد، وينتمي الآخر إلى بوابة التحديث وبين هذا وذاك نقاط عبور لكل منها سمتها الخاصة، وخلفيتها المعرفية المؤثرة. وقال إن الرؤى التي انطلق منها الشعراء الموريتانيين على مستوى الكتابة النصية تتعدد، بيد أن الملاحظ هو عدم اهتمامهم بالحديث عن هذه الرؤى على مستوى الكتابة النقدية.
مشاركة :