الرمثا / ليث الجنيدي/ الأناضول في باحة منزله التي لا تتعدى مساحتها بضعة أمتار مربعة، في قرية عمراوة التابعة للواء الرمثا شمالي الأردن، يجلس مأمون الوردات بين أكوام من القش، ليشكل من خلالها "مكنسة" تقليدية، عرفتها الأرياف، وباتت سلعة مهددة بالاندثار لحرفة تصارع البقاء في ظل تطور الحياة وحداثتها. يربط الوردات (53 عاماً) حزاماً على خصره، وقد صممه بطريقته الخاصة، مضيفاً له قطعة من الخشب، يثبتها بين قدميه، كخطوة من خطوات تصنيع مكانس القش، وقد التصق شعره الأبيض على جبينه من شدة تعرقه، نافثاً عبر دخان سيجارته هموماً أثقلت كاهله، تعكس صعوبة ومشقة الحياة التي أجبرته على تحمل هذا العناء. مراسل الأناضول تابع قصة كفاح الخمسيني الأردني، وما يعيشه من كدّ وتعب يومي، في سبيل تأمين لقمة عيش كريمة له ولزوجته وأبنائه الست (4 أولاد وابنتين)، من خلال حرفة أصبح وجودها والعمل بها أمراً نادر الوجود. ما إن يبدأ مأمون العمل، حاملاً على كتفه حزمةً كبيرةً من القش، ينقلها من غرفة صغيرة تابعة لمنزله يستخدمها كمستودع، حتى يهرع الأطفال إلى مكان عمله، يتابعون ويراقبون ما يقوم به، في محاولة جادة منهم لاستحضار ماضٍ عاشه آباؤهم وأجدادهم. أبو محمود وهذه كنيته، لم يكمل تعليمه الذي اقتصر على المرحلة الابتدائية، ويعمل منذ عقود في مهنة البناء، ولكنه أضاف لها حرفة تصنيع مكانس القش؛ ليعزز دخله، بما يعينه على تحمل أعباء الحياة، وفق ما يروي للأناضول. بدأ مأمون تعلم تلك الحرفة من تلقاء نفسه قبل ثماني سنوات، حتى أتقنها وبات يعرف بأنه "شدّاد مقاش"، ليبدأ بزراعة القش لإنتاجه الخاص، ومقصداً للراغبين بتحويل محاصيلهم إلى "مكانس". وأشار "هذه الحرفة توفر لي دخلاً جيداً، والناس تأتيني من كل مكان؛ إذ أقوم بشد المقاش (تسمية متعارف عليها في منطقته للقش) لهم، كما أقوم بزراعته أيضاً". وأضاف "هي ليست عملي الأساسي، وإنما عملاً إضافيا ولكنه أصبح بالنسبة لي شبه أساسي، خاصة عندما لا يكون هناك أعمال بناء أقوم بها". وبين "هذه الحرفة تراثية، وعلى حد علمي، ليس هناك غيري يعملها بالمنطقة، وأستمر بالعمل لساعات طويلة ما دام هناك عمل". "شغلة (عمل) الفلاحين".. بهاتين الكلمتين وصف الوردات ما يقوم به، لافتاً إلى ان المنتج وهي مكنسة القش "أفضل من مكنسة الكهرباء، ونحن نستخدمها باستمرار"، بحسب ما قال. أما عن كمية الإنتاج، قال: "80 مقشة (مكنسة) باليوم، وسعر الواحدة منها دينارين (2.8 دولار أمريكي)، ومن يأخذ ثلاثة يكون السعر خمس دنانير (7 دولارات)". وأوضح أن "مكنسة القش تُباع في محلات البناء، ويستخدمها عمال قصارة المنازل، والبدو، وتستخدم أيضا كعسافة (مكنسة قش تستخدم لتنظيف جدران المنازل)، ولكن تضاف لها عصا طويلة". وفيما يتعلق بخطوات التصنيع، بين أبو محمود: "نقوم أولا بقص القش من مكان زراعته، ثم نقوم بنقعه بالماء ليسهل علينا عملية التشكيل والتجميع". وزاد "بعد ذلك نقوم بترتيبه وتجميعه على شكل خصل صغيرة، بحيث تكون الطويلة لوحدها والقصيرة كذلك، ثم نبدأ بخياطتها مع بعضها إما بأسلاك معدنية أو خيوط، وأخيراً ندقها بمطرقة خشبية حتى تتفتح خصل القش، وبهذا تكون جاهزة للاستعمال البشري". وتابع "أولادي يساعدونني، وخاصة الصغير (عمرة 14 عاماً)، وواضح لي بأنه سيرث هذه المهنة، والوضع صعب ويعود للوراء"، في إشارة منه إلى صعوبة ظروفه المعيشية. وعن نظرة الناس لما يقوم به، قال : "أكثرهم يقولون لي، من أين أتيت بهذه الصنعة، وبأنني أعدتهم لقديم الزمان". ولفت: "لا أعتمد بالإنتاج على ما أزرعه، ولكنني أقصد أيضا بعض المزارع الأخرى، والحقيقة إنتاجي كبير ولكن التسويق ضعيف". وكانت مكانس القش تعد أحد اللوازم المنزلية في جميع البيوت، ولكنها مع انتشار المكانس الكهربائية، أصبحت سلعة لا يقتنيها إلا من يحاول عيش تجربة الماضي، والحفاظ على إرث بات في عداد النسيان. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :