يأخذنا الناقد والمترجم المغربي بنعيسى بوحمالة، في أحدث كتاب صدر له مؤخراً ضمن منشورات بيت الشعر في المغرب تحت عنوان: «آرثور رامبو، مقاربات، شهادات، إضاءات» لسبر أغوار ومجاهل حياة الشاعر الفرنسي والعلامة الأيقونية في الحداثة الشعرية الفرنسية آرثور رامبو(1854-1891)، هذا الشاعر الذي سيطلق عليه فيكتور هوغو، لقب «شكسبير الطفل»، بينما سيسميه الشاعر الفرنسي الكبير بول فرلين، وهو يكاتبه مُستعجلاً استضافته في عقر داره بباريس، بقوله «أيتها الروح العظيمة»، فيما يلقبه رائد الرمزية الفرنسية ستيفان مالارمي، بـ«العابر الهائل»، زد على هذا إجماع الألوف المؤلّفة من نقاده ومُريديه وقرائه على تعميده بتسمية «الشاعر الرائي». يبتدئ القسم الأول من الكتاب بدراسة مطولة موسومة بـ«رامبو أو شعر أن تصبح على غير ما أنت عليه»، من توقيع الناقد الفرنسي المشهور، جان - بيير ريشار أحد أقطاب المنهج الموضوعاتي، وتستقيم كأفق نقدي كفؤ ومنتج لسبر أغوار مراهنة شاعر على مغالبة ذاته والعالم كليهما رغبة منه في معانقة المجهول، المرادف للعنفوان الوجودي والامتلاء والانطلاق وفي كلمة للمعنى. وهكذا، ومن خلال جهد أحفوري مكين في المدوّنة اللفظية في البنيات والتّصييغات، وفي الترميزات والأخيلة، يقودنا الناقد، المتمرّس إلى ما يمكن احتسابه النواة الصلبة في المشروع الشعري «الرامبوي»، إلى استشرافاته وإعاقاته. وفي الجزء الخاص بـ«وثائق عدن غير المنشورة» يقتفي الكتاب آثار إقامة رامبو في اليمن، كما يضم الكتاب حوارين، أولهما مع أندري غويو، بعنوان «شاعر بصُموتات مريعة»، يقدّم فيه، بوصفه هو من أعدَّ طبعة الأعمال الكاملة للشّاعر، لفائدة سلسلة «لابلياد» المرموقة، معلومات حول قصائد احتوتها هذه الطبعة، بينما تغيب في طبعات أخرى لأعماله، كما يتكلّم فيه عن الاختيار وترتيب القصائد والنّصوص، وعن دور بول فرلين في حفظ قصائده من الضّياع. وثانيهما مع شارل فيكا، بعنوان «الشاعر لم يمت»، يفسّر فيه لماذا لا يزال رامبو مؤثّراً وجذاباً، مستحضراً إعجاز قوله الشعر بين الخامسة عشرة والعشرين من عمره، ومدافعاً عن كونه كان موهوباً فوق اللزوم، وما كان من اعتناقه لمبدأ الحرّية، هذا دون إغفال اختياره الصّمت كمجال تخومي لتجربته الشعريّة وهو بهذا، وفيما يرى المحاور، شاعر يرافق القارئ مدى الحياة وليس خلال فترة محدّدة، شاعر عابر للأزمنة.
مشاركة :