لَا تَستَهترُوا بالصُّدَف، فهي قَد تُغيِّر مَسَارَات دُوَل، وتُبدِّل أَحْوَال أَفرَاد، ولَا أَعنِي بالصُّدَف هُنَا، أنْ تَكون حيَاة الإنسَان بِلَا تَخطيط، وإنَّما أَعنِي أنَّ غِيَاب مَوهبَة فَريدَة، قَد يُرشدنا إلَى مَوهبَة أُخرَى؛ لَم تَكُن في الحُسبَان، لأنَّنا لَم نَمنحهَا الفُرصَة الكَافية؛ لتُظهر لِنَا مَواهبهَا..! حَسنًا.. دَعونا نُقرِّب هَذه المَعلُومَات والفَوَائِد، بالأمثِلَة والشَّوَاهِد: أوّلاً: خَرَج مُنتَخب الدّانمرك؛ مِن تَصفيات بطُولة أُمم أُوروبَا عَام 1996، وقَبْل انطلَاق البطُولة، فَرَضَ الاتّحَاد الأُوروبي عقُوبَات عَلى يُوغوسلَافيا، بسَبَب حَرْب البلقَان، وشَملَت العقُوبَات، استبعَاد مُنتَخبها الكُروي مِن البطُولَة، واستَدْعَت بَدلًا عَنه، المُنتَخب الذي حَلَّ خَلفه في التَّصفيّات، وهو مُنتَخب الدّانمرك، وكَانَت المُفَاجأة، أنْ أَحْرَز المُنتَخب الدّانمركي لَقب تِلك البطُولة، رَغم أنَّه لَم يَكُن مُرشَّحًا؛ لمُنَافَسة المُنتخبَات الأُوروبيّة العَريقَة..! أكثَر مِن ذَلك، كَانت المُطربَة العَظيمَة «فيروز»، مُجرَّد مُؤدّية مَغمُورَة، في فرقة إنشَاد إذَاعيّة، وأثنَاء إحدَى البروفَات، اكتَشَفَ المُوسيقَار اللِّبنَاني «محمد فليفل»، مَوهبة «فيروز» بالصُّدْفَة، ليَستَثمرها بَعد ذَلك الأَخَوَان «رحباني»، وكَأنَّها «مَنجم كِنز»، لَم يَتوقَّعا أَنْ يَكون قَريبًا مِنهمَا لهَذه الدَّرجَة..! وآخِر القصَص، هي صُدفَة أَوجَدَت لَنَا الصَّحفي الكَبير «محمود عوض»، حَيثُ يَقول عَنْه الأُستَاذ «محمد توفيق»؛ في كِتَابه «أوليَاء الكِتَابَة الصَّالِحُون»: (لَعِبَتْ الصُّدْفَة دَورًا؛ في نجُوميّة الصَّحفي «محمود عوض»، فعِندَما تَأخَّر «أنيس منصور» عَن إرسَال مَقَاله اليَومي، الذي يُنشَر في الصَّفحَة الأخيرَة؛ مِن «أخبَار اليَوم»، قَرّر «إحسان عبدالقدوس» -رَئيس التَّحرير آنذَاك- تَكليف هَذا الصَّحفي الشَّاب، بكِتَابة الصَّفحَة الأخيرَة وَحده، كعِقَاب لـ»أنيس منصور»، الذي تَسبَّب تَأخُّره المُتكرِّر؛ في عَدم إرسَال الجريدَة إلَى المَطْبَعَة، في الوَقْت المُحدَّد، فأهدَى إلينَا هَذا التَّأخير، وَاحِدًا مِن أَلْمَع نجُوم بَلَاط صَاحِبَة الجَلَالَة)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ أذْكر مِثَالًا رَابِعًا، وهو أنَّ «العرفج» –هَذا الذي يَكتب لَكُم اليَوم- أَصبَح بالصُّدفة كَاتِبًا يَوميًّا، حِين أَرَاد الصَّحفي اللَّامع «محمد التونسي»؛ في بِدَاية عَام 2000، كَاتِبًا شَعبيًّا مُشَاكِسًا في جَريدته «الاقتصَاديّة»، فلَم يَجِد أَمَامه إلَّا «العرفج»، ليُجبره عَلى الكِتَابة اليَوميّة، في زَاوية: «طَعامٌ مِن ضَريع»، ومِن يومها أصبَح «العرفج» كِاتِبًا يَوميًّا، يَمتَهِن المُشَاكَسَة، ويَقترب مِن حدُود البَلْطَجَة والعَرْبَجَة..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :