اجتمعت لجنة قضاة المحكمة العليا الإسرائيلية قبل أسبوع للاستماع إلى الالتماسات ضد قانون جديد مثير للجدل مؤخرا، ويمثل هذا التحدي الأول لخطة الإصلاح القضائي التي اقترحتها الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل وتوقع بعض المراقبين أن أزمة دستورية قد تلوح في الأفق في إسرائيل. منذ وصول الحكومة الإسرائيلية الراهنة إلى السلطة في يناير الماضي، بدأت تمضي بالإصلاح القضائي قدما، في المقابل، أطلق الشعب الإسرائيلي مظاهرات واسعة النطاق ومستمرة للاحتجاج ضد الإصلاح، في الوقت نفسه أعربت قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي ودوائر الأعمال والتعليم وغيرها عن معارضتهم، بالإضافة إلى تعبير بعض الدول الغربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا عن انتقادها علنا. واعتبرت بعض وسائل الإعلام بأن الأزمة التي تمزق إسرائيل هي أزمة الهوية الوطنية للبلاد ومعركة الاتجاه المستقبلي لإسرائيل، وبالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فهي معركة "حياة أو موت" من أجل مستقبله السياسي، إذن، ما هو الإصلاح القضائي؟ لماذا ستمضي الحكومة الإسرائيلية الحالية قدماً بهذا الإصلاح رغم المعارضة الواسعة ضده؟ ما الذي سيجلبه هذا الإصلاح لإسرائيل؟ --ما هو الإصلاح القضائي؟ من اللافت أنه لدى إسرائيل القوانين الثلاثة عشر التي تمت صياغتها تباعا في الأيام الأولى لتأسيس الدولة بدلا من الدستور المكتوب، وتعرف القوانين مجتمعة باسم "القانون الأساسي"، وهي القانون الوطني المعادل للدستور الإسرائيلي، ومع ذلك لا يوجد تعريف واضح لسلطات ومسؤوليات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، فتلعب المحكمة العليا دورا مهما للغاية في الحياة السياسية الإسرائيلية، حيث تساعد الشعب على تقييدها. وسبق أن ألغت المحكمة العليا قرارات للحكومة، ومن الأمثلة الحديثة على ذلك، في شهر يناير المنصرم، أثناء تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، قضت محكمة العدل العليا بتعيين زعيم حزب شاس أرييه درعي وزيرا للداخلية والصحة "غير معقول إلى أقصى حد" بسبب إداناته الجنائية، والتي كان آخرها تهمة الاحتيال الضريبي في عام 2022. وكان من شأن الحكم زيادة التوترات بين الحكومة وأوساط القضاء بشأن خطة الإصلاح القضائي، وأثار ذلك دعوات فورية من الائتلاف الحاكم لتسريع الإصلاح للحد من القيود التي تفرضها المحكمة العليا على الحكومة وتوسيع صلاحياتها. وفي خطة الإصلاح القضائي التي وضعتها الحكومة، هناك ثلاثة تعديلات رئيسية مهمة، بما فيها منح الإدارات الحكومية سلطة تعيين قضاة المحكمة العليا، والحد من سلطة المحكمة العليا في مراجعة التشريعات البرلمانية، والسماح للبرلمان بإلغاء قرار المحكمة العليا بالأغلبية البسيطة. وأثار ذلك قلق الإسرائيليين من أنه بعد إقرار هذه التعديلات الثلاثة، سيتمتع رئيس الوزراء بسلطة أكبر، وسيتم كسر الهيكل السياسي للفصل بين السلطات ونظام الضوابط والتوازنات، وبحسب تقارير إعلامية، فإنه في حال إقرار الإصلاح القضائي، سيكون هذا التغيير الأكثر أهمية في النظام القضائي الإسرائيلي منذ إنشائه عام 1948. --لماذا الآن؟ لقد استمر هذا النمط من العمل السياسي في إسرائيل لعقود من الزمن، ولكن لماذا تدفع الحكومة الحالية نحو الإصلاح القضائي في الوقت الراهن؟ فأولا يشهد الوضع السياسي في إسرائيل حالة من الاضطراب، والمضي بالإصلاح قدما يشكل الغراء الذي يبقي الحكومة الحالية مستقرة. منذ بداية عام 2019، انهار الائتلاف الحاكم في إسرائيل بشكل متكرر، وتم إجراء خمس جولات انتخابية خلال أقل من أربع سنوات، وفي نهاية العام الماضي، أعلن السياسي الإسرائيلي المخضرم نتنياهو عن التشكيل الناجح لحكومة جديدة. وتتكون هذه الحكومة بشكل رئيسي من أحزاب يمينية ويمينية متطرفة، والأحزاب اليمينية المتطرفة من أشد المدافعين عن الإصلاح القضائي، وهدد بن غفير، زعيم حزب "القوة اليهودية" مرارا بأنه إذا أوقف نتنياهو أو علق الإصلاحات القضائية، فإنه سينسحب من الائتلاف الحاكم، لتنهار الحكومة. من ناحية أخرى، ظلت أحزاب اليمين واليمين المتطرف في إسرائيل غير راضية منذ فترة طويلة عن المحكمة العليا، حيث تنتقد المحكمة بأن القضاة لها غير منتخبين من قبل الشعب وافتقارهم إلى الشرعية القانونية اللازمة لتقييد الكنيست والحكومة، اللذين ينتخبهما الشعب، بالإضافة إلى ذلك، تتهم المحكمة العليا بأنها تميل أكثر فأكثر إلى اليسار، وغالباً ما تضع حقوق الأقليات، مثل العرب في البلاد، فوق المصالح الوطنية. ففي يناير من هذا العام، بعد ستة أيام من تولي الحكومة الإسرائلية السلطة، أعلنت إطلاق خطة الإصلاح القضائي. وقد قوبلت هذه الخطة بمعارضة قوية من الجمهور، ودعا الاتحاد العام الإسرائيلي إلى إضراب عام على مستوى البلاد، وحتى وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي جاء من نفس حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، دعا إلى تعليق الإصلاح القضائي، وفي شهر مارس الماضي، اضطر نتنياهو إلى الإعلان عن تعليق خطة الإصلاح القضائي وإجراء حوار مع زعيم المعارضة يائير لابيد تحت رعاية الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ . لكن المحادثات بين الجانبين فشلت بعد عدة أشهر، في 24 يوليو الماضي، وبعد عشرات الساعات من النقاش المكثف، أقر الكنيست الإسرائيلي أخيرا اقتراحا رئيسيا بشأن الإصلاح القضائي يمنع القضاة من إلغاء قرارات الحكومة على أساس أنها "غير معقولة". --ما هو رد الفعل؟ ولا تزال خطة الإصلاح القضائي تثير الاضطرابات، حيث خرج المعارضون للإصلاح إلى الشوارع للتظاهر منذ بداية هذا العام وانضم جنود الاحتياط أيضا إلى الاحتجاجات، حيث أعلن أكثر من 1000 جندي احتياطي في سلاح الجو الإسرائيلي تعليق خدمة الاحتياط التطوعية. وحذر مسؤولو الدفاع من أن هذه الظاهرة المتنامية يمكن أن تؤثر على التأهب الأمني للبلاد، وبالإضافة إلى القلق من أن هذا الإصلاح سيغير مبدأ "الفصل بين السلطات"، فإن الحكومة سوف توسع سلطاتها وتتجه نحو الدكتاتورية، شكك الجمهور في أن نتنياهو يحاول استغلال الإصلاحات القضائية لإلغاء ثلاث تهم تواجهه حول الرشوة والاحتيال وانتهاك ثقة الجمهور. يذكر أن المجتمع الإسرائيلي منقسم بشدة، حيث توجد اختلافات خطيرة بين المتدينين والعلمانيين حول العديد من القضايا الاجتماعية، وفي السنوات الأخيرة، سعت الأحزاب الدينية والقوى اليمينية المتطرفة إلى تحقيق المزيد من المصالح من خلال الانضمام إلى الحكومة، وأصبح المجتمع "متديناً" على نحو متزايد. وفي مقابلة أجراها مراسل وكالة أنباء ((شينخوا)) في مدرسة لتعليم الموسيقى في القدس، قالت مدرسة بيانو كيرين من اليسار إنها تشارك كل أسبوع في مظاهرات مناهضة للإصلاح القضائي، وفي مدرسة مجاورة، ابتسم مدرس الجيتار، وهو يهودي أرثوذكسي، وقال: "لن أشارك لأنني أؤيد الإصلاح (القضائي)". وعلى الساحة الدولية، دعت الأمم المتحدة إلى تعليق هذا الإصلاح، خشية أن يؤثر على حقوق الإنسان واستقلالية القضاء. --إلى أين تتجه إسرائيل؟ ولم تظهر حتى الآن أي علامة على التوصل إلى تسوية من أي من الجانبين، وترفض القوى اليمينية المتطرفة داخل الحكومة الإسرائيلية التراجع عن موقفها، بينما دعت المعارضة إلى وقف الإصلاح القضائي، وطالبت نتنياهو بالتنحي عن السلطة، وفي الوقت الحالي، تنظم مظاهرات ضد الإصلاح القضائي كل يوم سبت في جميع أنحاء إسرائيل لمدة أكثر من 30 أسبوعا متتاليا. ومن المقرر أن يستأنف الكنيست الإسرائيلي عمله في منتصف أكتوبر المقبل، ومن المتوقع أن تستمر لعبة شد الحبل حول التعديلات الأخرى للإصلاح القضائي. بهذا الصدد، أشار نيو سونغ، الباحث في معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، إلى أن هذا يعكس بعمق الاستقطاب السياسي في إسرائيل، حيث تعتبر الحكومة الإسرائيلية "الحكومة الأكثر يمينية في التاريخ" واعتبرت المحكمة العليا الإسرائيلية أنها "ذات ميول يسارية" على نحو متزايد، وأصبح من الصعب التوفيق بين التناقضات الهيكلية بينهما. ونشرت صحيفة ((جيروزاليم بوست)) الإسرائيلية مؤخرًا مقالًا جاء فيه أنه إذا استمرت الحكومة الإسرائيلية في تعزيز الإصلاح القضائي، فمن المرجح أن تصبح المظاهرات السلمية الحالية "هجومية". وأظهر استطلاع للرأي أجرته القناة 13 الإسرائيلية في يوليو الماضي أن 54% من المستطلعين يعتقدون أن الإصلاحات القضائية تضر بأمن إسرائيل، وأن 56% يشعرون بالقلق من احتمال نشوب حرب أهلية. وفي مقابلة مع وسائل الإعلام يوم أول أغسطس الماضي، صرح نتنياهو بأنه لا يعتقد أن الأزمة الاجتماعية المستمرة الناجمة عن الإصلاحات القضائية سوف تتصاعد إلى "حرب أهلية"، وأضاف أن مخاوف الناس سوف تهدأ، "وسيرون أن إسرائيل أصبحت ديمقراطية كما كانت من قبل، إن لم تكن أكثر ديمقراطية".
مشاركة :