شكل الاتفاق الروسي السعودي لتثبيت مستوى الإنتاج في فبراير/ شباط دعماً للأسعار وسط تراجع ثقة الأسواق نتيجة زيادة وفرة الإنتاج التي لم تظهر أي مؤشر للتراجع. إذ نص الاتفاق بين الدولتين، اللتين يشكل مجموع إنتاجهما 22٪ من الإنتاج العالمي، على تثبيت سقف الإنتاج عند مستوى إنتاج شهر يناير/ كانون الثاني شريطة أن تتخذ بعض الدول الأعضاء الأخرى الخطوة ذاتها كإيران والعراق. ورغم إشادة الأخيرتين بقرار التثبيت، إلا أنه من غير المحتمل أن تلتزما بالقرار لاسيما إيران التي دخلت الأسواق بعد عقوبات دامت ثلاث سنوات ونصف، الأمر الذي جعلها تتطلع لاستعادة حصتها السوقية التي خسرتها لصالح نظرائها خلال تلك الفترة. كما تلقت أسعار النفط بحلول نهاية الشهر دعماً ولاسيما سعر مزيج برنت، وذلك إثر قطع الإنتاج في شمال العراق نتيجة عطل في أحد الأنابيب وفي نيجيريا نظراً لحادثة تسرب. فقد ساهم تراجع الإنتاج، في كردستان العراق بنحو 600 ألف برميل يومياً وفي نيجيريا بواقع 250 ألف برميل يومياً من نفط خام فوركادوس، في ارتفاع سعر مزيج برنت إلى أعلى مستوى له منذ ثمانية أسابيع عند 37 دولاراً للبرميل في السادس والعشرين من فبراير. ويعكس هذا الارتفاع الخطورة التي يشكلها توقف الإنتاج وسط زيادة التطورات الجيوسياسية لاسيما في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا. وبالفعل فقد ازداد قلق الكثير بما فيهم وكالة الطاقة الدولية بشأن الانقطاعات المستقبلية في الإنتاج لما لها من أثر كبير في أسواق النفط. وليس هناك إنتاج احتياطي يكفي لسد أي خسائر محتملة في الإنتاج لاسيما مع تراجع الاستثمار النفطي بواقع 24٪ تماشياً مع محاولة الدول المنتجة الكبرى التأقلم مع بيئة أسعار النفط المتدنية، إضافة إلى بلوغ احتياطي إنتاج أوبك أدنى مستوياته (ما يساوي 2.5٪ من الإنتاج العالمي). وقد يؤدي ذلك إلى وضع الأسواق أمام احتمالات كبيرة لمواجهة تقلبات الأسعار ورفعها بشكل حاد. وفي الوقت الحالي، تشهد أسعار النفط تراجعاً والأسواق مشبعة بمستويات عالية من الإنتاج. ولاتزال الثقة عرضة للتأثر بشكل كبير من عودة إيران للأسواق في يناير بعد رفع العقوبات واستمرار ارتفاع المخزون النفطي ومرونة إنتاج النفط الأمريكي الصخري، الذي يشار إلى أنه قد بدأ بالتراجع قليلاً. تحقيق توازن تتوقع وكالة الطاقة الدولية بقاء وفرة الإنتاج التي بدأت منذ العام 2014، وترجح عدم تراجعها حتى الفترة من 2017 حتى 2018 كموعد أقصى. وحتى في تلك الفترة، ليس من المتوقع أن تتعافى الأسعار بصورة ملحوظة إلا بعد تراجع المخزون النفطي الضخم ومخزون المنتجات المكررة التي بدأت بالتراكم خلال السنوات السابقة. وتقدر وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الذي صدر مؤخراً حول توقعاتها للأسواق على المدى المتوسط للعام 2016، تقلص الفارق بين الإنتاج والطلب هذا العام ليصل إلى 1.2 مليون برميل يومياً هذا العام بعد أن فاق الإنتاج مستوى الطلب بنحو 0.9 مليون برميل يومياً في العام 2014 وبنحو مليوني برميل يومياً في العام 2015، ليحقق لاحقاً توازناً مع مستوى الطلب في العام 2017. وتشير التوقعات إلى ارتفاع الطلب بواقع 1.2 مليون برميل يومياً هذا العام واستمراره في النمو ليصل إلى متوسط سنوي عند 1.3 مليون برميل يومياً على المدى المتوسط حتى العام 2021. كما تشير التوقعات إلى تراجع الإنتاج بصورة ملحوظة من أعلى مستوى عند 2.8 مليون برميل يومياً في العام 2015 ليصل إلى 0.4 مليون برميل يومياً هذا العام نتيجة تراجع إنتاج الدول غير التابعة لأوبك بواقع 0.6 مليون برميل يومياً لاسيما في إنتاج أمريكا للنفط الصخري. إلا أنه من المتوقع أن يستعيد إنتاج الدول غير التابعة لأوبك قوته ليصل إلى متوسط 0.7 مليون برميل يومياً تماشياً مع تعافي أسعار النفط لتصل إلى مستويات تساهم في تحسين ربحية الإنتاج. إنتاج أوبك يرتفع في يناير وإيران هي المحرك الأكبر لنمو إنتاج المنظمة على المدى المتوسط. إنتاج أوبك ارتفع إنتاج منظمة أوبك بواقع 132 ألف برميل يومياً ليصل إلى 32.3 مليون برميل يومياً وفق بيانات من مصادر ثانوية تابعة لمنظمة أوبك. وقد تجاوز إجمالي إنتاج أوبك مستواه للعام الماضي بنحو 1.5 مليون برميل يومياً وذلك باستثناء إنتاج إندونيسيا التي عادت مؤخراً للمنظمة ومساهمتها البالغة 700 ألف برميل يومياً. وسجلت كل من العراق والسعودية مرة أخرى أعلى مستويات إنتاج من بين الأعضاء من الدول العربية بواقع 60 ألف برميل يومياً و44 ألف برميل يومياً على التوالي. وسجلت الكويت زيادة طفيفة في إنتاجها بواقع 17 ألف برميل يومياً خلال شهر يناير بينما كان الإنتاج الأكبر من بين أعضاء المنظمة خلال شهر يناير لنيجيريا مسجلة زيادة في إنتاجها بواقع 74 ألف برميل يومياً. ورفعت إيران بدورها الإنتاج بواقع 38 ألف برميل يومياً، ليصل خلال شهر يناير إلى 2.9 مليون برميل يومياً بعد أن رُفعت العقوبات عنها. ومن المفترض أن يتجاوز إنتاج إيران مستوى 3.0 ملايين برميل يومياً خلال الشهرين القادمين. وتجدر الإشارة إلى أن أن المرة الأخيرة التي حقق فيها إنتاج إيران هذا المستوى كان في شهر مايو/ أيار من العام 2012 قبل فرض العقوبات. الشحنة الأولى لإيران استطاعت إيران أن تصدر أول شحنة لها منذ أن رفعت عنها العقوبات بنحو 4 ملايين برميل لعدد من الدول الأوروبية بما فيها شركة توتال الفرنسية. وقد جاءت هذه الصفقة في ظل قيام وفد إيراني على رأسه الرئيس روحاني بزيارة لأوروبا في بداية الشهر، وتنص الصفقة حسب ما تشير إليه التقارير على شراء 160 ألف برميل من النفط الإيراني. وقد اضطرت إيران إلى عرض نفطها بسعر منخفض لتتمكن من منافسة السعودية والعراق وسط وفرة الإنتاج التي تجتاح الأسواق. ومن الممكن أن تحتل إيران والعراق إلى حد ما، المراتب الأولى بين الدول الأكثر انتاجاً في منظمة اوبك في العام 2016 وما بعد. وترى وكالة الطاقة الدولية أن مليون برميل يومياً في إنتاج إيران يعد ارتفاعاً معقولاً على المدى المتوسط ليصل إنتاجها إلى 3.9 مليون برميل يومياً، وفي المقابل وضعت السلطات الإيرانية هدف إنتاج 5 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2020. إلا أن زيادة بهذه النسبة (73%) لا تبدو ممكنة دون تحقيق الاستثمار الكافي واستخدام أحدث التقنيات. ويبدو هذا الهدف مبالغاً فيه في ظل الأوضاع السياسية في إيران وبيئة أسعار النفط المتدنية الحالية وزيادة وتيرة خفض التكاليف من قبل الشركات النفطية.
مشاركة :